📘 قراءة كتاب تنبيهات حول بعض المخالفات الواقعة في المقابر أونلاين
: قال المُصنِّف حفظه الله : «لاحظت في مرات عديدة وقوع عدد من المخالفات من بعض الناس لدى مجيئهم لقبر أحد من ذويهم أو معارفهم، أو لدى زيارتهم للقبور، ورغبةً في التواصي بالحق وبيانه فقد حرَّرتُ هذه الأسطر رجاء النفع بها».
لا ريب أن الشريعة الإسلامية شريعة كاملة شاملة، تناولت جوانب الحياة كافة بما يكفل سعادة العباد في الدنيا والآخرة، واشتملت على تنظيم أمور الحياة بما يحقق استقامة العباد على ما ينبغي أن يكونوا عليه.
ومما جاءت به شريعة الإسلام ما يتعلق بأحكام وآداب المقابر، فراعت ما ينبغي من البعد عن حصول الشركيات والبدع التي تنجم عما يحدثه الناس في هذا الباب، وراعت الشريعة – أيضًا – مقصدًا جليلاً يتمثل في احترام القبور؛ لحرمة الأموات المسلمين، إذ المسلم محترم حيًا وميتًا.
وقد لاحظت في مرات عديدة وقوع عدد من المخالفات من بعض الناس لدى مجيئهم لقبر أحد من ذويهم أو معارفهم، أو لدى زيارتهم للقبور، ورغبة في التواصي بالحق وبيانه فقد حررت هذه الأسطر رجاء النفع بها.
أسأل الله أن يكتب التوفيق للجميع، وأن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم مدنية من جناته جنات النعيم، وأن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته، وأن يباعدنا عن أسباب سخطه وأليم عقابه، وأن يرزقنا الخاتمة الحسنة والعاقبة الحميدة في الأمور كلها، وأن يجعل قبورنا إذا صرنا إليها وإخواننا المسلمين رياضًا من رياض الجنة. إنه سبحانه سميع مجيب. وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
مشروعية زيارة القبور وتشييع الجنائز للرجال دون النساء وبيان فضل ذلك
اتفق أهل العلم على مشروعية زيارة القبور واتباع الجنائز، وذلك بالنسبة للرجال دون النساء، وسيأتي ذكر النصوص الدالة على هذا، مع بيان شيء من حكمة منع النساء من زيارة القبور وتشييع الجنائز.
أما المشروعية في حق الرجال:
فلما روى الإمام مسلم رحمه الله في «صحيحه»([1]) عن النبي ﷺ أنه قال: «كنت قد نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها».
وفي لفظ: «فإنها تذكر الآخرة»([2]).
وفي رواية: «فإنها تذكر الموت».
وفي رواية ([3]): «فإنها ترقق القلب، وتدمع العين، وتذكر الآخرة، ولا تقولوا هجرًا([4])».
وفي رواية ([5]): «فإنها تزهد في الدنيا وتذكر الآخرة»... «وترغب في الآخرة»([6]).
ومما جاء في فضل اتباع الجنازة وتشييعها:
ما رواه البخاري ومسلم - واللفظ له ([7]) - عن أبي هريرة t عن النبي ﷺ قال: «من صلى على جنازة ولم يتبعها فله قيراط، فإن تبعها فله قيراطان» قيل: وما القيراطان؟ قال: «أصغرهما مثل أحد».
ومما ثبت في فضل شهود الجنازة عند دفنها:
ما رواه الإمام مسلم ([8]) عن ثوبان مولى رسول الله ﷺ، رضي الله عنه، أن رسول الله ﷺ قال: «من صلى على جنازة فله قيراط، فإن شهد دفنها فله قيراطان، القيراط مثل أحد».
وبهذا يعلم ما في هذه الأعمال من الثواب العظيم، كما أن فيها قيامًا بحق المسلم، حيث يستمر هذا الحق حتى بعد الموت. بما يحمل المسلم على الحرص على نيل هذا الثواب والقيام بواجب الأخوة الإسلامية.
ففي «الصحيحين» عن أبي هريرة t أن رسول الله ﷺ قال: «حق المسلم على المسلم ست» قيل: ما هن يا رسول الله؟ قال: «إذا لقيته فسلم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس فحمد الله فشمته، وإذا مرض فعده، وإذا مات فاتبعه»([9]).
