❞ كتاب فقد آذنته بالحرب ❝  ⏤ زاهر بن محمد بن سعيد الشهري

❞ كتاب فقد آذنته بالحرب ❝ ⏤ زاهر بن محمد بن سعيد الشهري



هذه رسالة تشتمل على وقفات مع حديث قدسي شريف جمعَها المُصنِّف وفقه الله من كلام أهل العلم، وخاصة كلام الإمامين الجليلين: شيخ الإسلام ابن تيمية أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام وتلميذه ابن قيم الجوزية رحمهما الله تعالى .

فأغلب ما في هذه الرسالة هو من تقريراتهما وإبداعاتهما وإن لم يحصل إحالة عليه.

عن أبي هريرة  قال: قال رسول الله ﷺ: إن الله تعالى قال: من عادى لي وليا، فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته، كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني أعطيته، ولئن استعاذني لأعيذنه[1].
وهذا الحديث الذي يرويه النبي ﷺ عن ربه يقول: قال الله تعالى هو نوع من الأحاديث معروف يقال لها: الأحاديث القدسية، فهي منسوبة إلى الله -تبارك وتعالى- لفظاً ومعنى، إلا أن الفرق بينها وبين القرآن أن القرآن معجز، ويراد به التحدي، ونحن متعبدون بتلاوته، وقد تكفل الله بحفظه، ولا يجوز روايته بالمعنى، وأما الأحاديث القدسية فهي وإن كانت ألفاظها من الله وكذا معانيها إلا أنها ليست بمعجزة، ولا يراد بها التحدي، ويجوز روايتها بالمعنى، ولم نُتعبد بتلاوتها، بمعنى ليس كل حرف منها بحسنة كما جاء في الحديث لا أقول الم حرف، الأحاديث القدسية ليست كذلك.

فهذا من الأحاديث القدسية المنسوبة لله -تبارك وتعالى، قال: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، أصل العداوة: أن يكون أحد المتعاديين -يعني هي تكون بين اثنين فأكثر، بين طرفين- في عدوة والآخر في عدوة، كما يقال في المحادّة: يكون كأن هذا في حد والآخر في حد، هذا أصل معناها.

المعاداة: أن يكون مبغضاً له، أن يؤذيه، أن يقع في عرضه، أن يشمت به، أن يحاربه بأي لون من المحاربة، هذا كله داخل في المعاداة.

من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وأولياء الله  شرْحُهم أو المراد بهم لا يحتاج إلى تكلف أو إلى كلام كثير، وإنما بينه الله -تبارك وتعالى- بقوله: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ [يونس:62]، من هم؟ الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ [يونس:63]، فعلى قدر ما للعبد من الإيمان والتقوى يكون نصيبه من ولاية الله -تبارك وتعالى، فكلما كان العبد أكثر تحقيقاً للإيمان، وأكثر تقى كلما كانت ولايته لله  أعظم، فإنْ نقص نُقص من ولايته بحسب ذلك.

فقد آذنته بالحرب أي: أعلمته بالحرب، فَقُلْ آذَنتُكُمْ عَلَى سَوَاء [الأنبياء:109]، أي: أعلمتكم على سواء، فالإيذان هنا بمعنى الإعلام، و"قد" تدل على التحقيق، وهذا يدل على أن محبة أولياء الله  وهم أهل الإيمان والتقوى مطلوبة، وأن الذين يعادونهم ويبغضونهم إنما يجنون على أنفسهم، ويتسببون بمعاداة الله  لهم، وإعلانه الحرب عليهم، ومن أعلن الله -تبارك وتعالى- الحرب عليه فلا تسأل عن حاله، وعن كثرة عثراته، وعن كثرة فشله، ونكوله عن كل مطلوب من المطالب العالية، ويكفيه شيء واحد: وهو أن يكون شغله ودأبه في لسانه، وحاله، وبذله، ونفقاته، وخطواته، وسمعه، وما إلى ذلك فيما يباعده من الله  ويوقعه في سخطه، فيشتري بذلك منزلاً في النار، يشغله بما يضره فيكون سعيه وكده في تحصيل الدركات في نار جهنم، وأي خذلان للعبد أعظم من هذا؟

الإنسان بحاجة إلى ألطاف الله، وتوفيقه، وتسديده، وهداياته، ورحمته، فإذا خذله الله  يصير إنفاقه -بدلاً من أن يحصّل به الحسنات- فيما يسخط الله ، كلامه، كتابته، مقالاته، شغله، وبذله وإنفاق الملايين، ينشئ قنوات فاسدة، يكون مُخرجاً فاسداً، يكون ذكاؤه وكل تفكيره وما إلى ذلك فيما يضره.

