❞ رواية عرس الزين ❝  ⏤ الطيب صالح

❞ رواية عرس الزين ❝ ⏤ الطيب صالح

"يولد الأطفال فيستقبلون الحياة بالصريخ، هذا هو المعروف. ولكن يروى أن الزين، والعهدة على أمه والنساء اللائي حضرت ولادتها، أول ما مس الأرض، انفجر ضاحكاً. وظل هكذا طول حياته. كبر وليس في فمه غير سنتين، واحدة في فكه الأعلى، والأخرى في فكه الأسفل، وأمه تقول إن فمه كان مليئاً بأسنان بيضاء كاللؤلؤ. ولما كان في السادسة ذهبت به يوماً لزيارة قريبات لها، فمرا عند مغيب الشمس على خرابة يشاع أنها مسكونة. وفجأة تسمر الزين مكانه وأخذ يرتجف كمن به حمى، ثم صرخ. وبعدها لزم الفراش أياماً. ولما قام من مرضه كانت أسنانه جميعاً قد سقطت، إلا واحدة في فكه الأعلى، وأخرى في فكه الأسفل.

كان وجه الزين مستطيلاً، ناشئ عظام الوجنتين والفكين وتحت العينين. جبهته باردة مستديرة، عيناه صغيرتان محمرتان دائماً، محجراهما غائران مثل كهفين في وجهه. ولم يكن على وجهه شعر إطلاقاً. لم تكن له حواجب ولا أجفان، وقد بلغ مبلغ الرجال وليست له لحية أو شارب. تحت هذا الوجه رقبة طويلة. (من بين الألقاب التي أطلقها الصبيان على الزين" الزرافة"). والرقبة تقف على كتفين قويتين تنهد لأن على بقية الجسم في شكل مثلث، الذراعان طويلتان كذراعي القرد... والساقان رقيقان طويلتان كساقي الكركي. أما القدمان فقد كانتا مفرطحتين عليهما ندوب قديمة والزين يذكر قصة كل جرح من هذه الجروح... يحكي الزين قصته فيقول: "الجرح دا يا جماعة ليه حكاية" ويستفزه محجوب قائلاً: "حكاية شنو يا عدير؟ يا مشيت تسرق ضربوك بي غصن شوك". ويقع هذا موقعاً حسناً في نفس الزين، فيستلقي على قفاه ضاحكاً، ثم يضرب الأرض بيديه ويرفع رجليه في الهواء ويظل يضحك بطريقته الفذة، ذلك الضحك الغريب الذي يشبه نهيق الحمار. وكان ضحكة قد أعدى الحاضرين جميعاً، فيتحول المجلس إلى قهقهة مروية.

ويتمالك الزين نفسه، ويمسح بكم ثوبه الدمع الذي سال على وجهه من الضحك، ويقول: أي... أي... مشيت أسرق". يأخذك الطيب الصالح إلى عوالم تزخر بشخصيات تضحكك حيناً تبكيك أحياناً، وتزرع في قلبك تلك المسحة الإنسانية التي تكشف عن براعة الطيب الصالح في الوصول سريعاً إلى مساحة احساسات قارئه. وصفيات وسرديات وعالم هو رهن مشهد القارئ وواقعه تتيح التعرف إلى إبداعات الطيب الصالح في مسار الصفة الروائية.
الطيب صالح - الطيب صالح (12 يوليو 1929 - 18 فبراير 2009)، أديب سوداني وأحد أشهر الأدباء العرب أطلق عليه النقاد لقب "عبقري الرواية العربية". عاش في، بريطانيا وقطر وفرنسا

❰ له مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ موسم الهجرة إلى الشمال ❝ الناشرين : ❞ دار العودة ❝ ❱
من روايات وقصص ادبية النثر العربى - مكتبة القصص والروايات والمجلّات.


اقتباسات من رواية عرس الزين

نبذة عن الكتاب:
عرس الزين

2008م - 1446هـ
"يولد الأطفال فيستقبلون الحياة بالصريخ، هذا هو المعروف. ولكن يروى أن الزين، والعهدة على أمه والنساء اللائي حضرت ولادتها، أول ما مس الأرض، انفجر ضاحكاً. وظل هكذا طول حياته. كبر وليس في فمه غير سنتين، واحدة في فكه الأعلى، والأخرى في فكه الأسفل، وأمه تقول إن فمه كان مليئاً بأسنان بيضاء كاللؤلؤ. ولما كان في السادسة ذهبت به يوماً لزيارة قريبات لها، فمرا عند مغيب الشمس على خرابة يشاع أنها مسكونة. وفجأة تسمر الزين مكانه وأخذ يرتجف كمن به حمى، ثم صرخ. وبعدها لزم الفراش أياماً. ولما قام من مرضه كانت أسنانه جميعاً قد سقطت، إلا واحدة في فكه الأعلى، وأخرى في فكه الأسفل.

