❞ كتاب الحياة البيتية للنبي صلى الله عليه وسلم ❝  ⏤ خالد بن عبد الرحمن الشايع

❞ كتاب الحياة البيتية للنبي صلى الله عليه وسلم ❝ ⏤ خالد بن عبد الرحمن الشايع

لم تزل سيرة نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- محلاً لعناية أمة الإسلام جيلاً بعد جيل، وقرناً بعد آخر، كما أنها لم تزل مورداً عذباً ومعيناً صافياً لاستلهام الدروس والعبر في مختلف المجالات: عقيدة وشريعة ومنهجاً وتربيةً وسلوكاً، وكان من عناية العلماء بها ما هو معلوم ومشهود بما لا يشابه هذه السيرة سيرة أحد من الخلق على الإطلاق.

وفي هذا السياق أُقدِّم هذه المقتطفات من بيت النبوة بما يظهر جوانب معينة من سيرة المعصوم -صلى الله عليه وسلم- مما يتصل ببيت النبوة الوارف.

وفي هذه المجموعة التي بين يديك اقتطفت أربع مجموعات من كتابي الكبير "بيت النبوة".

ونظمتها في هذه المجموعات الأربع:
1- الطفولة في حياة المعصوم -صلى الله عليه وسلم-.
2- لمحات من حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- مع بناته.
3- لمحات من الحياة البيتية للنبي -صلى الله عليه وسلم-.
4- لمحات من زواج المصطفى -صلى الله عليه وسلم- بأمهات المؤمنين.

وإني لأسأل الله تعالى أن ينفع بهذه المجموعة، وأن يجعلها في ميزان حسناتي وحسنات والديَّ، وأسأله سبحانه أن يجعلها مُدْنيَةً من مرضاته وسبباً لدخول جناته. آمين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد.


كيف كان عيش النبي -صلى الله عليه وسلم- وأهل بيته؟
نستهل هذا الموضوع بما رواه البخاري ومسلم عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-أنها قالت: "كان يأتي على آل محمد الشهر والشهران لا يوقد في بيت من بيوته نار، وكان قوتهم التمر والماء".

نعم هكذا عاش نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-، وبرغم أنه -صلى الله عليه وسلم- كان عنده تسع نسوة لكن كل واحدة كان يمضي عليها الشهر والشهران لا يوقد في بيتها نار، وليس ذلك منه -صلى الله عليه وسلم- تقتيراً على نفسه وأهله، أو أن الإسلام يعاف الطيبات ويسن للناس تركها، كلا وحاشا، فإن الله تعالى يقول: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ) .

ولكنه الزهد الحقيقي والرغبة فيما عند الله تعالى: (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى).

والله تعالى قد آتى نبيه -صلى الله عليه وسلم- مفاتيح خزائن الأرض كلها، فأبى أن يأخذها، واختار الآخرة عليها.

وكان من دعائه -صلى الله عليه وسلم-: «اللهم اجعل رزق آل محمد قوتاً» رواه البخاري، ومسلم.

وهذا منه -صلى الله عليه وسلم- زهد في الدنيا وإعراض عنها ورغبة فيما عند الله تعالى، قال الله جل شأنه: (وَلَلْآَخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى)، وقال عليه الصلاة والسلام: «مالي وللدنيا، إنما أنا كرجل قال تحت ظل شجرة (يعني نام في ظلها وقت الظهر) ثم راح وتركها» رواه الترمذي وابن ماجه وغيرهما.

ويبلغ زهد نبينا -صلى الله عليه وسلم- في هذه الدنيا مبلغاً يبين حقارتها عنده وأنها في ذاتها ظل زائل. روى البخاري ومسلم عن أبي ذر -رضي الله عنه- قال: "كنت أمشي مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في حرة المدينة، فاستقبلنا أُحُد، فقال: يا أباذر، قلت: لبيك يا رسول الله، فقال: «ما يسرني أن عندي مثل أحُدٍ ذهباً، تمضي عليَّ ثالثة وعندي منه دينار ـ إلا شيئاً أرصده لديْن ـ إلا أن أقول به في عباد الله هكذا وهكذا، عن يمينه وعن شماله ومن خلفه». ثم مشى فقال: «إن الأكثرين هم الأقلُّون يوم القيامة، إلا من قال هكذا، وهكذا، وهكذا، عن يمينه وعن شماله ومن خلفه، وقليل ما هم».