هذا خذلان عظيم جداً لا يشعر به الإنسان، وقد مثلت لكم في بعض المناسبات لحال المخذولين بمثال القط الذي يلعق المِبْرد عند الجزار، فالمبرد فيه بقايا لحم ودم من الذبيحة، فيأتي القط ويلعقه ويستلذه، ثم ما يلبث أن يذهب هذا الدم واللحم الذي على المبرد، فيتشقق لسان هذا القط، ويسيل على المبرد، فما يزال يلعقه وهو يظن أنه من بقايا اللحم السابق حتى يسقط بجانبه، هكذا الإنسان حينما يكون غافلاً عما هو بصدده، وعما ينفعه، وعما ينجيه ويقربه إلى الله -جل جلاله.

قوله: وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، وهذه قضية مهمة جداً، نحتاج إلى التبصر بها، اليوم تجد كثيراً من الناس يسألون هل في الحلي المستعمل زكاة، أو ما فيه زكاة؟

ويجادلون -وهم قد لا يفقهون النصوص أصلاً- لماذا يكون فيها زكاة؟ نحن نلبسها، نحن نستعملها.

أنتم على طول السنة لا تتصدقون ولا بريال واحد، كم زكاة هذا الحلي الذي عندكم؟ أحياناً لو سألتهم ما يصل إلى خمسمائة ريال، طول السنة بكم تتصدق؟ ما تتصدق؟!

لربما بالوقت نفسه في رمضان يسألك ويجادلك في زكاة الحلي، وفي الوقت نفسه يتصدق بأضعاف هذا من باب الصدقات، وتفطير الصائم.

الزكاة أثقل في الميزان من الصدقة، وهذه القضية يأبى كثير من الناس أن يفهمها، وإن فهمها يأبى أن يعقلها، وإن عقلها يأبى أن ينقاد لها.

مثل ما يقال تماماً في صلاة النساء في المساجد، تقول لها: صلاتك في الفندق أفضل من مائة ألف صلاة، أفضل من صلاتك عند الحجر الأسود في الكعبة، التراويح وغير التراويح، وتفهِّمها وتأتي لها بالأدلة كلها، ثم إذا فهمتْ هذا كله رجعت بكل برود قالت: لماذا أتينا هنا إذاً؟

ثم تعيد الأدلة نفسها، وتفهمهما، وتشرح لها أنه ما في داعٍ لمزاحمة الرجال في صلاة الجمعة عند أبواب الحرم، والله كفاكم، وأحياناً مسافة بعيدة تمشيها، والمرأة فتنة، وإذا خرجت استشرفها الشيطان، وتفهمها، وتشرح لها أن صلاتك هنا أفضل، وتطرح لها الأدلة، ثم تقول: لماذا أتينا هنا؟

الناس كثيراً ما يجادلون، ولربما قصر الإنسان أيضاً في حقوق واجبة، في نفقة الزوجات، في نفقة الأولاد، في نفقات الأجراء والعمال المنظفين الذين عنده –الخدم، ويماطل، ولربما يظل شهوراً ما يعطيهم، ووراءهم أسر فقيرة هالكة، ما عندهم شيء، باعوا أبقارهم حتى يأتوا، وباعوا كل ما وراءهم، ويحاسبهم محاسبة دقيقة، لربما راتب هذا الخادم أربعمائة ريال، أربعمائة ريال ماذا تفعل؟
زاهر بن محمد بن سعيد الشهري - ❰ له مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ خطب من إعداد زاهر الشهري ❝ ❞ فقد آذنته بالحرب ❝ ❞ آداب الزيارة بين النساء ❝ ❞ اليمين المشروعه واليمين الممنوعة ❝ ❞ موقف أهل السنة والجماعة من تنزيل نصوص الفتن وأشراط الساعة على الحوادث؛ السفياني أُنموذجا ❝ ❞ الفهارس الشاملة لآثار الشيخ محمد الأمين الشنقيطي ❝ ❞ تمام المنة فيمن ورد لعنه في السنة ❝ ❞ خوارق العادة عند الماتريدية ❝ الناشرين : ❞ دار القاسم للنشر والتوزيع ❝ ❱
من كتب إسلامية متنوعة - مكتبة كتب إسلامية.