كان وجه الزين مستطيلاً، ناشئ عظام الوجنتين والفكين وتحت العينين. جبهته باردة مستديرة، عيناه صغيرتان محمرتان دائماً، محجراهما غائران مثل كهفين في وجهه. ولم يكن على وجهه شعر إطلاقاً. لم تكن له حواجب ولا أجفان، وقد بلغ مبلغ الرجال وليست له لحية أو شارب. تحت هذا الوجه رقبة طويلة. (من بين الألقاب التي أطلقها الصبيان على الزين" الزرافة"). والرقبة تقف على كتفين قويتين تنهد لأن على بقية الجسم في شكل مثلث، الذراعان طويلتان كذراعي القرد... والساقان رقيقان طويلتان كساقي الكركي. أما القدمان فقد كانتا مفرطحتين عليهما ندوب قديمة والزين يذكر قصة كل جرح من هذه الجروح... يحكي الزين قصته فيقول: "الجرح دا يا جماعة ليه حكاية" ويستفزه محجوب قائلاً: "حكاية شنو يا عدير؟ يا مشيت تسرق ضربوك بي غصن شوك". ويقع هذا موقعاً حسناً في نفس الزين، فيستلقي على قفاه ضاحكاً، ثم يضرب الأرض بيديه ويرفع رجليه في الهواء ويظل يضحك بطريقته الفذة، ذلك الضحك الغريب الذي يشبه نهيق الحمار. وكان ضحكة قد أعدى الحاضرين جميعاً، فيتحول المجلس إلى قهقهة مروية.

ويتمالك الزين نفسه، ويمسح بكم ثوبه الدمع الذي سال على وجهه من الضحك، ويقول: أي... أي... مشيت أسرق". يأخذك الطيب الصالح إلى عوالم تزخر بشخصيات تضحكك حيناً تبكيك أحياناً، وتزرع في قلبك تلك المسحة الإنسانية التي تكشف عن براعة الطيب الصالح في الوصول سريعاً إلى مساحة احساسات قارئه. وصفيات وسرديات وعالم هو رهن مشهد القارئ وواقعه تتيح التعرف إلى إبداعات الطيب الصالح في مسار الصفة الروائية. .
المزيد..

تعليقات القرّاء:



سنة النشر : 2008م / 1429هـ .
عداد القراءة: عدد قراءة عرس الزين

اذا اعجبك الكتاب فضلاً اضغط على أعجبني
و يمكنك تحميله من هنا:

تحميل الكتاب غير متوفّر حاليًا

شكرًا لمساهمتكم

شكراً لمساهمتكم معنا في الإرتقاء بمستوى المكتبة ، يمكنكم االتبليغ عن اخطاء او سوء اختيار للكتب وتصنيفها ومحتواها ، أو كتاب يُمنع نشره ، او محمي بحقوق طبع ونشر ، فضلاً قم بالتبليغ عن الكتاب المُخالف:

المؤلف:
الطيب صالح - Tayeb Saleh

كتب الطيب صالح الطيب صالح (12 يوليو 1929 - 18 فبراير 2009)، أديب سوداني وأحد أشهر الأدباء العرب أطلق عليه النقاد لقب "عبقري الرواية العربية". عاش في، بريطانيا وقطر وفرنسا ❰ له مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ موسم الهجرة إلى الشمال ❝ الناشرين : ❞ دار العودة ❝ ❱. المزيد..

كتب الطيب صالح
الناشر:
دار العودة
كتب دار العودة ❰ ناشرين لمجموعة من المؤلفات أبرزها ❞ موسم الهجرة إلى الشمال ❝ ❞ حوار مع صديقي الملحد ❝ ❞ الشوقيات ❝ ❞ الوجود والعدم ❝ ❞ ديوان البارودي ❝ ❞ ديوان إيليا أبوماضي 1 ❝ ❞ ديوان إبراهيم ناجي ❝ ❞ الثابت والمتحول - الجزء الثاني ❝ ❞ أوراق الزيتون ❝ ❞ آخر الليل ❝ ومن أبرز المؤلفين : ❞ مصطفى محمود ❝ ❞ محمد متولي الشعراوي ❝ ❞ محمود درويش ❝ ❞ أحمد شوقى ❝ ❞ أدونيس ❝ ❞ جابرييل جارسيا ماركيز ❝ ❞ إبراهيم ناجى ❝ ❞ إريك فروم ❝ ❞ إيليا أبو ماضى ❝ ❞ الطيب الصالح ❝ ❞ مريد البرغوثي ❝ ❞ الطيب صالح ❝ ❞ محمود سامى البارودى ❝ ❞ غسان كنفاني ❝ ❞ غسان زقطان ❝ ❞ عبد الكريم الكرمى ❝ ❞ جمال الدين محميد بن حمير بن عمر الوصابي الهمداني ❝ ❞ جمال الدين محمد بن حمير بن عمر الوصابي الهمداني ❝ ❱.المزيد.. كتب دار العودة