❞ كتاب الإخوان المسلمون.. 70 عاما في الدعوة والتربية والجهاد ❝  ⏤ يوسف القرضاوي

❞ كتاب الإخوان المسلمون.. 70 عاما في الدعوة والتربية والجهاد ❝ ⏤ يوسف القرضاوي

المقدمة

قال لي بعض الإخوة: لماذا لا تكتب شيئا ينصف الإخوان، ويرد على اتهامات المغرضين، ويضع الأمور في نصابها، وللإخوان حق عليك، وإن كنا نعلم أنك الآن للمسلمين جميعًا؟

قلت للإخوة: هذا حق، وأنا بالفعل ملك أمتي الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها، ولكني لا أتنكر لدعوة الإخوان، ولا أجحد أني نشأت في ظلها، وتعلمت من إمامها وإخوانه وتلاميذه، وصهرت في بوتقتها حتى نضجت واستقلت في العلم والفكر.

ولهذا أرى لزامًا على أن أمسك بالقلم، لأكتب هذه الصحائف، لأجلو الغبار عن وجه الدعوة الإخوانية، وألقي بعض الضوء على حقيقة أهدافها ومناهجها، ومقوماتها وخصائصها، وأعطي بعض الإشارات واللمحات عن سيرتها ومسيرتها، وعن ثمراتها وآثارها، وعن معاناتها ومحنها، وأرد على التهم الموجهة إليها، مركزًا على موقف مؤسس الحركة الإمام الشهيد حسن البنا مستشهدًا بكلماته، وناقلًا من رسائله، بشكل أساسي، باعتبارها «المنهاج الرسمي» للإخوان، الذي ارتضوه، وانضموا للجماعة على ضوء توجهاته وتوجيهاته، «وربما أطيل النقل أحيانا - على غير ما يوصي به الأكاديميون - لمزيد البيان والتوثيق» وإن كان المصدرالأول للحركة من غير شك، هو القرآن والسنة، ولهذا كان من شعار الجماعة: القرآن دستورنا، والرسول زعيمنا.

وكان من أصول الجماعة التي ذكرها الشهيد البنا: كل أحد يؤخذ من كلامه ويترك إلا المعصوم صلى الله عليه وسلم، ولكن «حركة الإخوان» بعد سبعين عاما، أصبحت أوسع من رسائل الإمام البنا وتراثه، إنما هي كل التراث الفكري والعملي والجهادي التراكمي للتيار الإسلامي الكبير، الذي مضى في طريق حسن البنا واستمد منه، وأضاف إليه وربما عدل منه في بعض الأحيان.

وحديثي عن حركة الإخوان هنا ليس حديث المؤرخ المستوعب، فلست أزعم أني أملك الأدوات اللازمة لذلك، ولا الوقت الكافي له، وإنما هو حديث موجز بعض الإيجاز، يجيب عن بعض التساؤلات، ويضع بعض النقاط على بعض الحروف، من امرئ عاش في الإخوان، وعايش الأحداث، وخاض غمار المحن في عهد الملكية وعهد الثورة، مع إخوانه الذين صبروا وصابروا ولم يزدهم الابتلاء إلا ثباتا وإيمانا: {فَمَا وَهَنُواْ لِمَآ أَصَابَهُمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا ٱسۡتَكَانُواْۗ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلصَّٰبِرِينَ146 وَمَا كَانَ قَوۡلَهُمۡ إِلَّآ أَن قَالُواْ رَبَّنَا ٱغۡفِرۡ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسۡرَافَنَا فِيٓ أَمۡرِنَا وَثَبِّتۡ أَقۡدَامَنَا وَٱنصُرۡنَا عَلَى ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡكَٰفِرِينَ} (آل عمران: 146، 147) .

والحق أني ما كنت أتوقع أن يطول بي البحث إلى هذا الحد، ولكن هكذا كان. وهو ليس بكثير على أولى الجماعات الإسلامية من حيث الزمن، وكبرى الجماعات من حيث العدد، وأوسع الجماعات من حيث المساحة، فللإخوان وجود وأتباع في أكثر من سبعين قطرًا.