نبذة عن الكتاب:
فقد آذنته بالحرب



هذه رسالة تشتمل على وقفات مع حديث قدسي شريف جمعَها المُصنِّف وفقه الله من كلام أهل العلم، وخاصة كلام الإمامين الجليلين: شيخ الإسلام ابن تيمية أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام وتلميذه ابن قيم الجوزية رحمهما الله تعالى .

فأغلب ما في هذه الرسالة هو من تقريراتهما وإبداعاتهما وإن لم يحصل إحالة عليه.

عن أبي هريرة  قال: قال رسول الله ﷺ: إن الله تعالى قال: من عادى لي وليا، فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته، كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني أعطيته، ولئن استعاذني لأعيذنه[1].
وهذا الحديث الذي يرويه النبي ﷺ عن ربه يقول: قال الله تعالى هو نوع من الأحاديث معروف يقال لها: الأحاديث القدسية، فهي منسوبة إلى الله -تبارك وتعالى- لفظاً ومعنى، إلا أن الفرق بينها وبين القرآن أن القرآن معجز، ويراد به التحدي، ونحن متعبدون بتلاوته، وقد تكفل الله بحفظه، ولا يجوز روايته بالمعنى، وأما الأحاديث القدسية فهي وإن كانت ألفاظها من الله وكذا معانيها إلا أنها ليست بمعجزة، ولا يراد بها التحدي، ويجوز روايتها بالمعنى، ولم نُتعبد بتلاوتها، بمعنى ليس كل حرف منها بحسنة كما جاء في الحديث لا أقول الم حرف، الأحاديث القدسية ليست كذلك.

فهذا من الأحاديث القدسية المنسوبة لله -تبارك وتعالى، قال: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، أصل العداوة: أن يكون أحد المتعاديين -يعني هي تكون بين اثنين فأكثر، بين طرفين- في عدوة والآخر في عدوة، كما يقال في المحادّة: يكون كأن هذا في حد والآخر في حد، هذا أصل معناها.

المعاداة: أن يكون مبغضاً له، أن يؤذيه، أن يقع في عرضه، أن يشمت به، أن يحاربه بأي لون من المحاربة، هذا كله داخل في المعاداة.

من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وأولياء الله  شرْحُهم أو المراد بهم لا يحتاج إلى تكلف أو إلى كلام كثير، وإنما بينه الله -تبارك وتعالى- بقوله: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ [يونس:62]، من هم؟ الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ [يونس:63]، فعلى قدر ما للعبد من الإيمان والتقوى يكون نصيبه من ولاية الله -تبارك وتعالى، فكلما كان العبد أكثر تحقيقاً للإيمان، وأكثر تقى كلما كانت ولايته لله  أعظم، فإنْ نقص نُقص من ولايته بحسب ذلك.

فقد آذنته بالحرب أي: أعلمته بالحرب، فَقُلْ آذَنتُكُمْ عَلَى سَوَاء [الأنبياء:109]، أي: أعلمتكم على سواء، فالإيذان هنا بمعنى الإعلام، و"قد" تدل على التحقيق، وهذا يدل على أن محبة أولياء الله  وهم أهل الإيمان والتقوى مطلوبة، وأن الذين يعادونهم ويبغضونهم إنما يجنون على أنفسهم، ويتسببون بمعاداة الله  لهم، وإعلانه الحرب عليهم، ومن أعلن الله -تبارك وتعالى- الحرب عليه فلا تسأل عن حاله، وعن كثرة عثراته، وعن كثرة فشله، ونكوله عن كل مطلوب من المطالب العالية، ويكفيه شيء واحد: وهو أن يكون شغله ودأبه في لسانه، وحاله، وبذله، ونفقاته، وخطواته، وسمعه، وما إلى ذلك فيما يباعده من الله  ويوقعه في سخطه، فيشتري بذلك منزلاً في النار، يشغله بما يضره فيكون سعيه وكده في تحصيل الدركات في نار جهنم، وأي خذلان للعبد أعظم من هذا؟

الإنسان بحاجة إلى ألطاف الله، وتوفيقه، وتسديده، وهداياته، ورحمته، فإذا خذله الله  يصير إنفاقه -بدلاً من أن يحصّل به الحسنات- فيما يسخط الله ، كلامه، كتابته، مقالاته، شغله، وبذله وإنفاق الملايين، ينشئ قنوات فاسدة، يكون مُخرجاً فاسداً، يكون ذكاؤه وكل تفكيره وما إلى ذلك فيما يضره.