وقوله -صلى الله عليه وسلم-:
«إن الأكثرين هم الأقلون يوم القيامة» أي أن أصحاب الأموال الكثيرة هم الأقل حسنات يوم القيامة ولا يستثنى من ذلك إلا من وصفهم النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله من قال بالمال هكذا وهكذا، وهو إشارة إلى إنفاق المال في وجوهه المشروعة وعدم كنزه أو البخل به، ومن قام بهذا الحق فالمال له مستحب وهو له خير.

وفي ظلال هذه المعيشة أظهر نساء النبي -صلى الله عليه وسلم- في بعض الأحيان رغبتهن في تغييرها والخروج عنها، خاصة وأنهن في بيت أعظم رجل في العرب، وتتابع نساء النبي -صلى الله عليه وسلم- في تلك المطالبة، وأكثرن عليه، طالبات المزيد من النفقة ومتطلعات لمتاع الدنيا، فكره ذلك منهن النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولما زدن في تلك المطالبة وأَلحفنَ في مسألتهن وشَدَّدْتَ هجرهن -صلى الله عليه وسلم-، ولم يدخل على واحدة منهن لمدة شهر من الزمان، حتى شاع بين الناس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- طلق نساءه كلهن. ففزع أبو بكر وعمر ـ رضي الله عنهما ـ لهذه الإشاعة رعاية لخاطر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فابنة كل منهما عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فذهبا يستأذنان ليدخلا عليه، وليتعرفا على حقيقة الأمر، فلما دخلا على النبي -صلى الله عليه وسلم- سأله عمر: أطلقت نساءك يا رسول الله؟ قال: لا، فتنفس عمر الصعداء، لكنه رأى جَوَّ الحزن يخيم على المكان، فقال لأُكلِّمَنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لعله يضحك، فقال: يا رسول الله، لو رأيت ابنة زيد -يعني زوجته- سألتني النفقة آنفاً فوجأت عنقها، فضحك النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى بدا ناجذه، وقال: «هن حولي يسألنني النفقة». فقام أبو بكر إلى عائشة يؤدبها، وقام عمر إلى حفصة كلاهما يقول: تسألنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- ما ليس عنده؟! فنهى النبي -صلى الله عليه وسلم- الأبوين أن يصنعا ببنتيهما شيئاً، وكانت نساؤه نادمات يقلن: والله لا نسأل رسول الله بعد هذا المجلس ما ليس عنده".

وبعد مضي شهر من هجرة النبي -صلى الله عليه وسلم- لنسائه، نزلت آيات التخيير من عند الله تخاطبهن جميعاً أن يخترن التجرد للدار الآخرة مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأن يرضين بعيشه، وإما أن يلحقن بأهلهن حيث الملابس الحسنة والمآكل الدسمة وغير ذلك من متاع الدنيا وزينتها، وذلكم قول ربنا: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآَخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا) ، فأثرن الله ورسوله والدار الآخرة، وعشن مع النبي -صلى الله عليه وسلم- معينات على الحق راغبات في الثواب، عشن معه للجهاد والتهجد، والبذل والمواساة، والتواضع والخدمة، فأقر الله أعينهن بصحبة نبيه في الجنة كما صحبنه في الدنيا.

بوب الإمام البخاري -رحمه الله- في كتاب الرقاق من "صحيحه" فقال:
باب كيف كان عيش النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه وتخليهم عن الدنيا؟
خالد بن عبد الرحمن الشايع - خالد بن عبد الرحمن بن حمد الشايع داعية إسلامي سعودي ودكتور في الشريعة الإسلامية، من مواليد عام 1386 هـ .
❰ له مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ موت کا منظر ❝ ❞ Cuộc sống c otilde i Barzakh ❝ ❞ تنبيهات حول بعض المخالفات الواقعة في المقابر ❝ ❞ لمحات من حياة النبي صلى الله عليه وسلم مع بناته ❝ ❞ القنوات الفضائية وآثارها العقدية والثقافية والاجتماعية والأمنية ❝ ❞ مقاصد أهل الحسبة والأمور الحاملة لهم على عملهم في ضوء ال والسنة ❝ ❞ شبکه هاى ماهواره اى ويیامدهای آن ❝ ❞ الطفولة في حياة المعصوم صلى الله عليه وسلم ❝ ❞ استدراك وتعقيب على الشيخ شعيب الأرناؤوط في تأويله بعض أحاديث الصفات ❝ الناشرين : ❞ موقع دار الإسلام ❝ ❞ دار بلنسية ❝ ❞ دار بنلسيه للنشر والتوزيع ❝ ❱
من إسلامية متنوعة كتب إسلامية متنوعة - مكتبة كتب إسلامية.