هذا وقد كنت أخذت على الإخوان - ولا أزال - أنهم لم يكتبوا تاريخهم بطريقة علمية موضوعية موثقة، بعيدا عن كتابة «المتحاملين» من خصوم الإخوان، أو خصوم الإسلام، وعن كتابة «المناقبيين» من كتاب الإخوان، الذين ينظرون إلى تاريخ الإخوان على أنه جميعه مناقب وأمجاد، بل ينبغي النظر إلى الإخوان نظرة وسطية منهجية، تقول ما لهم وما عليهم، مميزين بين أصولهم وأهدافهم الإسلامية التي لا ينبغي الخلاف عليها، وبين مواقفهم واجتهاداتهم البشرية، باعتبارهم مجموعة من المسلمين تجتهد في خدمة الإسلام، والنهوض بأمته، وإعلاء رايته، ونصرة قضاياه، مغلبين حسن الظن، وواكلين السرائر إلى ربها، فإن أصابت هذه المجموعة فلها أجران، وإن أخطأت بعد اجتهادها فلها أجر واحد، كما علمنا رسول الإسلام، عليه الصلاة والسلام، وكل منصف يدرك أن أكثر اجتهادات الإخوان كانت صوابًا، والحمد لله.

وينبغي -لكي نكون منصفين علميين حقًا- أن نضع الأحداث في إطارها الزمني، ولا نخرجها عن سياقها التاريخي، وأن نفهمها كما تفهم النصوص في ضوء أسبابها وملابساتها ومقاصدها.

ولقد بدأ عدد من الإخوان يكتبون بصفة فردية، مثل الأساتذة محمود عبد الحليم، وعباس السيسي، وغيرهما، كما كتب بعضهم عن مؤسس الحركة الإمام البنا رضي الله عنه، وهذه كلها خطوات في الطريق، إلى كتابة التاريخ العلمي الذي تشرف عليه الجماعة، وتكله إلى أساتذة متخصصين، قادرين على التوثيق والنقد والموازنة والتحليل.

ومن عجائب الأقدار أني أبيض هذه المقدمة في منتصف شهر فبراير 1999م أي بعد خمسين سنة شمسية تماما من مقتل الإمام حسن البنا، الذي اغتيل في الثاني عشر منه (12/2/1949م) ليكون هدية للملك فاروق في عيد ميلاده الذي احتفل به يوم (11/2/1949م) وهو يوم إجازة رسمية في مصر في ذلك الوقت.

ولا زلت أذكر ذلك اليوم الذي قرأنا فيه نبأ اغتيال الشيخ البنا، فقد كان يوم خروجنا من سجن شرطة قسم أول طنطا، بعد أن مكثنا فيه نحو أربعين يومًا، وذلك لترحيلنا إلى معتقل الطور. وكانت الصحف ممنوعة عنا، ولا نعرف شيئًا عن أخبار الدنيا، إلا إذا جاءنا ضيف جديد من الإخوان لينضم إلينا، فكانت الفجيعة الفظيعة أن يكون أول خبر نقرؤه بعد هذه المدة هو خبر استشهاد مؤسس الحركة رضي الله عنه.

فهذا الكتاب جاء في مناسبتين مهمتين

مرور سبعين عامًا شمسية أو ميلادية على تأسيس جماعة الإخوان المسلمين، وأكثر من اثنين وسبعين عامًا قمرية أو هجرية... "في ذي القعدة سنة 1347هـ الموافق أبريل أو مايو سنة 1929م، كما تبين ذلك بالدليل، وليس سنة 1928م كما هو مشهور".

ومضى خمسين عامًا على استشهاد الإمام البنا، وقد كنت كتبت بمناسبة مرور ثلاثين سنة على وفاته: كتابي «التربية الإسلامية ومدرسة حسن البنا»، فالآن أكتب هذا الكتاب بمناسبة مضي نصف قرن على هذا الاستشهاد.
يوسف القرضاوي - يوسف عبد الله القرضاوي (9 سبتمبر 1926): عالم مصري مسلم يحمل الجنسية القطرية، ورئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين سابقا. ولد في قرية صفط تراب مركز المحلة الكبرى بمحافظة الغربية في مصر.


❰ له مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ مشكلة الفقر وكيف عالجها الإسلام ❝ ❞ الصبر في القرآن ❝ ❞ جيل النصر المنشود ❝ ❞ الإسلام والعلمانية وجها لوجه ❝ ❞ المنتقى من كتاب الترغيب والترهيب للمنذري ❝ ❞ الفقه الإسلامي بين الأصالة والتجديد ❝ ❞ دور الزكاة في علاج المشكلات الاقتصادية وشروط نجاحها ❝ ❞ ثقافتنا بين الانفتاح والانغلاق ❝ ❞ عوامل السعة والمرونة في الشريعة الإسلامية ❝ الناشرين : ❞ جميع الحقوق محفوظة للمؤلف ❝ ❞ دار الشروق للنشر والتوزيع: مصر - لبنان ❝ ❞ دار القلم للنشر والتوزيع ❝ ❞ مؤسسة الرسالة ❝ ❞ المكتب الإسلامي للطباعة والنشر ❝ ❞ الأزهر الشريف ❝ ❞ دار الشروق ❝ ❞ مكتبة وهبة ❝ ❞ دار الصحوة للنشر ❝ ❞ مركز بحوث السنة والسيره -قطر ❝ ❞ مكتبة البنين ❝ ❱
من تاريخ اليقظة الاسلامية وحركات التحرير كتب التاريخ الإسلامي - مكتبة كتب التاريخ.