هذا خذلان عظيم جداً لا يشعر به الإنسان، وقد مثلت لكم في بعض المناسبات لحال المخذولين بمثال القط الذي يلعق المِبْرد عند الجزار، فالمبرد فيه بقايا لحم ودم من الذبيحة، فيأتي القط ويلعقه ويستلذه، ثم ما يلبث أن يذهب هذا الدم واللحم الذي على المبرد، فيتشقق لسان هذا القط، ويسيل على المبرد، فما يزال يلعقه وهو يظن أنه من بقايا اللحم السابق حتى يسقط بجانبه، هكذا الإنسان حينما يكون غافلاً عما هو بصدده، وعما ينفعه، وعما ينجيه ويقربه إلى الله -جل جلاله.

قوله: وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، وهذه قضية مهمة جداً، نحتاج إلى التبصر بها، اليوم تجد كثيراً من الناس يسألون هل في الحلي المستعمل زكاة، أو ما فيه زكاة؟

ويجادلون -وهم قد لا يفقهون النصوص أصلاً- لماذا يكون فيها زكاة؟ نحن نلبسها، نحن نستعملها.

أنتم على طول السنة لا تتصدقون ولا بريال واحد، كم زكاة هذا الحلي الذي عندكم؟ أحياناً لو سألتهم ما يصل إلى خمسمائة ريال، طول السنة بكم تتصدق؟ ما تتصدق؟!

لربما بالوقت نفسه في رمضان يسألك ويجادلك في زكاة الحلي، وفي الوقت نفسه يتصدق بأضعاف هذا من باب الصدقات، وتفطير الصائم.

الزكاة أثقل في الميزان من الصدقة، وهذه القضية يأبى كثير من الناس أن يفهمها، وإن فهمها يأبى أن يعقلها، وإن عقلها يأبى أن ينقاد لها.

مثل ما يقال تماماً في صلاة النساء في المساجد، تقول لها: صلاتك في الفندق أفضل من مائة ألف صلاة، أفضل من صلاتك عند الحجر الأسود في الكعبة، التراويح وغير التراويح، وتفهِّمها وتأتي لها بالأدلة كلها، ثم إذا فهمتْ هذا كله رجعت بكل برود قالت: لماذا أتينا هنا إذاً؟

ثم تعيد الأدلة نفسها، وتفهمهما، وتشرح لها أنه ما في داعٍ لمزاحمة الرجال في صلاة الجمعة عند أبواب الحرم، والله كفاكم، وأحياناً مسافة بعيدة تمشيها، والمرأة فتنة، وإذا خرجت استشرفها الشيطان، وتفهمها، وتشرح لها أن صلاتك هنا أفضل، وتطرح لها الأدلة، ثم تقول: لماذا أتينا هنا؟

الناس كثيراً ما يجادلون، ولربما قصر الإنسان أيضاً في حقوق واجبة، في نفقة الزوجات، في نفقة الأولاد، في نفقات الأجراء والعمال المنظفين الذين عنده –الخدم، ويماطل، ولربما يظل شهوراً ما يعطيهم، ووراءهم أسر فقيرة هالكة، ما عندهم شيء، باعوا أبقارهم حتى يأتوا، وباعوا كل ما وراءهم، ويحاسبهم محاسبة دقيقة، لربما راتب هذا الخادم أربعمائة ريال، أربعمائة ريال ماذا تفعل؟ .
المزيد..

تعليقات القرّاء:

هذه رسالة تشتمل على وقفات مع حديث قدسي شريف جمعَها المُصنِّف وفقه الله من كلام أهل العلم، وخاصة كلام الإمامين الجليلين: شيخ الإسلام ابن تيمية أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام وتلميذه ابن قيم الجوزية رحمهما الله تعالى . 

 فأغلب ما في هذه الرسالة هو من تقريراتهما وإبداعاتهما وإن لم يحصل إحالة عليه. 

