📘 قراءة كتاب احذروا الأيدز الحركي أونلاين
من أبرز الكتب التي ألفها المفكر الإسلامي الشهير فتحي يكن. ويتحدث في هذا الكتاب عن قضية هامة وشائكة وهى ما يعتري الجماعات الإسلامية والأحزاب الإسلامية من تشرذم وتمزق للبنى التنظيمية والحياد عن الأهداف الضرورية والأساسية لقيام هذه الأحزاب. فيبدأ الكاتب فتحي يكن بعرض نموذج على التمزق التنظيمي من الساحة اللبنانية ليوضح من خلاله الأسباب التي أدت إلى ذلك والنتائج التي وصلت إليها الحركة جراء ما أصابها. وتطرق الكاتب لمناقشة قضية العصبية الحزبية والخلافات المذهبية والتكفير وغير ذلك مما أصاب الحركات الإسلامية. وكذلك يحلل لنا مشكلة انعدام الوعي السياسي وضعف المستوى التربوي عند كثير من الحركات الإسلامية وغياب القادة. وأفضل ما في هذا الكتاب أنه تطرق في الفصل الأخير لإيجاد حلول لكل هذه المشكلات، وأخذ يصف ويسرد طرق الحماية من كل هذه الأمراض التي أعترت الحركات الإسلامية.
أ ـ ظاهرة التعددية:
فالساحة الإسلامية تشهد ولادة حركات وتنظيمات وجمعيات وفرق إسلامية على نطاق واسع، وإن كان البعض يعتبر ذلك ظاهرة صحية فإنني ـ من خلال المفهوم الشرعي للعمل الإسلامي ـ ومن خلال التقدير الصحيح للمصلحة الإسلامية، ومن خلال متابعة ما يجري عليها ـ اعتبره ظاهرة مرضية وخطيرة وتنذر بعواقب وخيمة لايعلم مداها إلا الله.. فلو برئت التعددية من التعصب وسادت روح الأخوة بين الفئات المتعددة، وحلت أجواء التعاون والتفاهم والتنسيق بينهم، لهان الخطب، وخف المصاب، ولكن الأمر يجري بعكس ذلك تماماً.. فالتعدديات لم تفرز إلا مزيداً من الصراعات، ولم تتسبب إلا بإشاعة الأحقاد والضغائن بين المسلمين، مما شغلهم بالجدل عن العمل، وبالتنقيب عن السقطات والعيوب بدل التماس العذر والحرص على الستر.
والتعددية باتت اليوم مرتعاً خصباً ومناخاً مناسباً يمكن أن يدلف منه أعداء الإسلام إلى الساحة الإسلامية، وتحت عناوين وشعارات إسلامية في ظاهرها، وباطنها فيه الشر المستطير.
والمسلمون، أمام هذا السيل العرم والأرقام المتزايدة من الحركات والتنظيمات والمؤسسات، أصبحوا في حيرة.. ترى من يصدقون، وبمن يثقون، ومع من يسيرون؟ وكأن المراد هو بلوغ هذه النتيجة لأنها الأخطر والأدهى والأمرّ!.
والتعددية مناخ مناسب لتوالد كل التناقضات على الساحة الإسلامية، وهذا كذلك مطلوب لأن أعداء الإسلام إن كانوا حريصين على شيء فعلى إحداث المتناقضات بين المسلمين واللعب عليها، والاستفادة منها في ترتيب المعادلات والتوازنات ورسم السياسات والمؤامرات..
التعددية إلى أين؟
ثم إن التعددية خرجت عن المألوف وتجاوزت ما هو معروف.. فهنالك حركات وتنظيمات قامت وتقوم وليس لقيامها من مبرر. فإن اختلف ثلاثة مع جماعة شكلوا جماعة أخرى، وإذا فصل خمسة من تنظيم أنشأوا تنظيماً جديداً، وإن طردت مجموعة من حركة كونت حركة تصحيحية!.
ومرض الانفصام والانفصال هذا يشبه في علم الحساب الكسر الذي يتوالد عن تجزئة الوحدة التعددية، مما يتوالد عنه أعداد من الجزئيات وكسر الكسر مما لا عد له ولا حصر..
كان للتعدديات في الماضي مبررات قد تكون محل نظر وتفكير، وقد يكون لدى أصحابها أدلة شرعية معتبرة واجتهادات مبررة، ومع هذا فقد كان هؤلاء مختلقين بأدب الخلاف وعلمية الاختلاف لايخرجون عنها قيد أنملة..