نبذة عن الكتاب:
الإخوان المسلمون.. 70 عاما في الدعوة والتربية والجهاد

1999م - 1445هـ
المقدمة

قال لي بعض الإخوة: لماذا لا تكتب شيئا ينصف الإخوان، ويرد على اتهامات المغرضين، ويضع الأمور في نصابها، وللإخوان حق عليك، وإن كنا نعلم أنك الآن للمسلمين جميعًا؟

قلت للإخوة: هذا حق، وأنا بالفعل ملك أمتي الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها، ولكني لا أتنكر لدعوة الإخوان، ولا أجحد أني نشأت في ظلها، وتعلمت من إمامها وإخوانه وتلاميذه، وصهرت في بوتقتها حتى نضجت واستقلت في العلم والفكر.

ولهذا أرى لزامًا على أن أمسك بالقلم، لأكتب هذه الصحائف، لأجلو الغبار عن وجه الدعوة الإخوانية، وألقي بعض الضوء على حقيقة أهدافها ومناهجها، ومقوماتها وخصائصها، وأعطي بعض الإشارات واللمحات عن سيرتها ومسيرتها، وعن ثمراتها وآثارها، وعن معاناتها ومحنها، وأرد على التهم الموجهة إليها، مركزًا على موقف مؤسس الحركة الإمام الشهيد حسن البنا مستشهدًا بكلماته، وناقلًا من رسائله، بشكل أساسي، باعتبارها «المنهاج الرسمي» للإخوان، الذي ارتضوه، وانضموا للجماعة على ضوء توجهاته وتوجيهاته، «وربما أطيل النقل أحيانا - على غير ما يوصي به الأكاديميون - لمزيد البيان والتوثيق» وإن كان المصدرالأول للحركة من غير شك، هو القرآن والسنة، ولهذا كان من شعار الجماعة: القرآن دستورنا، والرسول زعيمنا.

وكان من أصول الجماعة التي ذكرها الشهيد البنا: كل أحد يؤخذ من كلامه ويترك إلا المعصوم صلى الله عليه وسلم، ولكن «حركة الإخوان» بعد سبعين عاما، أصبحت أوسع من رسائل الإمام البنا وتراثه، إنما هي كل التراث الفكري والعملي والجهادي التراكمي للتيار الإسلامي الكبير، الذي مضى في طريق حسن البنا واستمد منه، وأضاف إليه وربما عدل منه في بعض الأحيان.

وحديثي عن حركة الإخوان هنا ليس حديث المؤرخ المستوعب، فلست أزعم أني أملك الأدوات اللازمة لذلك، ولا الوقت الكافي له، وإنما هو حديث موجز بعض الإيجاز، يجيب عن بعض التساؤلات، ويضع بعض النقاط على بعض الحروف، من امرئ عاش في الإخوان، وعايش الأحداث، وخاض غمار المحن في عهد الملكية وعهد الثورة، مع إخوانه الذين صبروا وصابروا ولم يزدهم الابتلاء إلا ثباتا وإيمانا: {فَمَا وَهَنُواْ لِمَآ أَصَابَهُمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا ٱسۡتَكَانُواْۗ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلصَّٰبِرِينَ146 وَمَا كَانَ قَوۡلَهُمۡ إِلَّآ أَن قَالُواْ رَبَّنَا ٱغۡفِرۡ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسۡرَافَنَا فِيٓ أَمۡرِنَا وَثَبِّتۡ أَقۡدَامَنَا وَٱنصُرۡنَا عَلَى ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡكَٰفِرِينَ} (آل عمران: 146، 147) .

والحق أني ما كنت أتوقع أن يطول بي البحث إلى هذا الحد، ولكن هكذا كان. وهو ليس بكثير على أولى الجماعات الإسلامية من حيث الزمن، وكبرى الجماعات من حيث العدد، وأوسع الجماعات من حيث المساحة، فللإخوان وجود وأتباع في أكثر من سبعين قطرًا.