نبذة عن الكتاب:
الحياة البيتية للنبي صلى الله عليه وسلم

لم تزل سيرة نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- محلاً لعناية أمة الإسلام جيلاً بعد جيل، وقرناً بعد آخر، كما أنها لم تزل مورداً عذباً ومعيناً صافياً لاستلهام الدروس والعبر في مختلف المجالات: عقيدة وشريعة ومنهجاً وتربيةً وسلوكاً، وكان من عناية العلماء بها ما هو معلوم ومشهود بما لا يشابه هذه السيرة سيرة أحد من الخلق على الإطلاق.

وفي هذا السياق أُقدِّم هذه المقتطفات من بيت النبوة بما يظهر جوانب معينة من سيرة المعصوم -صلى الله عليه وسلم- مما يتصل ببيت النبوة الوارف.

وفي هذه المجموعة التي بين يديك اقتطفت أربع مجموعات من كتابي الكبير "بيت النبوة".

ونظمتها في هذه المجموعات الأربع:
1- الطفولة في حياة المعصوم -صلى الله عليه وسلم-.
2- لمحات من حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- مع بناته.
3- لمحات من الحياة البيتية للنبي -صلى الله عليه وسلم-.
4- لمحات من زواج المصطفى -صلى الله عليه وسلم- بأمهات المؤمنين.

وإني لأسأل الله تعالى أن ينفع بهذه المجموعة، وأن يجعلها في ميزان حسناتي وحسنات والديَّ، وأسأله سبحانه أن يجعلها مُدْنيَةً من مرضاته وسبباً لدخول جناته. آمين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد.


كيف كان عيش النبي -صلى الله عليه وسلم- وأهل بيته؟
نستهل هذا الموضوع بما رواه البخاري ومسلم عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-أنها قالت: "كان يأتي على آل محمد الشهر والشهران لا يوقد في بيت من بيوته نار، وكان قوتهم التمر والماء".

نعم هكذا عاش نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-، وبرغم أنه -صلى الله عليه وسلم- كان عنده تسع نسوة لكن كل واحدة كان يمضي عليها الشهر والشهران لا يوقد في بيتها نار، وليس ذلك منه -صلى الله عليه وسلم- تقتيراً على نفسه وأهله، أو أن الإسلام يعاف الطيبات ويسن للناس تركها، كلا وحاشا، فإن الله تعالى يقول: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ) .

ولكنه الزهد الحقيقي والرغبة فيما عند الله تعالى: (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى).

والله تعالى قد آتى نبيه -صلى الله عليه وسلم- مفاتيح خزائن الأرض كلها، فأبى أن يأخذها، واختار الآخرة عليها.

وكان من دعائه -صلى الله عليه وسلم-: «اللهم اجعل رزق آل محمد قوتاً» رواه البخاري، ومسلم.

وهذا منه -صلى الله عليه وسلم- زهد في الدنيا وإعراض عنها ورغبة فيما عند الله تعالى، قال الله جل شأنه: (وَلَلْآَخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى)، وقال عليه الصلاة والسلام: «مالي وللدنيا، إنما أنا كرجل قال تحت ظل شجرة (يعني نام في ظلها وقت الظهر) ثم راح وتركها» رواه الترمذي وابن ماجه وغيرهما.

ويبلغ زهد نبينا -صلى الله عليه وسلم- في هذه الدنيا مبلغاً يبين حقارتها عنده وأنها في ذاتها ظل زائل. روى البخاري ومسلم عن أبي ذر -رضي الله عنه- قال: "كنت أمشي مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في حرة المدينة، فاستقبلنا أُحُد، فقال: يا أباذر، قلت: لبيك يا رسول الله، فقال: «ما يسرني أن عندي مثل أحُدٍ ذهباً، تمضي عليَّ ثالثة وعندي منه دينار ـ إلا شيئاً أرصده لديْن ـ إلا أن أقول به في عباد الله هكذا وهكذا، عن يمينه وعن شماله ومن خلفه». ثم مشى فقال: «إن الأكثرين هم الأقلُّون يوم القيامة، إلا من قال هكذا، وهكذا، وهكذا، عن يمينه وعن شماله ومن خلفه، وقليل ما هم».