أما اليوم فقد باتت التعدديات على الساحة الإسلامية خلافاً بلا أدب، واختلافاً بدون علم، وتكاثراً من غير مبرر، باتت تعدديات لايوم تنافساً على المغانم، وتنصلاً وهروباً من المغارم، وتهافتاً على الدعاية والأضواء وإقبالاً على الأخذ وإدباراً عن العطاء..
فكيف يمكن ـ والحالة هذه ـ أن تكون التعددية مقبولة بل كيف يمكن أن تكون ظاهرة صحية؟
وعندما ينقسم التيار السلفي إلى معتدل ومتطرف، وينقسم المعتدل إلى تيارات متفاوتة الاعتدال والتطرف إلى نحو من ذلك كذلك..
وعندما ينقسم التيار الخلفي إلى متوسط في الاعتماد على العقل، أو مبالغ في امتهان النقل، وما بين هذا وذاك من مراتب ذات نسب متفاوتة في التوسط والمبالغة!
وعندما يصبح العمل الإسلامي تربوياً بلا سياسة، أو سياسياً بلا تربية، أو عسكرياً بلا ضوابط أو حدود، أو ما بين هذه وتلك من صيغ واجتهادات!!
وعندما يبرز على الساحة الإسلامية فريق متخصص بتكفير المسلمين وإخراجهم من الملة، وآخر بمحاربة بدعة الموالد، والتسابيح في صلاة التراويح، وإتقان نظق حرف الضاد، وتعطيل العمل وانتظار المهدي!!.
عندما يحدث كل هذا وذاك، ويكون من نتيجته تفكك البنية الإسلامية، ووصول الفتنة إلى المساجد، ركن المسلمين الأقوى والأخير، وينسى هؤلاء أن عدواً شرساً يتهددهم جميعاً ويتآمر عليهم جميعاً ويريد تصفيتهم جميعاً، وأنهم بتعدديتهم واختلافهم ييسرون عليه الأمر ويسهلون الطريق..
وعندما يحدث هذا، وأبشع من هذا، كان من واجبنا أن نبحث عن السبب ونفتش عن الخلفية وندرس الظاهرة دراسة عملية وموضوعية وليس بعفوية أو عاطفية.. فالساحة الإسلامية باتت مهددة اليوم من داخلها وهذا هو الأخطر والله أعلم..
عصبية نكراء:
وتتوالد عن ظاهرة التعددية آفات كثيرة وخطيرة. أبرزها آفة التعصب للتنظيم أو الحزب أو الجماعة أو الحركة وقد تتفاقم هذه الآفة فتعمي وتصم! وبدل أن يكون التعصب للحق والنزول عند حكم الشرع هو الأساس، يحل محله التعصب للتنظيم ولأشخاص التنظيم ولسياسة التنظيم، وبدل أن تكون الدعوة للإسلام تصبح الدعوة للتنظيم ولو من غير إسلام وبدون التزام!.
إن هذا لايعني رفض الانتماء إلى التنظيمات والحركات، إنما المطلوب أن يكون الانتماء للإسلام قبل التنظيمات، وأن يكون الولاء لله قبل الأشخاص، وأن يكون الالتزام بشرع الله قبل الالتزام بالنظم والدساتير الإدارية.
إن من واجب العاملين للإسلام أن يكونوا مسلمين أولاً.. فإن كانوا كذلك بحق كانوا إخوة ومتحابين على اختلاف مناهجهم وتصوراتهم للعمل الإسلامي.. أما إن سبق هذا ذاك، وطغى الحس الفئوي على الحس الإسلامي.. وقوي الشعور الحزبي وضعف الشعور الإيماني، وقع الخلل، وتقطعت أوصال المسلمين، وتحقق فيهم قول الله تعالى: (ولا تكونوا من المشركين، من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً، كل حزب بما لديهم فرحون) الروم: 32.
العصبية الحزبية نقيض الإسلام:
والعصبية الحزبية نقيض الإسلام والإيمان، فالمسلم ينتمي في الأساس إلى أمته، (إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون). والأخوة الإسلامية هي الآصرة التي تشد المسلمين جميعاً إلى بعضهم البعض (إنما المؤمنون إخوة) بل إن الإسلام يحض الناس كل الناس على التعارف والتآلف في إطار التنافس أو التسابق على الخير والهدى والتقوى (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم) الحجرات: 13.
والتعصب والعصبية خصال يمقتها الإسلام ويبقضها رسول الله (ص).. فالقرآن دعا إلى التجرد والانعتاق من أسر كل العصبيات ـ العائلية والعشائرية والفئوية ـ فقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لاتتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان) التوبة: 22.
ورسول الله (ص) حذر من التعصب والعصبية فقال: (دعوها فإنها منتنة).