هذا وقد كنت أخذت على الإخوان - ولا أزال - أنهم لم يكتبوا تاريخهم بطريقة علمية موضوعية موثقة، بعيدا عن كتابة «المتحاملين» من خصوم الإخوان، أو خصوم الإسلام، وعن كتابة «المناقبيين» من كتاب الإخوان، الذين ينظرون إلى تاريخ الإخوان على أنه جميعه مناقب وأمجاد، بل ينبغي النظر إلى الإخوان نظرة وسطية منهجية، تقول ما لهم وما عليهم، مميزين بين أصولهم وأهدافهم الإسلامية التي لا ينبغي الخلاف عليها، وبين مواقفهم واجتهاداتهم البشرية، باعتبارهم مجموعة من المسلمين تجتهد في خدمة الإسلام، والنهوض بأمته، وإعلاء رايته، ونصرة قضاياه، مغلبين حسن الظن، وواكلين السرائر إلى ربها، فإن أصابت هذه المجموعة فلها أجران، وإن أخطأت بعد اجتهادها فلها أجر واحد، كما علمنا رسول الإسلام، عليه الصلاة والسلام، وكل منصف يدرك أن أكثر اجتهادات الإخوان كانت صوابًا، والحمد لله.

وينبغي -لكي نكون منصفين علميين حقًا- أن نضع الأحداث في إطارها الزمني، ولا نخرجها عن سياقها التاريخي، وأن نفهمها كما تفهم النصوص في ضوء أسبابها وملابساتها ومقاصدها.

ولقد بدأ عدد من الإخوان يكتبون بصفة فردية، مثل الأساتذة محمود عبد الحليم، وعباس السيسي، وغيرهما، كما كتب بعضهم عن مؤسس الحركة الإمام البنا رضي الله عنه، وهذه كلها خطوات في الطريق، إلى كتابة التاريخ العلمي الذي تشرف عليه الجماعة، وتكله إلى أساتذة متخصصين، قادرين على التوثيق والنقد والموازنة والتحليل.

ومن عجائب الأقدار أني أبيض هذه المقدمة في منتصف شهر فبراير 1999م أي بعد خمسين سنة شمسية تماما من مقتل الإمام حسن البنا، الذي اغتيل في الثاني عشر منه (12/2/1949م) ليكون هدية للملك فاروق في عيد ميلاده الذي احتفل به يوم (11/2/1949م) وهو يوم إجازة رسمية في مصر في ذلك الوقت.

ولا زلت أذكر ذلك اليوم الذي قرأنا فيه نبأ اغتيال الشيخ البنا، فقد كان يوم خروجنا من سجن شرطة قسم أول طنطا، بعد أن مكثنا فيه نحو أربعين يومًا، وذلك لترحيلنا إلى معتقل الطور. وكانت الصحف ممنوعة عنا، ولا نعرف شيئًا عن أخبار الدنيا، إلا إذا جاءنا ضيف جديد من الإخوان لينضم إلينا، فكانت الفجيعة الفظيعة أن يكون أول خبر نقرؤه بعد هذه المدة هو خبر استشهاد مؤسس الحركة رضي الله عنه.

فهذا الكتاب جاء في مناسبتين مهمتين

مرور سبعين عامًا شمسية أو ميلادية على تأسيس جماعة الإخوان المسلمين، وأكثر من اثنين وسبعين عامًا قمرية أو هجرية... "في ذي القعدة سنة 1347هـ الموافق أبريل أو مايو سنة 1929م، كما تبين ذلك بالدليل، وليس سنة 1928م كما هو مشهور".

ومضى خمسين عامًا على استشهاد الإمام البنا، وقد كنت كتبت بمناسبة مرور ثلاثين سنة على وفاته: كتابي «التربية الإسلامية ومدرسة حسن البنا»، فالآن أكتب هذا الكتاب بمناسبة مضي نصف قرن على هذا الاستشهاد.

.
المزيد..