وقوله -صلى الله عليه وسلم-:
«إن الأكثرين هم الأقلون يوم القيامة» أي أن أصحاب الأموال الكثيرة هم الأقل حسنات يوم القيامة ولا يستثنى من ذلك إلا من وصفهم النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله من قال بالمال هكذا وهكذا، وهو إشارة إلى إنفاق المال في وجوهه المشروعة وعدم كنزه أو البخل به، ومن قام بهذا الحق فالمال له مستحب وهو له خير.

وفي ظلال هذه المعيشة أظهر نساء النبي -صلى الله عليه وسلم- في بعض الأحيان رغبتهن في تغييرها والخروج عنها، خاصة وأنهن في بيت أعظم رجل في العرب، وتتابع نساء النبي -صلى الله عليه وسلم- في تلك المطالبة، وأكثرن عليه، طالبات المزيد من النفقة ومتطلعات لمتاع الدنيا، فكره ذلك منهن النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولما زدن في تلك المطالبة وأَلحفنَ في مسألتهن وشَدَّدْتَ هجرهن -صلى الله عليه وسلم-، ولم يدخل على واحدة منهن لمدة شهر من الزمان، حتى شاع بين الناس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- طلق نساءه كلهن. ففزع أبو بكر وعمر ـ رضي الله عنهما ـ لهذه الإشاعة رعاية لخاطر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فابنة كل منهما عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فذهبا يستأذنان ليدخلا عليه، وليتعرفا على حقيقة الأمر، فلما دخلا على النبي -صلى الله عليه وسلم- سأله عمر: أطلقت نساءك يا رسول الله؟ قال: لا، فتنفس عمر الصعداء، لكنه رأى جَوَّ الحزن يخيم على المكان، فقال لأُكلِّمَنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لعله يضحك، فقال: يا رسول الله، لو رأيت ابنة زيد -يعني زوجته- سألتني النفقة آنفاً فوجأت عنقها، فضحك النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى بدا ناجذه، وقال: «هن حولي يسألنني النفقة». فقام أبو بكر إلى عائشة يؤدبها، وقام عمر إلى حفصة كلاهما يقول: تسألنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- ما ليس عنده؟! فنهى النبي -صلى الله عليه وسلم- الأبوين أن يصنعا ببنتيهما شيئاً، وكانت نساؤه نادمات يقلن: والله لا نسأل رسول الله بعد هذا المجلس ما ليس عنده".

وبعد مضي شهر من هجرة النبي -صلى الله عليه وسلم- لنسائه، نزلت آيات التخيير من عند الله تخاطبهن جميعاً أن يخترن التجرد للدار الآخرة مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأن يرضين بعيشه، وإما أن يلحقن بأهلهن حيث الملابس الحسنة والمآكل الدسمة وغير ذلك من متاع الدنيا وزينتها، وذلكم قول ربنا: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآَخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا) ، فأثرن الله ورسوله والدار الآخرة، وعشن مع النبي -صلى الله عليه وسلم- معينات على الحق راغبات في الثواب، عشن معه للجهاد والتهجد، والبذل والمواساة، والتواضع والخدمة، فأقر الله أعينهن بصحبة نبيه في الجنة كما صحبنه في الدنيا.

بوب الإمام البخاري -رحمه الله- في كتاب الرقاق من "صحيحه" فقال:
باب كيف كان عيش النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه وتخليهم عن الدنيا؟ .
المزيد..

تعليقات القرّاء:

لم تزل سيرة نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- محلاً لعناية أمة الإسلام جيلاً بعد جيل، وقرناً بعد آخر، كما أنها لم تزل مورداً عذباً ومعيناً صافياً لاستلهام الدروس والعبر في مختلف المجالات: عقيدة وشريعة ومنهجاً وتربيةً وسلوكاً، وكان من عناية العلماء بها ما هو معلوم ومشهود بما لا يشابه هذه السيرة سيرة أحد من الخلق على الإطلاق.

وفي هذا السياق أُقدِّم هذه المقتطفات من بيت النبوة بما يظهر جوانب معينة من سيرة المعصوم -صلى الله عليه وسلم- مما يتصل ببيت النبوة الوارف.

وفي هذه المجموعة التي بين يديك اقتطفت أربع مجموعات من كتابي الكبير "بيت النبوة".

ونظمتها في هذه المجموعات الأربع:
1-    الطفولة في حياة المعصوم -صلى الله عليه وسلم-.
2-    لمحات من حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- مع بناته.
3-    لمحات من الحياة البيتية للنبي -صلى الله عليه وسلم-.
4-    لمحات من زواج المصطفى -صلى الله عليه وسلم- بأمهات المؤمنين.