* وأما النساء فقد ثبت في الشرع المطهر منعهن من زيارة القبور ومن اتباع الجنائز، هكذا صح عن المعصوم ﷺ من غير وجه:
فقد روى الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه وابن حبان وغيرهم ([10]) عن أبي هريرة t أن رسول الله ﷺ «لعن زوارات القبور»، قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
يقع من بعض الناس أخطاء ومخالفات لدى زيارتهم للقبور أو عند مجيئهم لأجل دفن الموتى، وتقع منهم هذه المخالفات في الغالب الأعم عن غير قصد، أو لظنهم أن ذلك هو الصواب، أو لذهولهم عما ينبغي في تلك المواقف بسبب حزنهم واضطرابهم لأجل ميتهم.
ونحن نجمل عددًا من تلك المخالفات في ضوء ما قرره أهل العلم رحمهم الله تعالى في الأسطر التالية:
فمن جملة ذلك:
أولاً: عدم معرفة الحكم الشرعي فيما ينبغي لدى مرور الجنازة، فبعض الناس يظن الوقوف واجبًا، وبعضهم يمنعه ويحرمه.
والصواب: أنه إذا مر بالجنازة فالمستحب للمسلم أن يقف حتى ولو كانت الجنازة لكافر، بهذا صح الخبر عن سيد البشر([12]) ﷺ.
قال الإمام الترمذي رحمه الله: حدثنا قتيبة، حدثنا الليث عن يحيى بن سعيد عن واقد، وهو ابن عمرو بن سعد بن معاذ، عن نافع بن جبير، عن مسعود بن الحكم عن علي بن أبي طالب t أنه ذكر القيام في الجنائز حتى توضع فقال علي: قام رسول الله ﷺ ثم قعد.
قال الترمذي رحمه الله عقب تخريجه هذا الحديث: حديث علي حديث حسن صحيح، وفيه رواية أربعة من التابعين بعضهم عن بعض، والعمل على هذا عند بعض أهل العلم، قال الشافعي: وهذا أصح شيء في هذا الباب، وهذا الحديث ناسخ للأول «إذا رأيتم الجنازة فقوموا». وقال أحمد: إن شاء قام وإن شاء لم يقم، واحتج بأن النبي ﷺ قد روي عنه أنه قام ثم قعد. وهكذا قال إسحاق بن إبراهيم. قال أبو عيسى: معنى قول علي: «قام رسول الله ﷺ في الجنازة ثم قعد» يقول: كان رسول الله ﷺ إذا رأى جنازة قام ثم ترك ذلك بعد، فكان لا يقوم إذا رأى الجنازة». انتهى كلام الإمام الترمذي ([13]).
وهذا الوقوف المشروع عند مرور الجنازة ليس تعظيمًا للجنازة، ولكن لأن للموت رهبة وعظمة لا يحسن أن يتغافل عنها الشخص، وهذا اختيار سماحة شيخنا العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز – تغمده الله برحمته - ([14]).
ثانيًا: بعض الناس يصلي على الميت ويحضر دفنه على سبيل المجاملة، أو على اعتبار أنه عرف اجتماعي أن يحضر لموت قريبه أو زميله أو نحو ذلك.
والواقع أن الثواب المرتب على الصلاة على الميت وتشييعه وحضور دفنه إنما يكون لمن احتسب أجر ذلك عند الله تعالى وأحسن نيته بطلب الثواب من الله، فإن الأعمال بالنيات.
وقد روى البخاري في صحيحه»([15]) عن أبي هريرة t أن رسول الله ﷺ قال: «من اتبع جنازة مسلم إيمانًا واحتسابًا، وكان معه حتى يصلي عليها، ويفرغ من دفنها فإنه يرجع من الأجر بقراطين، كل قيراط مثل أحد، ومن صلى عليها ثم رجع قبل أن تدفن فإنه يرجع بقيراط».
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «والتقييد بالإيمان والاحتساب لابد منه؛ لأن ترتيب الثواب على العمل يستدعي سبق النية فيه، فيخرج من فعل ذلك على سبيل المكافأة المجردة، أو على سبيل المحاباة»([16]).
ثالثًا: يقع من بعض من يشهد دفن الجنازة، وخاصة الذين يتولون الدفن ومن حولهم – يقع من بعضهم – لغط ومزادة في الكلام، حيث يريد كل أن يفرض رأيه وأن يعمل ما يظنه هو الصواب، وربما أفضى ذلك إلى الخصومة، وخاصة إذا تكلم من لا علم عنده بكيفية الدفن وإنزال الميت في قبره.