تعليقات القرّاء:

المقدمة الحمد لله وكفى، وسلام على رسله الذين اصطفى، وعلى خاتمهم المجتبى، محمد وآله وصحبه أئمة الهدى، ومصابيح الدجى، ومن بهم اقتدى فاهتدى. أما بعد ... ففي شهر يوليو «تموز» عام (1998م) أذاعت قناة الجزيرة في دولة قطر حلقة مثيرة في برنامجها الشهير «الاتجاه المعاكس» عن «جماعة الإخوان المسلمين» بمناسبة مرور سبعين عامًا على تأسيسها، وكان الطرف الأول في الحوار هو الأستاذ الدكتور توفيق الشاوي الأستاذ السابق بكلية الحقوق بجامعة القاهرة، وعضو الهيئة التأسيسية للإخوان والكاتب الإسلامي المعروف، والطرف الآخر هو اللواء فؤاد علام، الذي كان أحد ضباط مباحث أمن الدولة الذين اشتهروا بتعذيب الإخوان في سنة 1965م حتى أطلقوا عليه "ملك التعذيب"! وبعد أن أحيل على التقاعد ظلت عقدة تعذيب الإخوان تلاحقه، وكان المظنون أن يعترف بذنبه، ويستغفر الله تعالى ويتوب إليه مما صدر منه، ولكنه أصدر كتابا سماه «الإخوان وأنا» برأ فيه نفسه، وألصق بالإخوان كل نقيصة. وعلى كل حال فشهادة مثله مردودة، لأكثر من سبب، وأول هذه الأسباب أنه خصم، ولا يكون الخصم شاهدًا ولا حكمًا، وقديمًا قال العرب: من استرعى الذئب فقد ظلم! ولهذا استغربت من البرنامج أن يستضيفه أكثر من مرة، وهو ليس من أهل العلم والفكر، ولا من أهل الدين والشرع، واستغربت من الدكتورالشاوي أن يقبل محاورته. وقد طرحت قضايا في هذه الحلقة - بعضها من أناس تكلموا بالهاتف - لم تأخذ حقها من الإيضاح، وتساؤلات لم يجب عنها كلها، إما لضيق الوقت أو لضيق الصدر، أو لغير ذلك. وقال لي بعض الإخوة: لماذا لا تكتب شيئا في ذلك ينصف الإخوان، ويرد على اتهامات المغرضين، ويضع الأمور في نصابها، وللإخوان حق عليك، وإن كنا نعلم أنك الآن للمسلمين جميعًا؟ قلت للإخوة: هذا حق، وأنا بالفعل ملك أمتي الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها، ولكني لا أتنكر لدعوة الإخوان، ولا أجحد أني نشأت في ظلها، وتعلمت من إمامها وإخوانه وتلاميذه، وصهرت في بوتقتها حتى نضجت واستقلت في العلم والفكر. ولهذا أرى لزامًا على أن أمسك بالقلم، لأكتب هذه الصحائف، لأجلو الغبار عن وجه الدعوة الإخوانية، وألقي بعض الضوء على حقيقة أهدافها ومناهجها، ومقوماتها وخصائصها، وأعطي بعض الإشارات واللمحات عن سيرتها ومسيرتها، وعن ثمراتها وآثارها، وعن معاناتها ومحنها، وأرد على التهم الموجهة إليها، مركزًا على موقف مؤسس الحركة الإمام الشهيد حسن البنا مستشهدًا بكلماته، وناقلًا من رسائله، بشكل أساسي، باعتبارها «المنهاج الرسمي» للإخوان، الذي ارتضوه، وانضموا للجماعة على ضوء توجهاته وتوجيهاته، «وربما أطيل النقل أحيانا - على غير ما يوصي به الأكاديميون - لمزيد البيان والتوثيق» وإن كان المصدرالأول للحركة من غير شك، هو القرآن والسنة، ولهذا كان من شعار الجماعة: القرآن دستورنا، والرسول زعيمنا. وكان من أصول الجماعة التي ذكرها الشهيد البنا: كل أحد يؤخذ من كلامه ويترك إلا المعصوم صلى الله عليه وسلم، ولكن «حركة الإخوان» بعد سبعين عاما، أصبحت أوسع من رسائل الإمام البنا وتراثه، إنما هي كل التراث الفكري والعملي والجهادي التراكمي للتيار الإسلامي الكبير، الذي مضى في طريق حسن البنا واستمد منه، وأضاف إليه وربما عدل منه في بعض الأحيان. وحديثي عن حركة الإخوان هنا ليس حديث المؤرخ المستوعب، فلست أزعم أني أملك الأدوات اللازمة لذلك، ولا الوقت الكافي له، وإنما هو حديث موجز بعض الإيجاز، يجيب عن بعض التساؤلات، ويضع بعض النقاط على بعض الحروف، من امرئ عاش في الإخوان، وعايش الأحداث، وخاض غمار المحن في عهد الملكية وعهد الثورة، مع إخوانه الذين صبروا وصابروا ولم يزدهم الابتلاء إلا ثباتا وإيمانا: {فَمَا وَهَنُواْ لِمَآ أَصَابَهُمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا ٱسۡتَكَانُواْۗ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلصَّٰبِرِينَ146 