❞ كتاب البراهين الموضحات في نظم كشف الشبهات ❝ ⏤ محمد الطيب بن إسحاق الأنصاري المدني
التَّوحِيد، وهو لُغةً جعلُ الشيءِ واحدًا غيرَ متعدِّد، وفي اصطلاح المُسلمين، هو الإيمان بأنَّ الله واحدٌ في ذاته وصفاته وأفعاله، لا شريكَ له في مُلكه وتدبيره، وأنّه وحدَه المستحقّ للعبادة فلا تُصرَف لغيره. ويُعتبر التَّوحيد عند المسلمين محور العقيدة الإسلاميّة، بل محور الدِّين كلّه، حيثُ ورد في القرآن: Ra bracket.png وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ Aya-25.png La bracket.png، والتَّوحيد يشكِّل نصف الشهادتين التي ينطق بها مَن أراد الدخول في الإسلام، كما يُعتَبر الأساس الذي يُبنى عليه باقي المعتقدات الإسلاميّة.
ويتضمّن التَّوحيد في الإسلام نفي وجود أيّ آلهة أُخرى مع الله، ونفي الشَّبه بين الله وبين خلقه، فالله في الإسلام واحدٌ أحدٌ فردٌ صمدٌ، لا شريك ولا نِدَّ له، منفردٌ في التصرّف في مُلكه، لا يُسأل عمّا يفعل، لا يخرج عن مشيئته وإرادته شيء، بل هو الفعّال لما يريد، لا رادّ لأمره، ما شاءه كان، وما لم يشأه لم يكن.ولا يشبه الأجسام، ليس كمثله شيء ولا هو مثل شيء، ليس محدودٌ بزمان ولا مكان، بل الزمان والمكان من خَلقه وتدبيره.
علم التوحيد هو أشرف العلوم على الإطلاق، لأنه يتعلق بمعرفة الله عز وجل، وما يجب له من الصفات وما يستحيل عليه وما يجوز في حقه سبحانه وتعالى، وما يتبع ذلك من أمور النبوة والآخرة والأصول، فإن شرف العلم بشرف المعلوم، لذلك هو أشرف العلوم وأفضلها. فالتوحيد هو أصل الدين، قال الله تعالى: Ra bracket.png فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ Aya-19.png La bracket.png (سورة محمد: 19) في الآية تقديم التوحيد على الاستغفار لأن التوحيد هو الأصل، والاستغفار عمل صالح فلا يقبل من غير توحيد كما لا يكون فرع من غير أصل. وقال تعالى: Ra bracket.png وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَـئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيرًا Aya-124.png La bracket.png(سورة النساء: 124)
وقال تعالى: Ra bracket.png وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيرًا Aya-13.png La bracket.png (سورة الفتح: 13) فلا يصح الإيمان بالله إن لم يقترن به الإيمان برسوله محمد صلى الله عليه وسلم مع التصديق بكل ما جاء به وأخبر به. وقال صلى الله عليه وسلم: "أفضل الأعمال إيمان بالله ورسوله" رواه البخاري. أي أن الإيمان هو أفضل الأعمال الصالحة من صلاة وصيام وزكاة وغير ذلك. ومن أهمية التوحيد أن من مات عليه لابد أن يدخل الجنة، فإن كان مؤمناً طائعاً لله أدخله الله الجنة بفضله من غير سابق عذاب، وإن كان مؤمناً فاسقاً إن شاء الله أدخله الجنة وإن شاء عذبه، ثم يدخل الجنة بعد مدة عقابه في النار، قال صلى الله عليه وسلم: "يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه ذرة من إيمان" رواه البخاري، أما من مات على الكفر فهو خالدٌ في نار جهنم ليس له شفيع ولا نصير. والآيات والأحاديث التي تدل على فضل التوحيد كثيرة.
ذهب أهل السنة إلى أن حقيقة الوحدانية هي عبارة عن نفي التعدد في الذات والصفات والأفعال، فهو سبحانه لا شبيه له في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله، والتوحيد هو إفراد المعبود بالعبادة مع اعتقاد وحدته ذاتاً وصفات وأفعالاً.
ويعتبر الأشاعرة أن صفة الوحدانية لله تنفي عنه الكثرة في ثلاثة أشياء:
في الذات: حيث أن حقيقة ذات الله ليست كمثل حقيقة ذات المخلوق فذات المخلوق جسم ومتحيز وليست كذلك ذات الله.
