❞ كتاب القول الفصل في حكم بناء القبب على القبر ❝ ⏤ سليمان بن صالح الجربوع
جاء في لسان العرب: والقُبَّةُ من البناء: معروفة، وقيل هي البناء من الأَدَم خاصَّةً،
مشتقٌّ من ذلك، والجمع قُبَبٌ وقِـبابٌ. وقَبَّـبها: عَمِلَها. وتَقبَّـبها: دَخَلها،وبيتٌ مُقَبَّبٌ: جُعِلَ فوقه قُبَّةٌ؛ والهوادجُ تُقَبَّبُ. وقَبَبْتُ قُبَّة، وقَبَّـبْتها تَقبيباً إِذا بَنَيْتَها. وقُبَّةُ الإِسلام: البَصْرة، وهي خِزانة العرب.
والمقصود في بحثنا هذا هو ما بُنِيَ على قبر الميت من الأبنية كالقُبّة.
وعن أبي الهياج الأسدي قال: قال لي علي بن أبي طالب: "ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ألا أدع قبراً مشرفاً إلا سويته، ولا تمثالاً إلا طمسته". أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي والترمذي وحسنه، والحاكم والبيهقي والطيالسي وأحمد من طريق أبي وائل عنه، والطبراني في المعجم الصغير من طريق أبي إسحاق عنه، قال الإمام الشوكاني في شرحه لهذا الحديث: ((... ومن رفع القبور الداخل تحت الحديث دخُولاً أولياء القبب والمشاهد المعمورة على القبور، وهو من اتخاذ القبور مساجد، وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاعل، كما جاء في الحديث الذي أخرجه الشيخان من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (( لعنة الله على اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد )).
واستشار رجل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن يبني فسطاطاً على ميت له، فقال له: "لا تفعل، إنما يظله عمله".
وفي الصحيحين عن أم سلمة وأم حبيبة رضي الله عنهما أنهما ذكرتا للنبي صلى الله عليه وسلم كنيسة رأينها بأرض الحبشة، وذكرتا حسنها، وتصاوير فيها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
"إن أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً وصوَّروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة".
وروى حرب الكرماني عن زيد بن ثابت أن ابناً له مات فاشترى غلام له جَصاً وآجُراً ليبني على القبر، فقال له زيد: حفرتَ وكفرتَ، أتريد أن تبني على قبر ابني مسجداً؟ ونهاه عن ذلك.
وفي صحيح البخاري عن أنس رضي الله عنه قال: كنت أصلي وهناك قبر، فقال عمر بن الخطاب: القبر القبر! فظننته يقول: القمر، وإذا هو يقول: القبر، أو كما قال.
وقد قال ابن القيم رحمه الله في إغاثة اللهفان: يجب هدم القباب التي بنيت على القبور؛ لأنها أُسست على معصية الرسول صلى الله عليه وآله وسلم. وقد أفتى جماعة من الشافعية بهدم ما القرافة وهي مقبرة بمصر لها أبنية وسوق قائمة، منهم ابن الجُميزي ( ت 649هـ ) والظهير التزمنتي ( ت 682هـ ) وغيرهما، وقال القاضي ابن كج ( ت 405 ) ولا يجوز أن تجصص القبور ولا أن يبنى عليها قباب ولا غير قباب، والوصية بها باطلة.
وقال الفقيه الشافعي الأذرعي ( ت 781 ): وأما بطلان الوصية ببناء القباب وغيرها من الأبنية، وإنفاق الأموال الكثيرة، فلا ريب في تحريمه.
وقال ابن رشد ( ت 520 هـ ) كرهـ مالك البناء على القبر، وجعل البلاطة المكتوبة، وهو من بدع أهل الطول، أحدثوهـ إرادة الفخر والمباهاة والسمعة.
وقد قال الإمام الشافعي في الأم: رأيت الأئمة بمكة، يأمرون بهدم ما يبنى على القبور ويؤيد الهدم، قوله: ولا قبراً مشرفاً إلا سويته ) وحديث جابر الذي بمسلم ( نهى صلى الله عليه وآله وسلم عن البناء على القبور ).ا.هـ.. قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب معلقاً على قول الشافعي السابق: ولأنها أسست على معصية الرسول، لنهيه عن البناء عليها، وأمرهـ بتسويتها؛ فبناء أُسس على معصيته، ومخالفته صلى الله عليه وسلم بناء غير محترم، وأولى بالهدم من بناء الغاصب قطعاً، وأولى من هدم مسجد الضرار، المأمور بهدمه شرعاً، إذ المفسدة أعظم حماية للتوحيد.. انتهى رحمه الله. الدرر السنية الجزء الثاني صفحة 202.