وَمَا كَانَ قَوۡلَهُمۡ إِلَّآ أَن قَالُواْ رَبَّنَا ٱغۡفِرۡ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسۡرَافَنَا فِيٓ أَمۡرِنَا وَثَبِّتۡ أَقۡدَامَنَا وَٱنصُرۡنَا عَلَى ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡكَٰفِرِينَ} (آل عمران: 146، 147) . والحق أني ما كنت أتوقع أن يطول بي البحث إلى هذا الحد، ولكن هكذا كان. وهو ليس بكثير على أولى الجماعات الإسلامية من حيث الزمن، وكبرى الجماعات من حيث العدد، وأوسع الجماعات من حيث المساحة، فللإخوان وجود وأتباع في أكثر من سبعين قطرًا. هذا وقد كنت أخذت على الإخوان - ولا أزال - أنهم لم يكتبوا تاريخهم بطريقة علمية موضوعية موثقة، بعيدا عن كتابة «المتحاملين» من خصوم الإخوان، أو خصوم الإسلام، وعن كتابة «المناقبيين» من كتاب الإخوان، الذين ينظرون إلى تاريخ الإخوان على أنه جميعه مناقب وأمجاد، بل ينبغي النظر إلى الإخوان نظرة وسطية منهجية، تقول ما لهم وما عليهم، مميزين بين أصولهم وأهدافهم الإسلامية التي لا ينبغي الخلاف عليها، وبين مواقفهم واجتهاداتهم البشرية، باعتبارهم مجموعة من المسلمين تجتهد في خدمة الإسلام، والنهوض بأمته، وإعلاء رايته، ونصرة قضاياه، مغلبين حسن الظن، وواكلين السرائر إلى ربها، فإن أصابت هذه المجموعة فلها أجران، وإن أخطأت بعد اجتهادها فلها أجر واحد، كما علمنا رسول الإسلام، عليه الصلاة والسلام، وكل منصف يدرك أن أكثر اجتهادات الإخوان كانت صوابًا، والحمد لله. وينبغي -لكي نكون منصفين علميين حقًا- أن نضع الأحداث في إطارها الزمني، ولا نخرجها عن سياقها التاريخي، وأن نفهمها كما تفهم النصوص في ضوء أسبابها وملابساتها ومقاصدها. ولقد بدأ عدد من الإخوان يكتبون بصفة فردية، مثل الأساتذة محمود عبد الحليم، وعباس السيسي، وغيرهما، كما كتب بعضهم عن مؤسس الحركة الإمام البنا رضي الله عنه، وهذه كلها خطوات في الطريق، إلى كتابة التاريخ العلمي الذي تشرف عليه الجماعة، وتكله إلى أساتذة متخصصين، قادرين على التوثيق والنقد والموازنة والتحليل. ومن عجائب الأقدار أني أبيض هذه المقدمة في منتصف شهر فبراير 1999م أي بعد خمسين سنة شمسية تماما من مقتل الإمام حسن البنا، الذي اغتيل في الثاني عشر منه (12/2/1949م) ليكون هدية للملك فاروق في عيد ميلاده الذي احتفل به يوم (11/2/1949م) وهو يوم إجازة رسمية في مصر في ذلك الوقت. ولا زلت أذكر ذلك اليوم الذي قرأنا فيه نبأ اغتيال الشيخ البنا، فقد كان يوم خروجنا من سجن شرطة قسم أول طنطا، بعد أن مكثنا فيه نحو أربعين يومًا، وذلك لترحيلنا إلى معتقل الطور. وكانت الصحف ممنوعة عنا، ولا نعرف شيئًا عن أخبار الدنيا، إلا إذا جاءنا ضيف جديد من الإخوان لينضم إلينا، فكانت الفجيعة الفظيعة أن يكون أول خبر نقرؤه بعد هذه المدة هو خبر استشهاد مؤسس الحركة رضي الله عنه. فهذا الكتاب جاء في مناسبتين مهمتين مرور سبعين عامًا شمسية أو ميلادية على تأسيس جماعة الإخوان المسلمين، وأكثر من اثنين وسبعين عامًا قمرية أو هجرية... "في ذي القعدة سنة 1347هـ الموافق أبريل أو مايو سنة 1929م، كما تبين ذلك بالدليل، وليس سنة 1928م كما هو مشهور". ومضى خمسين عامًا على استشهاد الإمام البنا، وقد كنت كتبت بمناسبة مرور ثلاثين سنة على وفاته: كتابي «التربية الإسلامية ومدرسة حسن البنا»، فالآن أكتب هذا الكتاب بمناسبة مضي نصف قرن على هذا الاستشهاد. وعلى كل حال، هذه شهادتي أكتبها للحق والتاريخ، وقد قال الشاعر: وما من كاتب إلا سيبلي ** ويبقى -الدهر- ما كتبت يداه! فلا تكتب بخطك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه! {رَبَّنَآ إِنَّكَ تَعۡلَمُ مَا نُخۡفِي وَمَا نُعۡلِنُۗ وَمَا يَخۡفَىٰ عَلَى ٱللَّهِ مِن شَيۡءٖ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَا فِي ٱلسَّمَآءِ} (إبراهيم: 38)