في الصفات: وحقيقة صفات الله ليست كحقيقة صفات المخلوق فعلم المخلوق مثلاً إما نتيجة فعل له أو انفعال أو تكيف نفسه بكيفية معينة أو بانطباع صورة المعلوم فيها أو بغير ذلك وليس علم الله شيئاً من ذلك وعلم المخلوق حادث له سبب لم يكن فيه ثم كان، لأنه ليس بعالم حين ولادته ثم حصل فيه العلم بالتدريج وليس كذلك علم الله، وبقاء المخلوق مثلاً عبارة عن استمرار وجوده في الزمان الثاني، أما بقاء الله فعبارة عن انتفاء عدمه، وقدم المخلوق مثلاً عبارة عن وجوده منذ أزمنة متطاولة بالنسبة إلى غيرها، وأما قدم الله فإنه عبارة عن عدم الأولية له وهكذا يقال في بقية الصفات.
في الأفعال: وأما الأفعال ففعل الله عبارة عن خلق للمفعول أي إيجاد للمفعول من العدم إلى الوجود فالله خالق كل شيء وأما فعل المخلوق فلا يمكن أن يكون خلقاً وإلا لم يكن الله خالقاً لكل شيء، بل فعل المخلوق عبارة عن اكتساب لما خلقه الله له، فنسبة الفعل إلى الله نسبة هي خلق ونسبة الفعل إلى المخلوق نسبةٌ هي كسب واكتساب. ويلزم عن الوحدانية في الأفعال أنه لا مؤثر ولا خالق إلا الله.
فوحدانية الذات تنفي أمرين:
الأول: أن تكون ذاته تعالى مركبة من جواهر وأعراض، أو من أبعاض وأجزاء، أو من شيء آخر مفترض، أو بمعنى آخر: أن تكون الذات الإلهية قابلة للانقسام، وإن لم تنقسم بالفعل. فكل مركب حادث مخلوق لا محالة لاحتياجه إلى من ركبه، Ra bracket.png فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ Aya-8.png La bracket.png (سورة الانفطار: 8).
الثاني: أن تكون ذات أخرى يجب لها من الكمال ما يجب لله، ويستحيل عليها من النقص ما يستحيل عليه.
ووحدانية الصفات تنفي أمرين:
الأول: أن يكون له تعالى قدرتان وإرادتان و... إلى آخر الصفات، بل قدرته واحدة، وتتعلق بجميع الممكنات، وكذا إرادته وعلمه... إلخ.
الثاني: أن يكون لأحد من المخلوقين صفات كصفات الله تعالى، بأن تكون له قدرة توجد الأشياء، وإرادة تخصص، وعلم محيط، وغير ذلك؛ لأن الله تعالى لا شبيه له.
ووحدانية الأفعال تنفي أن يكون غيره تعالى كفعله؛ لأن الله لا شريك له في أفعاله بل هو المنفرد بالإيجاد والإعدام، والمخلوقات ليس لها تأثير إلا قيام الفعل بها نتيجة لاكتسابها له، فيجب أن نعتقد أن الأفعال كلها - صغيرها وكبيرها لله تعالى: Ra bracket.png وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ Aya-96.png La bracket.png (سورة الصافات: 96)، وقال صلى الله عليه وسلم: (إن الله يصنع كل صانع وصنعته). وتجمع جملة التوحيد (لا إله إلا الله) كل هذه المعاني.
موقفهم من تقسيم التوحيد الذي اختاره السلفية
يرى المتأخرون من الأشاعرة والماتريدية أن تقسيم التوحيد إلى توحيد ربوبية وتوحيد ألوهية وأسماء وصفات بدعة من البدع المذمومة في العقيدة، وذلك للأسباب التالية:
أنه لم يَرِدْ في الكتاب والسنة ولا في عصر السلف من أهل القرون الثلاثة، ولم يعرف لأحد قبل ابن تيمية ولم يدخل مقررات التوحيد إلا في القرن الثاني عشر على يد ابن عبد الوهاب.
أنه يتعارض مع آيات من القرآن الكريم كقوله تعالى: Ra bracket.png وَلاَ يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُواْ الْمَلاَئِكَةَ وَالنِّبِيِّيْنَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُم بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ Aya-80.png La bracket.png (سورة آل عمران: 80)، وقوله تعالى: Ra bracket.png يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ Aya-39.png La bracket.png (سورة يوسف: 39) ولو صح التقسيم لقال تعالى آلهة ولم يقل أربابا. والله تعالى يقول عن المشركين: Ra bracket.png أَجَعَلَ الْآَلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ Aya-5.png La bracket.png (سورة ص: 5)
وقال أيضاً: Ra bracket.png لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا Aya-38.png La bracket.png (سورة الكهف: 38) ولو كان هناك توحيد ربوبية وألوهية لقال: لكنا هو الله إلهي ولا أشرك بإلهي أحدا. وفي كتاب (مصباح الأنام وجلاء الظلام في رد شبه البدعي النجدي التي أضل بها العوام) للإمام عبد الله بن علوي الحداد: توحيد الألوهية داخل في عموم توحيد الربوبية بدليل أن الله تعالى لما أخذ الميثاق على ذرية آدم خاطبهم تعالى بقوله (ألستُ بربكم) ولم يقل بإلهكم فاكتفى منهم بتوحيد الربوبية ومن المعلوم أن من أقرَّ له بالربوبية فقد أَقرَّ له بالألوهية إذ ليس الربُ غير الإله بل هو الإله بعينه وأيضا ورد في الحديث أن الملكين يسألان العبد في قبره فيقولان من ربُك ولم يقولا من إلهك، فدلَّ على أن توحيد الربوبية شامل له.