عن أبي هريرة  قال: قال رسول الله ﷺ: إن الله تعالى قال: من عادى لي وليا، فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته، كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش  بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني أعطيته، ولئن استعاذني لأعيذنه[1].
وهذا الحديث الذي يرويه النبي ﷺ عن ربه يقول: قال الله تعالى هو نوع من الأحاديث معروف يقال لها: الأحاديث القدسية، فهي منسوبة إلى الله -تبارك وتعالى- لفظاً ومعنى، إلا أن الفرق بينها وبين القرآن أن القرآن معجز، ويراد به التحدي، ونحن متعبدون بتلاوته، وقد تكفل الله بحفظه، ولا يجوز روايته بالمعنى، وأما الأحاديث القدسية فهي وإن كانت ألفاظها من الله وكذا معانيها إلا أنها ليست بمعجزة، ولا يراد بها التحدي، ويجوز روايتها بالمعنى، ولم نُتعبد بتلاوتها، بمعنى ليس كل حرف منها بحسنة كما جاء في الحديث لا أقول الم حرف، الأحاديث القدسية ليست كذلك.

فهذا من الأحاديث القدسية المنسوبة لله -تبارك وتعالى، قال: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، أصل العداوة: أن يكون أحد المتعاديين -يعني هي تكون بين اثنين فأكثر، بين طرفين- في عدوة والآخر في عدوة، كما يقال في المحادّة: يكون كأن هذا في حد والآخر في حد، هذا أصل معناها.

المعاداة: أن يكون مبغضاً له، أن يؤذيه، أن يقع في عرضه، أن يشمت به، أن يحاربه بأي لون من المحاربة، هذا كله داخل في المعاداة.

من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وأولياء الله  شرْحُهم أو المراد بهم لا يحتاج إلى تكلف أو إلى كلام كثير، وإنما بينه الله -تبارك وتعالى- بقوله: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ [يونس:62]، من هم؟ الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ [يونس:63]، فعلى قدر ما للعبد من الإيمان والتقوى يكون نصيبه من ولاية الله -تبارك وتعالى، فكلما كان العبد أكثر تحقيقاً للإيمان، وأكثر تقى كلما كانت ولايته لله  أعظم، فإنْ نقص نُقص من ولايته بحسب ذلك.

فقد آذنته بالحرب أي: أعلمته بالحرب، فَقُلْ آذَنتُكُمْ عَلَى سَوَاء [الأنبياء:109]، أي: أعلمتكم على سواء، فالإيذان هنا بمعنى الإعلام، و"قد" تدل على التحقيق، وهذا يدل على أن محبة أولياء الله  وهم أهل الإيمان والتقوى مطلوبة، وأن الذين يعادونهم ويبغضونهم إنما يجنون على أنفسهم، ويتسببون بمعاداة الله  لهم، وإعلانه الحرب عليهم، ومن أعلن الله -تبارك وتعالى- الحرب عليه فلا تسأل عن حاله، وعن كثرة عثراته، وعن كثرة فشله، ونكوله عن كل مطلوب من المطالب العالية، ويكفيه شيء واحد: وهو أن يكون شغله ودأبه في لسانه، وحاله، وبذله، ونفقاته، وخطواته، وسمعه، وما إلى ذلك فيما يباعده من الله   ويوقعه في سخطه، فيشتري بذلك منزلاً في النار، يشغله بما يضره فيكون سعيه وكده في تحصيل الدركات في نار جهنم، وأي خذلان للعبد أعظم من هذا؟

الإنسان بحاجة إلى ألطاف الله، وتوفيقه، وتسديده، وهداياته، ورحمته، فإذا خذله الله  يصير إنفاقه -بدلاً من أن يحصّل به الحسنات- فيما يسخط الله ، كلامه، كتابته، مقالاته، شغله، وبذله وإنفاق الملايين، ينشئ قنوات فاسدة، يكون مُخرجاً فاسداً، يكون ذكاؤه وكل تفكيره وما إلى ذلك فيما يضره.

هذا خذلان عظيم جداً لا يشعر به الإنسان، وقد مثلت لكم في بعض المناسبات لحال المخذولين بمثال القط الذي يلعق المِبْرد عند الجزار، فالمبرد فيه بقايا لحم ودم من الذبيحة، فيأتي القط ويلعقه ويستلذه، ثم ما يلبث أن يذهب هذا الدم واللحم الذي على المبرد، فيتشقق لسان هذا القط، ويسيل على المبرد، فما يزال يلعقه وهو يظن أنه من بقايا اللحم السابق حتى يسقط بجانبه، هكذا الإنسان حينما يكون غافلاً عما هو بصدده، وعما ينفعه، وعما ينجيه ويقربه إلى الله -جل جلاله.