سنة النشر : 1999م / 1420هـ .
نوع الكتاب : pdf.
عداد القراءة: عدد قراءة الإخوان المسلمون.. 70 عاما في الدعوة والتربية والجهاد

اذا اعجبك الكتاب فضلاً اضغط على أعجبني
و يمكنك تحميله من هنا:

تحميل الإخوان المسلمون.. 70 عاما في الدعوة والتربية والجهاد
شكرًا لمساهمتكم

شكراً لمساهمتكم معنا في الإرتقاء بمستوى المكتبة ، يمكنكم االتبليغ عن اخطاء او سوء اختيار للكتب وتصنيفها ومحتواها ، أو كتاب يُمنع نشره ، او محمي بحقوق طبع ونشر ، فضلاً قم بالتبليغ عن الكتاب المُخالف:

برنامج تشغيل ملفات pdfقبل تحميل الكتاب ..
يجب ان يتوفر لديكم برنامج تشغيل وقراءة ملفات pdf
يمكن تحميلة من هنا 'http://get.adobe.com/reader/'

المؤلف:
يوسف القرضاوي - Yousef Al Qaradawi

كتب يوسف القرضاوي يوسف عبد الله القرضاوي (9 سبتمبر 1926): عالم مصري مسلم يحمل الجنسية القطرية، ورئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين سابقا. ولد في قرية صفط تراب مركز المحلة الكبرى بمحافظة الغربية في مصر. ❰ له مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ مشكلة الفقر وكيف عالجها الإسلام ❝ ❞ الصبر في القرآن ❝ ❞ جيل النصر المنشود ❝ ❞ الإسلام والعلمانية وجها لوجه ❝ ❞ المنتقى من كتاب الترغيب والترهيب للمنذري ❝ ❞ الفقه الإسلامي بين الأصالة والتجديد ❝ ❞ دور الزكاة في علاج المشكلات الاقتصادية وشروط نجاحها ❝ ❞ ثقافتنا بين الانفتاح والانغلاق ❝ ❞ عوامل السعة والمرونة في الشريعة الإسلامية ❝ الناشرين : ❞ جميع الحقوق محفوظة للمؤلف ❝ ❞ دار الشروق للنشر والتوزيع: مصر - لبنان ❝ ❞ دار القلم للنشر والتوزيع ❝ ❞ مؤسسة الرسالة ❝ ❞ المكتب الإسلامي للطباعة والنشر ❝ ❞ الأزهر الشريف ❝ ❞ دار الشروق ❝ ❞ مكتبة وهبة ❝ ❞ دار الصحوة للنشر ❝ ❞ مركز بحوث السنة والسيره -قطر ❝ ❞ مكتبة البنين ❝ ❱. المزيد..