وقد أفتى ابن حجر رحمه الله، كما ذكرهـ في كتاب الزواجر: وتجب المبادرة لهدم المساجد والقباب التي على القبور إذ هي أضر من مسجد الضرار لأنها أسست على معصية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكانت هذه الفتوى في عهد الملك الظاهر إذا عزم على هدم كل ما في القرافة من البناء كيف كان، فاتفق علماء عصرهـ أنه يجب على ولي الأمر أن يهدم ذلك كله ويجب عليه أن يكلف أصحابها رمي ترابها في الكيمان.
هذا وإن من المحدثات المنكرة والبدع التي قد شب عليها الصغير وهرم عليها الكبير القبة الخضراء الموجودة في المسجد النبوي فوق قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وإنها قد تطبعت عند بعض العوام وأصبحوا يروجون دعاياتهم بصورة للمدينة النبوية والقبة الخضراء، فإنا لله وإن إليه راجعون.
وإنك لتعجب أن أكثر من يدعي العلم ممن هو من هذه الأمة يستحسنون ذلك العمل ولا ينكرونه، بل ينكرون على من أنكر، فلقد أشتدت غربة الإسلام، وعاد المعروف منكراً والمنكر معروفاً، والسنة بدعة، والبدعة سنة.
ولهذه الأسباب وغيرها جاءت فكرة طرح هذا المختصر على القبر وحكمها في الكتاب والسنة وأقوال الصحابة والسلف الصالح عنها والعمل تجاهها.
قدَّم للكتاب: فضيلة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله .
البناء على القبور أمر منكر لا يجوز اتخاذ قباب عليها، ولا اتخاذ المساجد عليها، بل نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن البناء عليها، بل لعن من فعل ذلك، قال عليه الصلاة والسلام: ((لعن الله اليهود والنصارى؛ اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد))، وقال جابر رضي الله عنه: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تجصيص القبور والقعود عليها والبناء عليها) أخرجه مسلم في صحيحه، وهكذا رواه النسائي، والترمذي وغيرهما، وفيه النهي عن الكتابة على القبور أيضاً.
والحاصل: أن البناء على القبور أمرٌ منكر نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم واتخاذ المساجد عليها كذلك؛ لأنه وسيلة إلى الغلو فيها، وعبادتها من دون الله بالدعاء، أو بالطواف، أو الاستغاثة بها، أو الذبح لها، كل هذا يقع من بعض الجهلة، وهذا من الشرك الأكبر.
ومما تقدم يعلم أن طلب الحوائج من الموتى أو من الأصنام أو من الأشجار والأحجار أو من الكواكب، كله شرك بالله عز وجل، وهكذا الطواف على القبور منكر، والطواف يكون بالكعبة، لا يطاف بالقبور فهذا منكر عظيم، بل شرك أكبر، إذا قصد به التقرب إلى صاحب القبر، وهو شرك أكبر، وإذا ظن أنه قربة لله وأنه يتقرب إلى الله بهذا فهذه بدعة؛ الطواف من خصائص البيت العتيق: الكعبة، القبور لا يطاف بها أبداً هذا منكر وبدعة، وإذا كان فعله تقرباً لصاحب القبر صار شركاً أكبر، وهكذا دعاء الميت، والاستغاثة بالميت، والنذر له والذبح له، كله من الشرك الأكبر.
سليمان بن صالح الجربوع - ❰ له مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ القول الفصل في حكم بناء القبب على القبر ❝ ❞ الاختلاط بين الجنسين حقائق وتنبيهات ❝ ❞ التربية البدنية في مدارس البنات بين الحقائق والادعاء دراسة نقدية فقهية ❝ الناشرين : ❞ دار القاسم للنشر والتوزيع ❝ ❱
من كتب إسلامية متنوعة - مكتبة كتب إسلامية.