وإني لأسأل الله تعالى أن ينفع بهذه المجموعة، وأن يجعلها في ميزان حسناتي وحسنات والديَّ، وأسأله سبحانه أن يجعلها مُدْنيَةً من مرضاته وسبباً لدخول جناته. آمين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

 
كيف كان عيش النبي -صلى الله عليه وسلم- وأهل بيته؟
نستهل هذا الموضوع بما رواه البخاري ومسلم  عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-أنها قالت: "كان يأتي على آل محمد الشهر والشهران لا يوقد في بيت من بيوته نار، وكان قوتهم التمر والماء".

نعم هكذا عاش نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-، وبرغم أنه -صلى الله عليه وسلم- كان عنده تسع نسوة لكن كل واحدة كان يمضي عليها الشهر والشهران لا يوقد في بيتها نار، وليس ذلك منه -صلى الله عليه وسلم- تقتيراً على نفسه وأهله، أو أن الإسلام يعاف الطيبات ويسن للناس تركها، كلا وحاشا، فإن الله تعالى يقول: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ) .

ولكنه الزهد الحقيقي والرغبة فيما عند الله تعالى: (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى).

والله تعالى قد آتى نبيه -صلى الله عليه وسلم- مفاتيح خزائن الأرض كلها، فأبى أن يأخذها، واختار الآخرة عليها.

وكان من دعائه -صلى الله عليه وسلم-: «اللهم اجعل رزق آل محمد قوتاً» رواه البخاري، ومسلم.

وهذا منه -صلى الله عليه وسلم- زهد في الدنيا وإعراض عنها ورغبة فيما عند الله تعالى، قال الله جل شأنه: (وَلَلْآَخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى)، وقال عليه الصلاة والسلام: «مالي وللدنيا، إنما أنا كرجل قال تحت ظل شجرة (يعني نام في ظلها وقت الظهر) ثم راح وتركها» رواه الترمذي وابن ماجه وغيرهما.

ويبلغ زهد نبينا -صلى الله عليه وسلم- في هذه الدنيا مبلغاً يبين حقارتها عنده وأنها في ذاتها ظل زائل. روى البخاري  ومسلم  عن أبي ذر -رضي الله عنه- قال: "كنت أمشي مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في حرة المدينة، فاستقبلنا أُحُد، فقال: يا أباذر، قلت: لبيك يا رسول الله، فقال: «ما يسرني أن عندي مثل أحُدٍ ذهباً، تمضي عليَّ ثالثة وعندي منه دينار ـ إلا شيئاً أرصده لديْن ـ إلا أن أقول به في عباد الله هكذا وهكذا، عن يمينه وعن شماله ومن خلفه». ثم مشى فقال: «إن الأكثرين هم الأقلُّون يوم القيامة، إلا من قال هكذا، وهكذا، وهكذا، عن يمينه وعن شماله ومن خلفه، وقليل ما هم».

وقوله -صلى الله عليه وسلم-:
«إن الأكثرين هم الأقلون يوم القيامة» أي أن أصحاب الأموال الكثيرة هم الأقل حسنات يوم القيامة ولا يستثنى من ذلك إلا من وصفهم النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله من قال بالمال هكذا وهكذا، وهو إشارة إلى إنفاق المال في وجوهه المشروعة وعدم كنزه أو البخل به، ومن قام بهذا الحق فالمال له مستحب وهو له خير.