العصبية نقيض الوحدة:
والعصبية نقيض الوحدة لأنها تمزق الساحة الإسلامية، وتقيم السدود بين المسلمين. فهل يتفق هذا مع قوله تعالى: (واذكروا إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً) آل عمران: 103.
وهل يتفق هذا مع قوله (ص): (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) رواه البخاري ومسلم.
وهل يتفق هذا مع قوله (ص): (لاتقاطعوا ولا تباغضوا ولا تحادسوا وكونوا عباد الله أخوانا) رواه مالك والبخاري وغيرهما.
ب ـ ظاهرة إجهاض الساحة الإسلامية من خلال ابتعاث الخلافات المذهبية والتركيز على قضايا جزئية وبسيطة إذا وضعت ضمن سلم الأولويات:
فبين الحين والآخر تطفو على الساحة الإسلامية ظواهر غير طبيعية ومحدثة. وقد تختفي وراءها وتحركها قوى وجهات مشبوهة أقل ما يقال فيها أنها تهدف إلى إشغال المسلمين عن قضاياهم الرئيسة.. اشتغالهم بصراعات داخلية من شأنها إضعافهم وشرذمتهم والهاؤهم عما يحضر لهم من مؤامرات ومكائد على أكثر من صعيد..
ومن الملفت أن هذه الظواهر تلبس في كثير من الأحيان إن لم يكن في غالب الأحيان ثوب (العلمية والشرعية) وهي في الحقيقة أبعد ما تكون عن العلمية والشرعية!.
من هذه الظواهر، ظاهرة الأسلوب المبتدع في محاربة البدع، إذ هي البدعة في ذاتها، لأن ما تحدثه في جسم الأمة من تمزيق وما تلحقه من إيذاء وتشويه يفوق خطورة حدود البدع التي تدعي أنها قامت لمحاربتها..
فهي في مواجهة الشبهة تقع في الحرام,. وفي إنكار منكر تقع فيما هو أشد منه إنكاراً. متجاوزة قاعدة (دع الخير الذي عليه الشر يربو) وقاعدة (درء المفاسد يقدم على جلب المنافع).
1 ـ ماذا يريد هؤلاء؟:
يريد هؤلاء تعطيل كل الأسباب والمناخات والمناسبات التي يمكن أن يسخرها المسلمون اليوم ليتعلموا إسلامهم وليتفقهوا في دينهم، وليعوا قضاياهم المصيرية في ضوء الإسلام بحجة أنها بدعة، وأن رسول الله (ص) لم يفعلها. وكأن المراد تجريد الإسلام من واقعية الطرح، وإبعاده عن ملامسة الأحداث ليبقى معزولاً عن قيادة الأمة وتوجيه الجماهير.
فإذا أقيم احتفال بمناسبة ذكرى الإسراء والمعراج، يذكّر المسلمين بسيرة نبيهم (ص)، ويقص عليهم الحادثة وما فيها من دروس وعظات كما ورد في كتاب الله تعالى وسنة نبيه (ص) ومن خلال الأحاديث الصحيحة، ثم يربط ذلك بالواقع القائم في فلسطين حيث تنتهك أرض الإسراء والمعراج من قبل إسرائيل والصهيونية العالمية، وواجب المسلمين تجاه البلد الإسلامي الذي احتل والشعب المسلم الذي قهر، قالوا: إن هذه الاحتفالات بدعة!.
وإذا أقيم احتفال بذكرى غزوة بدر أو فتح مكة أو معركة عين جالوت أو القادسية أو غيرها، لتبيان عوامل النصر في هذه الغزوات والمعارك، وللتأكيد على حاجة المسلمين اليوم إلى هذه العوامل في معاركهم مع أعداء الإسلام في كل مكان، قالوا: إن ذلك بدعة!.
والغريب أن هؤلاء جهلوا أو تجاهلوا ونسوا أو تناسوا أن القرآن الكريم ذخر باستعراض أحداث التاريخ وقصص الأنبياء والمرسلين وعبر الأولين والسابقين. بل إن القرآن الكريم ليشير إلى أهمية ذلك بكل وضوح حيث يقول: (لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب) يوسف: 111. ويقول: (وكلاً نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك) هود: 120، ويقول الله تعالى: (فاقصص القصص لعلهم يتفكرون) الأعراف: 176.
والغريب في هؤلاء كذلك أنهم غفلوا أو تغافلوا عن النهج النبوي في الاستفادة من المناسبات والمواسم لعرض الإسلام وتبليغ الدعوة. قال ابن إسحاق: (فكان رسول الله (ص) على ذلك من أمره، كلما اجتمع له الناس بالموسم أتاهم يدعو القبائل إلى الله وإلى الإسلام)، فأين البدعة في اغتنام فرصة ما أو استفادة من موسم ما أو مناسبة ما لعرض رسالة الإسلام على الناس صافية نقية كما جاء بها رسول الأنام محمد بن عبدالله (ص)؟ ودون أن يعتبر ذلك أصلاً في الدين..
