❞ كتاب مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة ❝ ⏤ جلال الدين السيوطي
الجنة في الإسلام هي المكان الذي أعده الله لعباده الصالحين بعد الموت والبعث والحساب مكافأة لهم، وهي من الأمور الغيبية أي أن وسيلة العلم بها هي القرآن والسنة النبوية فقط. والإيمان بالجنة ووجودها هو جزء من الإيمان باليوم الآخر والذي هو الركن الخامس من الأركان الستة للإيمان في الإسلام. ويؤمن المسلمون بأن الجنة دار نعيم لا يشوبها نقص ولا يعكر صفوها كدر، ولا يُمكن أن يتصور العقل هذا النعيم. فقد قال الله في الحديث القدسي: «أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، فاقرأوا إن شئتم: ﴿فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ١٧﴾ [السجدة:17]».
ويؤمن المسلمون بأنها أعدت للمؤمنين الموحدين الذينَ أخلصوا عبادتهم لِلَّهِ عَزَ وجَل ذوي الأعمال الصالحة، وأنه من كان موحدٌ ذو أعمال فاسدة فإنهُ تحت المشيئة إن شاء الله غفر له وإن شاء عذبه بقدر ذنبه. فإنه يُعذّب في النار ثم يدخلها، وأنه من أشرك أو كفر بالله فإنها محرمة عليه، ويؤمنون بأنها مليئة بالعيون والأنهار والأشجار والثمار وكل ما ينعم به الإنسان، وأنهم يدخلونها في أكمل صورة وينعمون بأكمل نعيم، ويؤمنون بأنها درجات متفاوتة حسب أعمالهم الصالحة. ويكون خازنها هو رضوان.
ويؤمن المسلمون أنه لن يدخل الجنة أحد بعمله، إلا برحمة الله وفضله، فهي ليست ثمنًا للعمل، وإنما يكون العمل سببًا لدخولها. قال النبي: «"لَنْ يُدْخِلَ أَحَدًا عَمَلُهُ الْجَنَّةَ". قَالُوا: وَلَا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "لَا، وَلَا أَنَا إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ بِفَضْلٍ وَرَحْمَة».
وثبت عن النبي محمد أن الجنة تتحدث، وقد تحاجت مع النار: «تَحَاجَّتِ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ، فَقَالَتِ النَّارُ: أُوثِرْتُ بِالْمُتَكَبِّرِينَ وَالْمُتَجَبِّرِينَ، وَقَالَتِ الْجَنَّةُ: فَمَا لِيَ لا يَدْخُلُنِي إِلا ضُعَفَاءُ النَّاسِ وَسَقَطُهُمْ وَغِرَّتُهُمْ، فَقَالَ اللَّهُ لِلْجَنَّةِ: إِنَّمَا أَنْتِ رَحْمَتِي أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي، وَقَالَ لِلنَّارِ: إِنَّمَا أَنْتِ عَذَابِي أُعَذِّبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْكُمَا مِلْؤُهَا، فَأَمَّا النَّارُ فَلا تَمْتَلِئُ حَتَّى يَضَعَ فِيهَا رِجْلَهُ، فَتَقُولُ: قَطْ قَطْ، فَهُنَالِكَ تَمْتَلِئُ وَيُزْوَى بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ، وَلا يَظْلِمُ اللَّهُ مِنْ خَلْقِهِ أَحَدًا، وَأَمَّا الْجَنَّةُ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُنْشِئُ لَهَا خَلْقًا.»
اعلموا يرحمكم الله أن من العلم كهيئة الدواء ومن الآراء كهيئة الخلاء لا تذكر إلا عند داعية الضرورة. وإن مما فاح ريحه في هذا الزمان وكان دراسا بحمد الله تعالى منذ أزمان وهو أن قائلا رافضيا زنديقا أكثر في كلامه أن السنة النبوية والأحاديث المروية - زادها الله علوا وشرفا - لا يحتج بها وأن الحجة في القرآن خاصة، وأورد على ذلك حديث: « ما جاءكم عني من حديث فاعرضوه على القرآن فإن وجدتم له أصلا فخذوا به وإلا فردوه ». [1] وهكذا سمعت هذا الكلام بجملته منه وسمعه مه خلائق غيري فمنهم من لا يلقي لذلك بالا ومنهم من لا يعرف أصل هذا الكلام ولا من أين جاء فأردت أن أوضح للناس أصل ذلك وأبين بطلانه وأنه من أعظم المهالك.
فاعلموا رحمكم الله أن من أنكر كون حديث النبي صلى الله عليه وسلم قولا كان أو فعلا بشرطه المعروف في الأصول حجةً كفر وخرج عن دائرة الإسلام وحشر مع اليهود والنصارى أو مع من شاء الله من فرق الكفرة.