كتب يوسف القرضاوي
الناشر:
مكتبة وهبة
كتب  مكتبة وهبة في سنة 1946م أنشأ الحاج وهبة حسن وهبةـ مكتبة وهبة للطبع والنشر والتوزيع، وكانت عبارة عن محل صغير بشارع محمد علي (القلعة حاليًا) من جهة العتبة. ولما اعتقل لمدة أسبوع عام 1948م، وفي عام 1950م انتقل من المحل الصغير بشارع محمد علي إلى شارع الجمهورية بنفس الاسم ونفس المنهج... وتعرف في ذلك الوقت على الشيخ أبو الحسن الندوي ، الذي طبع له (ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين)، وكتاب (مذكرات سائح في الشرق) وغيرها من الكتب، وتعرف أيضا على فضيلة الشيخ السيد سابق الذي طبع له كتاب (فقه السنة) بأجزائه الصغيرة. وخرج من السجن آخر عام 1960م ليجد المكتبة خاوية على عروشها، ليعيد نشاطه مرة أخرى من جديد، حيث كانت المكتبة طوال فترة سجنه كلأً مباحًا، ولم يتم نشر أي شيء خلال تلك الفترة. ثم زاول عمله مرة أخرى فترة ثم توالت المحن على المكتبة مع اعتقاله سنة 1965 حتى وفاة عبد الناصر. وبعد خروجه من السجن بعد وفاة عبد الناصر سنة 1971، بدأ الصراع مع السلطات لرفع الحراسة عنه وعن عائلته لمزاولة نشاطه مرة أخرى. ومن أقدار الله أن المبنى الذي كانت به المكتبة هدم أثناء فترة غيابه والاعتقال، وكان يشيد مبنى آخر مكانه، وكأنه كان على موعد حتى يظل اسم مكتبة وهبة كما هو، في نفس الموقع والمكان. ووافق صاحب العقار الجديد على استئجاره للمحل. ثم عاود النشاط مرة أخرى للطبع والنشر والتوزيع، بنفس الاسم، يؤدي رسالته التي بذل من أجلها الغالي والثمين. ❰ ناشرين لمجموعة من المؤلفات أبرزها ❞ زوجات النبي محمد صلى الله عليه وسلم وأسرار الحكمة في تعددهن ❝ ❞ الصبر في القرآن ❝ ❞ الإسرائيليات في التفسير والحديث ❝ ❞ دراسات عن ابن حزم وكتابه طوق الحمامة ❝ ❞ التفسير والمفسرون / ج1 (ط. وهبة) ❝ ❞ أبو هريرة راوية الإسلام ❝ ❞ تاريخ التشريع الإسلامي (ط. وهبة) ❝ ❞ موسوعة الأسرة تحت رعاية الإسلام ❝ ❞ الفكر الإسلامي الحديث وصلته بالإستعمار الغربي ❝ ❞ جيل النصر المنشود ❝ ومن أبرز المؤلفين : ❞ يوسف القرضاوي ❝ ❞ عبد الرحمن حسن حبنكة الميداني ❝ ❞ مناع القطان ❝ ❞ الطاهر أحمد مكي ❝ ❞ جمال الدين الشرقاوي ❝ ❞ محمد حسين الذهبي ❝ ❞ إبراهيم محمد حسن الجمل ❝ ❞ عطية صقر ❝ ❞ أحمد عمر هاشم ❝ ❞ أحمد عبدالوهاب ❝ ❞ زينب عبد العزيز ❝ ❞ بهاء الامير ❝ ❞ محمود حمدى زقزوق ❝ ❞ عبد العظيم المطعني ❝ ❞ محمد عجاج الخطيب ❝ ❞ د.محمد محمد أبو موسى ❝ ❞ سامح القلينى ❝ ❞ أحمد عبد الوهاب بكير ❝ ❞ اللواء أحمد عبد الوهاب ❝ ❞ علاء أبو بكر ❝ ❞ محمد الأمين الخضري ❝ ❞ توفيق محمد شاهين ❝ ❞ أبوزيد شلبي ❝ ❞ د. سامح القلينى ❝ ❞ سعيد عبد الحكيم زيد ❝ ❞ صبري الأشوح ❝ ❞ محمد شامة ❝ ❞ د. عبد المتعال محمد الجبري ❝ ❞ محمد ثابت الشاذلي ❝ ❞ د.سعد الدين مسعد هلالي ❝ ❞ د. عبد العظيم المطعني ❝ ❞ مؤمن الهباء ❝ ❞ الدكتور عبدالعظيم إبراهيم المطعني ❝ ❞ د. أمينة سليم ❝ ❞ د.عبد العظيم إبراهيم محمد المطعني ❝ ❞ أحمد عبد الرحمن ❝ ❞ عبد العظيم إبراهيم محمد المطعنى ❝ ❞ بكير بن سعيد أعوشت ❝ ❞ د. محمد الحسيني إسماعيل ❝ ❞ عبدالعظيم إبراهيم المطعني ❝ ❞ د.محمد عجاج خطيب ❝ ❞ د. أحمد عبد الرحمن ❝ ❞ فولفجانج ليونهارد ❝ ❞ محمد البهي ❝ ❞ مصطفي أبو يوسف بدران أحمد عبدالوهاب ❝ ❱.المزيد.. كتب مكتبة وهبة