وفي ظلال هذه المعيشة أظهر نساء النبي -صلى الله عليه وسلم- في بعض الأحيان رغبتهن في تغييرها والخروج عنها، خاصة وأنهن  في بيت أعظم رجل في العرب، وتتابع نساء النبي -صلى الله عليه وسلم- في تلك المطالبة، وأكثرن عليه، طالبات المزيد من النفقة ومتطلعات لمتاع الدنيا، فكره ذلك منهن النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولما زدن في تلك المطالبة وأَلحفنَ في مسألتهن وشَدَّدْتَ هجرهن -صلى الله عليه وسلم-، ولم يدخل على واحدة منهن لمدة شهر من الزمان، حتى شاع بين الناس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- طلق نساءه كلهن. ففزع أبو بكر وعمر ـ رضي الله عنهما ـ لهذه الإشاعة رعاية لخاطر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فابنة كل منهما عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فذهبا يستأذنان ليدخلا عليه، وليتعرفا على حقيقة الأمر، فلما دخلا على النبي -صلى الله عليه وسلم- سأله عمر: أطلقت نساءك يا رسول الله؟ قال: لا، فتنفس عمر الصعداء، لكنه رأى جَوَّ الحزن يخيم على المكان، فقال لأُكلِّمَنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لعله يضحك، فقال: يا رسول الله، لو رأيت ابنة زيد -يعني زوجته- سألتني النفقة آنفاً فوجأت عنقها، فضحك النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى بدا ناجذه، وقال: «هن حولي يسألنني النفقة». فقام أبو بكر إلى عائشة يؤدبها، وقام عمر إلى حفصة كلاهما يقول: تسألنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- ما ليس عنده؟! فنهى النبي -صلى الله عليه وسلم- الأبوين أن يصنعا ببنتيهما شيئاً، وكانت نساؤه نادمات يقلن: والله لا نسأل رسول الله بعد هذا المجلس ما ليس عنده".

وبعد مضي شهر من هجرة النبي -صلى الله عليه وسلم- لنسائه، نزلت آيات التخيير من عند الله تخاطبهن جميعاً أن يخترن التجرد للدار الآخرة مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأن يرضين بعيشه، وإما أن يلحقن بأهلهن حيث الملابس الحسنة والمآكل الدسمة وغير ذلك من متاع الدنيا وزينتها، وذلكم قول ربنا: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآَخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا) ، فأثرن الله ورسوله والدار الآخرة، وعشن مع النبي -صلى الله عليه وسلم- معينات على الحق راغبات في الثواب، عشن معه للجهاد والتهجد، والبذل والمواساة، والتواضع والخدمة، فأقر الله أعينهن بصحبة نبيه في الجنة كما صحبنه في الدنيا.

بوب الإمام البخاري -رحمه الله- في كتاب الرقاق من "صحيحه" فقال:
باب كيف كان عيش النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه وتخليهم عن الدنيا؟



حجم الكتاب عند التحميل : 268.2 كيلوبايت .
نوع الكتاب : pdf.
عداد القراءة: عدد قراءة الحياة البيتية للنبي صلى الله عليه وسلم

اذا اعجبك الكتاب فضلاً اضغط على أعجبني
و يمكنك تحميله من هنا:

تحميل الحياة البيتية للنبي صلى الله عليه وسلم
شكرًا لمساهمتكم

شكراً لمساهمتكم معنا في الإرتقاء بمستوى المكتبة ، يمكنكم االتبليغ عن اخطاء او سوء اختيار للكتب وتصنيفها ومحتواها ، أو كتاب يُمنع نشره ، او محمي بحقوق طبع ونشر ، فضلاً قم بالتبليغ عن الكتاب المُخالف:

برنامج تشغيل ملفات pdfقبل تحميل الكتاب ..
يجب ان يتوفر لديكم برنامج تشغيل وقراءة ملفات pdf
يمكن تحميلة من هنا 'http://get.adobe.com/reader/'

المؤلف:
خالد بن عبد الرحمن الشايع - Khalid bin Abdul Rahman Al Shaya

كتب خالد بن عبد الرحمن الشايع خالد بن عبد الرحمن بن حمد الشايع داعية إسلامي سعودي ودكتور في الشريعة الإسلامية، من مواليد عام 1386 هـ . ❰ له مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ موت کا منظر ❝ ❞ Cuộc sống c otilde i Barzakh ❝ ❞ تنبيهات حول بعض المخالفات الواقعة في المقابر ❝ ❞ لمحات من حياة النبي صلى الله عليه وسلم مع بناته ❝ ❞ القنوات الفضائية وآثارها العقدية والثقافية والاجتماعية والأمنية ❝ ❞ مقاصد أهل الحسبة والأمور الحاملة لهم على عملهم في ضوء ال والسنة ❝ ❞ شبکه هاى ماهواره اى ويیامدهای آن ❝ ❞ الطفولة في حياة المعصوم صلى الله عليه وسلم ❝ ❞ استدراك وتعقيب على الشيخ شعيب الأرناؤوط في تأويله بعض أحاديث الصفات ❝ الناشرين : ❞ موقع دار الإسلام ❝ ❞ دار بلنسية ❝ ❞ دار بنلسيه للنشر والتوزيع ❝ ❱. المزيد..

كتب خالد بن عبد الرحمن الشايع