وهذا الذي تقدم لا ريب أنه خطأ فاحش، فمثل ذلك الموقف المفترض أن تخيم عليه السكينة والخشوع، مع الاعتبار والدعاء للميت، ألا ترى كيف وصف البراء بن عازب t حضورهم إحدى الجنائز مع النبي ﷺ، حيث وصف جلوسهم وانتظارهم تجهيز القبر وجلوسهم حول النبي ﷺ بقوله: «وجلسنا حوله كأن على رؤسنا الطير»([17]).
يعني لو رأتهم طير لحطت على رؤوسهم وما طارت لخشوعهم وسكينتهم وامتناع أدنى صوت منهم، حتى تظنهم الطير شيئًا جامدًا لا يتحرك من شدة خشوعهم وسكينتهم.
ثم إن من المفترض – أيضًا – أن يسمع الناس لأهل العلم إن كان معهم أحدٌ منهم، فإن الدفن وإنزال الميت في قبره ووضعه فيه إلى آخر ذلك... كل هذا عبادة ينبغي أن تؤدي على الوجه المشروع والمأثور عن المعصوم ﷺ، وأدرى الناس بذلك هم طلبة العلم وأهله.
رابعًا: يخطئ بعض الناس برفعه القبر أكثر من شبر، فقد أمر النبي ﷺ بتسوية القبور المشرفة.
كما أن قبره الشريف عليه الصلاة والسلام لم يرفعه الصحابة إلا نحوًا من شبر، ثبت هذا في «صحيح ابن حبان»([18])، حيث أسند عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي ﷺ ألحد ([19])، ونصب عليه اللبن نصبا، ورفع قبره من ألأرض نحوًا من شبر.
والحكمة في ذلك: أن رفع القبور وتعظيم ظاهرها، أو جعلها شاخصة بشكل مبالغ فيه يؤدي إلى الفتنة بها وبمن فيها؛ كما هو واقع اليوم في أنحاء كثيرة من بلاد الإسلام، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وإنما كان بدء الشرك في الناس بسبب غلوهم في تعظيم القبور، وقد نبه العلماء لهذه المسألة وبينوا خطر الغلو فيها، ومن ذلك ما أوضحه شيخ الإسلام الإمام المجدد الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في «كتاب التوحيد» حيث عقد لذلك بابًا فقال: «باب ما جاء أن سبب كفر بني آدم وتركهم دينهم هو الغلو في الصالحين». وعقد بابًا آخر فقال: «باب ما جاء أن الغلو في قبور الصالحين يصيرها أوثانًا تعبد من دون الله»، ثم ساق الأدلة المبينة لهذه المسألة العظيمة، فراجعه فإنه مفيد بإذن الله.
خامسًا: يظن بعض الناس أن لرش الماء على القبر بعد الفراغ من الدفن تأثيرًا على الميت أو أنه يبرد عليه أو نحو ذلك.
وواقع الأمر أن رش الماء على القبر بعد الفراغ من الدفن إنما هو لأجل أن يلتزق التراب به فلا تذوره الرياح.
قال الموفق ابن قدامة رحمه الله في كتابه «المُغني»([20]): «ويستحب أن يرش على القبر ماءٌ ليلتزق ترابه». اهـ.
وهكذا الشأن في وضع الحصباء والنصيبتين من اللبن على طرفيه، إنما ذلك لأجل أن تعرف حدود القبر ويتميز عن مساحة الأرض من جوانبه على مرور السنين، فلا يوطأ ولا يهان، وهذا ما يشير إليه فعله عليه الصلاة والسلام عندما فرغ من قبر عثمان بن مظعون t وسأذكر حديثه بعد أسطر بعون الله.
حجم الكتاب عند التحميل : 2.4 ميجا بايت .
نوع الكتاب : pdf.
عداد القراءة:
اذا اعجبك الكتاب فضلاً اضغط على أعجبني و يمكنك تحميله من هنا:
شكرًا لمساهمتكم
شكراً لمساهمتكم معنا في الإرتقاء بمستوى المكتبة ، يمكنكم االتبليغ عن اخطاء او سوء اختيار للكتب وتصنيفها ومحتواها ، أو كتاب يُمنع نشره ، او محمي بحقوق طبع ونشر ، فضلاً قم بالتبليغ عن الكتاب المُخالف:
قبل تحميل الكتاب ..
يجب ان يتوفر لديكم برنامج تشغيل وقراءة ملفات pdf
يمكن تحميلة من هنا 'http://get.adobe.com/reader/'