قوله: وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، وهذه قضية مهمة جداً، نحتاج إلى التبصر بها، اليوم تجد كثيراً من الناس يسألون هل في الحلي المستعمل زكاة، أو ما فيه زكاة؟

ويجادلون -وهم قد لا يفقهون النصوص أصلاً- لماذا يكون فيها زكاة؟ نحن نلبسها، نحن نستعملها.

أنتم على طول السنة لا تتصدقون ولا بريال واحد، كم زكاة هذا الحلي الذي عندكم؟ أحياناً لو سألتهم ما يصل إلى خمسمائة ريال، طول السنة بكم تتصدق؟ ما تتصدق؟!

لربما بالوقت نفسه في رمضان يسألك ويجادلك في زكاة الحلي، وفي الوقت نفسه يتصدق بأضعاف هذا من باب الصدقات، وتفطير الصائم.

الزكاة أثقل في الميزان من الصدقة، وهذه القضية يأبى كثير من الناس أن يفهمها، وإن فهمها يأبى أن يعقلها، وإن عقلها يأبى أن ينقاد لها.

مثل ما يقال تماماً في صلاة النساء في المساجد، تقول لها: صلاتك في الفندق أفضل من مائة ألف صلاة، أفضل من صلاتك عند الحجر الأسود في الكعبة، التراويح وغير التراويح، وتفهِّمها وتأتي لها بالأدلة كلها، ثم إذا فهمتْ هذا كله رجعت بكل برود قالت: لماذا أتينا هنا إذاً؟

ثم تعيد الأدلة نفسها، وتفهمهما، وتشرح لها أنه ما في داعٍ لمزاحمة الرجال في صلاة الجمعة عند أبواب الحرم، والله كفاكم، وأحياناً مسافة بعيدة تمشيها، والمرأة فتنة، وإذا خرجت استشرفها الشيطان، وتفهمها، وتشرح لها أن صلاتك هنا أفضل، وتطرح لها الأدلة، ثم تقول: لماذا أتينا هنا؟

الناس كثيراً ما يجادلون، ولربما قصر الإنسان أيضاً في حقوق واجبة، في نفقة الزوجات، في نفقة الأولاد، في نفقات الأجراء والعمال المنظفين الذين عنده –الخدم، ويماطل، ولربما يظل شهوراً ما يعطيهم، ووراءهم أسر فقيرة هالكة، ما عندهم شيء، باعوا أبقارهم حتى يأتوا، وباعوا كل ما وراءهم، ويحاسبهم محاسبة دقيقة، لربما راتب هذا الخادم أربعمائة ريال، أربعمائة ريال ماذا تفعل؟



حجم الكتاب عند التحميل : 429.8 كيلوبايت .
نوع الكتاب : pdf.
عداد القراءة: عدد قراءة فقد آذنته بالحرب

اذا اعجبك الكتاب فضلاً اضغط على أعجبني
و يمكنك تحميله من هنا:

تحميل فقد آذنته بالحرب
شكرًا لمساهمتكم

شكراً لمساهمتكم معنا في الإرتقاء بمستوى المكتبة ، يمكنكم االتبليغ عن اخطاء او سوء اختيار للكتب وتصنيفها ومحتواها ، أو كتاب يُمنع نشره ، او محمي بحقوق طبع ونشر ، فضلاً قم بالتبليغ عن الكتاب المُخالف:

برنامج تشغيل ملفات pdfقبل تحميل الكتاب ..
يجب ان يتوفر لديكم برنامج تشغيل وقراءة ملفات pdf
يمكن تحميلة من هنا 'http://get.adobe.com/reader/'

المؤلف:
زاهر بن محمد بن سعيد الشهري - Zaher bin Mohammed Al Shehri

كتب زاهر بن محمد بن سعيد الشهري ❰ له مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ خطب من إعداد زاهر الشهري ❝ ❞ فقد آذنته بالحرب ❝ ❞ آداب الزيارة بين النساء ❝ ❞ اليمين المشروعه واليمين الممنوعة ❝ ❞ موقف أهل السنة والجماعة من تنزيل نصوص الفتن وأشراط الساعة على الحوادث؛ السفياني أُنموذجا ❝ ❞ الفهارس الشاملة لآثار الشيخ محمد الأمين الشنقيطي ❝ ❞ تمام المنة فيمن ورد لعنه في السنة ❝ ❞ خوارق العادة عند الماتريدية ❝ الناشرين : ❞ دار القاسم للنشر والتوزيع ❝ ❱. المزيد..