روى الإمام الشافعي رضي الله عنه يوما حديثا وقال إنه صحيح فقال له قائل أتقول به يا أبا عبد الله، فاضطرب وقال: « يا هذا أرأيتني نصرانيا أرأيتني خارجا من كنيسة أرأيت في وسطي زنارا أروي حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أقول به! » [2]
وأصل هذا الرأي الفاسد أن الزنادقة وطائفة من غلاة الرافضة ذهبوا إلى إنكار الاحتجاج بالسنة والاقتصار على القرآن وهم في ذلك مختلفو المقاصد: فمنهم من كان يعتقد أن النبوة لعلي وأن جبريل عليه السلام أخطأ في نزوله إلى سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم - تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا؛ ومنهم من أقر للنبي صلى الله عليه وسلم بالنبوة ولكن قال إن الخلافة كانت حقا لعلي فلما عدل بها الصحابة عنه إلى أبي بكر رضي الله عنهم أجمعين قال هؤلاء المخذولون لعنهم الله كفروا حيث جاروا وعدلوا بالحق عن مستحقه، وكفّروا لعنهم الله عليا رضي الله عنه أيضا لعدم طلبه حقه فبنوا على ذلك رد الأحاديث كلها لأنها عندهم بزعمهم من رواية قوم كفار فإنا لله وإنا إليه راجعون، وهذه آراء ما كنت أستحل حكايتها لولا ما دعت إليه الضرورة من بيان أصل هذا المذهب الفاسد الذي كان الناس في راحة منه من أعصار.
وقد كان أهل هذا الرأي موجودين بكثرة في زمن الأئمة الأربعة فمن بعدهم وتصدى الأئمة الأربعة وأصحابهم في دروسهم ومناظراتهم وتصانيفهم للرد عليهم، وسأسوق إن شاء الله تعالى جملة من ذلك والله الموفق.
جلال الدين السيوطي - جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد ابن سابق الدين الخضيري السيوطي المشهور باسم جلال الدين السيوطي، (القاهرة 849 هـ/1445م - القاهرة 911 هـ/1505م) إمام حافظ، ومفسر، ومؤرخ، وأديب، وفقيه شافعي. ❰ له مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ الامام السيوطى الوشاح وفؤائد النكاح ❝ ❞ أسباب النزول المسمى لباب النقول في أسباب النزول (السيوطي) ❝ ❞ شقائق الأترج في رقائق الغنج ❝ ❞ الإتقان في علوم القرآن ❝ ❞ المزهر في علوم اللغة وأنواعها ❝ ❞ الأشباه والنظائر في النحو (ط الرسالة) ❝ ❞ حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة مجلد 1 ❝ ❞ نزهة الجلساء في أشعار النساء ❝ ❞ الخصائص الكبرى أو كفاية الطالب اللبيب في خصائص الحبيب / ج1 ❝ الناشرين : ❞ دار الكتب العلمية بلبنان ❝ ❞ مؤسسة الرسالة ❝ ❞ دار المعرفة للطباعة والنشر ❝ ❞ دار ابن حزم للطباعة والنشر والتوزيع ❝ ❞ دار الكتاب العربي ❝ ❞ الدار المصرية اللبنانية ❝ ❞ المكتبة العصرية ❝ ❞ المكتب الإسلامي للطباعة والنشر ❝ ❞ الأزهر الشريف ❝ ❞ وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية - قطر ❝ ❞ عالم الكتب ❝ ❞ دار الجيل للنشر والتوزيع ❝ ❞ مجمع الملك فهد ❝ ❞ دار المنارة للنشر والتوزيع ❝ ❞ دار البشائر الإسلامية ❝ ❞ جامعة أم القرى ❝ ❞ دار الصحابة للتراث بطنطا ❝ ❞ جامعة الملك سعود ❝ ❞ مطبعة مصطفى البابي الحلبي ❝ ❞ مكتبة دار التراث للطباعة والنشر والتوزيع ❝ ❞ مكتبة الآداب ❝ ❞ دار ابن القيم ❝ ❞ مؤسسة الكتب الثقافية ❝ ❞ دار الكتب السلفية ❝ ❞ دار إحياء الكتب العربية ❝ ❞ دار العقيدة ❝ ❞ مجمع اللغة العربية بدمشق ❝ ❞ دار الكتب الحديثة ❝ ❞ دار المدني ❝ ❞ دار ابن خلدون ❝ ❞ مكتبة الغرباء ❝ ❞ دائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري - حكومة دبي ❝ ❞ مكتبة دار القرآن ❝ ❞ مركز البحوث والدراسات ❝ ❞ دار العلم للطباعة والنشر والتوزيع ❝ ❞ المكتبة القيمة للنشر والتوزيع ❝ ❞ سايت نوار اسلام ❝ ❞ مؤسسة نادر للطباعة والنشر والتوزيع ❝ ❱
من مؤلفات حول الحديث النبوي الشريف السنة النبوية الشريفة - مكتبة كتب إسلامية.