أنه صار ذريعة لرمي الموحدين من أهل القبلة بالشرك وإراقة الدماء ونشر البغضاء. فلم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأحد دخل في الإسلام: إن هناك توحيدين، وإنك لا تكون مسلماً حتى توحد توحيد الألوهية. ولا أشار إلى ذلك بكلمة واحدة، ولا نُقل ذلك عن أحد من السلف، أو أشار إليه أحد من الأئمة المتبوعين، وحتى جاء ابن تيمية في القرن السابع الهجري مقرراً إياه
وقالوا إن الإله الحق هو الرب الحق، والإله الباطل هو الرب الباطل، ولا يستحق العبادة والتأليه إلا من كان رباً، ولا معنى لأن نعبد من لا نعتقد فيه أنه رب ينفع ويضر، فهذا مرتب على ذلك. والله تعالى هو الرب، والرب هو الإله، فهما متلازمان يقع كل منهما موقع الآخر في الكتاب والسنة وكلام علماء الإسلام، وقد أومأ القرآن الكريم والسنة المستفيضة إلى تلازم توحيد الربوبية والألوهية: يقول تعالى: Ra bracket.png أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ Aya-25.png La bracket.png (سورة النمل: 25). فسؤال الملكين للميت عن ربه لا عن إلهه؛ لأنهما لا يفرقان بين الرب والإله، وكان - ينبغي على مذهب هؤلاء - أن يقولا للميت: من إلهك؟ لا: من ربك؟! أو يسألاه عن هذا وذاك.
وعلى ذلك فقصر توحيد الربوبية على الخالقية خطأ واشتباه وذلك؛ لأن معنى (الربوبية) ليس هو الخالقية فقط، كما توهم هذا الفريق بل هو يفيد تدبير العالم، وتصريف شؤونه، ولم يكن هذا موضع اتفاق بين جميع المشركين والوثنيين في عهد الرسالة، كما ادعى هذا الفريق. ولقد كان الكفار في عهد النبي صلى الله عليه وسلم منهم الدهريون المنكرون للبعث، ومنهم الملحدون، والمشركون (الذي يشركون مع الله في التدبير بعض خلقه من أوثانهم)، وأهل الكتاب (المعددون للآلهة)، ومع ذلك فابن تيمية وأتباعه يظهرون الكفار وكأنهم فرقة واحدة.
كشف الشبهات: رسالة نفيسة كتبها الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله وهي عبارة عن سلسلة شبهات للمشركين وتفنيدها وإبطالها، وفيها بيان توحيد العبادة وتوحيد الألوهية الذي هو حق الله على العباد، وفيها بيان الفرق بين توحيد الربوبية وتوحيد الإلهية والعبادة، وقد نظمها الشيخ محمد الطيب الأنصاري المتوفي سنة 1363هـ رحمه الله تعالى بإشارة من الشيخ عبد الله بن حسن آل الشيخ المتوفي سنة 1378هـ رحمه الله تعالى ، وقد طبع هذا النظم سنة 1357هـ في مطبعة المدينة المالكتبة باسم البراهين الموضحات نظم الشيخ محمد الطيب الأنصاري لكشف الشبهات وأعيد نشره سنة 1413هـ في دار لينة للنشر والتوزيع بالمدينة المالكتبة.
محمد الطيب بن إسحاق الأنصاري المدني - ❰ له مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ أصول الدين الإسلامي ❝ ❞ أصول الدين الإسلامي مع قواعده الأربع ويليها عقيدة السلف الصالح ❝ ❞ البراهين الموضحات في نظم كشف الشبهات ❝ ❞ گام نخست در یکتا پرستی در پرتو قرآن و سنت ❝ الناشرين : ❞ الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء ❝ ❱
من كتب إسلامية متنوعة - مكتبة كتب إسلامية.