كتب زاهر بن محمد بن سعيد الشهري
الناشر:
دار القاسم للنشر والتوزيع
كتب دار القاسم للنشر والتوزيع‏شركة دار القاسم للنشر والتوزيع تعنى بطباعة وتوزيع ونشر كافة المطبوعات ❰ ناشرين لمجموعة من المؤلفات أبرزها ❞ من عجائب الاستغفار ❝ ❞ من عجائب الدعاء ❝ ❞ المنتقى من أمثال العرب وقصصهم ❝ ❞ تفسير القرآن العظيم: جزء عم ❝ ❞ حكم سب الصحابة من أقوال الأئمة ❝ ❞ الولاء والبراء ❝ ❞ قاعدة في الصبر ❝ ❞ تهذيب إسلامي لقصص كليلة ودمنة مع دراسة حول مؤلفها ❝ ❞ كيف سقطت الدولة العثمانية ت:سليمان بن صالح الخراشي ❝ ❞ موقف الإمام الذهبي من الدولة العبيدية نسباً ومعتقد ومعتقداً ❝ ومن أبرز المؤلفين : ❞ أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية الحراني ❝ ❞ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ❝ ❞ محمد بن عبد الوهاب ❝ ❞ عبد الملك القاسم ❝ ❞ ابن حجر الهيتمي سليمان بن صالح الخراشي ❝ ❞ مجموعة من المؤلفين ❝ ❞ حافظ بن أحمد الحكمي ❝ ❞ ابن رجب الحنبلي ❝ ❞ ناصر بن عبد الكريم العقل ❝ ❞ د. بديع القشاعلة ❝ ❞ د.إسماعيل محمد علي عبدالرحمن ❝ ❞ صالح بن عبد الله بن حميد ❝ ❞ يحيى بن موسى الزهراني ❝ ❞ مشعل عبد العزيز الفلاحي ❝ ❞ عبد الله بن عبد الرحمن السعد ❝ ❞ القسم العلمي بدار القاسم ❝ ❞ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين ❝ ❞ عبد الوهاب عبد السلام طويلة ❝ ❞ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب ❝ ❞ زاهر بن محمد بن سعيد الشهري ❝ ❞ عبدالعزيز بن سريان العصيمي ❝ ❞ خالدسلمان الربعي ❝ ❞ عبدالرحمن الوكيل ❝ ❞ خالد بن سليمان الربعي ❝ ❞ محمد بن إبراهيم الهزاع ❝ ❞ مها البنيان ❝ ❞ خالد الحمودي ❝ ❞ الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ ❝ ❞ عبد الباري الثبيتي ❝ ❞ محمد بن علي بن جماح ❝ ❞ عبدالله بن زعل العنزي ❝ ❞ زبيدة الأنصاري ❝ ❞ سليمان بن صالح الجربوع ❝ ❞ عبد القيوم السحيباني ❝ ❞ حسين بن علي بن حسين الحربي ❝ ❞ يحيى عبيد ثماني الخالدي ❝ ❞ نبيل بن محمد محمود ❝ ❞ الكتبة بنت محمد السعيد ❝ ❞ دار القاسم ❝ ❞ محمد بن صالح الخزيم ❝ ❞ خميس بن ناصر العمري ❝ ❞ سعد بن موسى الموسى ❝ ❞ مها المحمدي ❝ ❞ سالم بن ماضي ❝ ❞ عبد العزیز بن عبد الله مقبل ❝ ❞ عبد الله بن راضي الشمري ❝ ❞ يوسف بن محمد الطامى ❝ ❞ عبد الله الميموني ❝ ❞ سعيد بن صالح الغامدي ❝ ❞ صالح بن عبد الله العثيم ❝ ❞ محمد بن سعيد صقران الشهري ❝ ❱.المزيد.. كتب دار القاسم للنشر والتوزيع