وإذا سبح المسلمون بين ركعات التراويح في رمضان ـ دون أن يعتبروا ذلك أصلاً في الدين، وإنما استزادة من النوافل حض عليها الباري عزوجل في الحديث القدسي حيث يقول: (وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه..)الحديث قال هؤلاء: إن ذلك بدعة، مع أن الحنفية قالوا: هذا الجلوس مندوب، ويكون بقدر الأربع ركعات. وللمصلي في هذا الجلوس أن يشتغل بذكر أو تهليل أو يسكت.
وإذا لهجت ألسنة المسلمين بذكر الله في المسجد بصوت مسموع ـ دون مواظبة منهم على ذلك، أو اعتبار أنه من تمام الصلاة وأصل في الدين ـ أنكروا عليهم ذلك ورفعوا الأصوات في المساجد لتعطيل ذكر الله ولو بإحداث فتنة، علماً بأن ارتفاع الأصوات في المساجد من علائم الساعة، والفتنة أشد من القتل!.
ورسول الله (ص) حين لفت الصحابة الكرام إلى ضرورة خفض الصوت في التكبير ـ وكانوا يومها في سفر ـ لم يقل إن ذلك بدعة، وإنما لفتهم إلى حقيقة يجب أن لتغيب عنهم فقال: (يا أيها الناس، أربعوا على أنفسكم فإنكم لاتنادون أصماً ولا غائباً) رواه البخاري، وأربعوا هنا: أي كفوا وأرفقوا بأنفسكم.
وإذا ختم مجلس بدعاء جماعي قالوا: إن ذلك بدعة، بالرغم من ورود أحاديث كثيرة وروايات متعددة عن رسول الله (ص) تؤكد على التزام الدعاء في نهاية كل مجلس، من ذلك ما رواه الترمذي عن ابن عمر (رض)، قال: قلّما كان رسول الله يقوم من مجلس حتى ندعو بهؤلاء الدعوات: (اللهم أقسم لنا من خشيتك ما يحول بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا اللهم متعا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا. واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرن على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا. ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا من لايرحمنا) قال الترمذي: حديث حسن.
وإذا جلس شباب في مسجد يتناوبون على قراءة القرآن بحضور من يضبط قراءتهم قالوا: إن ذلك بدعة، بالرغم مما ورد من آثار في الحض على قراءة القرآن. والحديث الصحيح: (ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده).
2 ـ ليس الخلاف في كون البدعة ضلالة:
فالبدعة في الدين محدثة وضلالة لا خلاف في ذلك. ولقد حذر رسول الله (ص) منهما في أحاديث كثيرة.
منها حديث أنس بن مالك (رض) أن النبي (ص) قال: (إن الله حجب التوبة عن كل صاحب بدعة حتى يدع بدعته) رواه الطبراني وإسناده حسن.
واتهام غير مباشر بنقصان الشريعة. ورحم الله الإمام مالكاً حيث يقول: (من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة، فقد زعم أن محمداً (ص) قد خان الرسالة، لأن الله يقول: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً) المائدة: 3.
3 ـ إنما الخلاف في تعيين البدعة:
قال الشافعي (ره): المحدثات ضربان: ما أحدث يخالف كتاباً أو سنة أو أثراً أو إجماعاً فهذه بدعة الضلالة. وما أحدث من الخير لايخالف شيئاً من ذلك فهذه محدثة غير مذمومة.
وقد قسم (العز بن عبدالسلام) رحمه الله بناء على هذا التعريف البدعة إلى خمسة أقسام حيث قال: البدعة فعل ما لم يعهد في عصر رسول الله (ص). وهي تنقسم إلى: بدعة واجبة، وبدعة محرمة، وبدعة مندوبة، وبدعة مكروهة، وبدعة مباحة. والطريق في معرفة ذلك، أن تعرض البدعة على قواعد الشريعة فإن دخلت في قواعد الإيجاب فهي واجبة، كوضع علم النحو حيث يفهم به كلام الله وكلام رسول الله (ص) وذلك واجب لحفظ الشريعة. وما لايتم الواجب إلا به فهو واجب. وإن دخلت في غير ذلك فهي بحسب ما دخلت فيه من الكراهة أو الإباحة أو التحريم أو الندب، والله أعلم..
ج ـ ظاهرة ابتعاث الفكر (الاعتزالي) لتدمير العقيدة الإسلامية من خلال مدخلين خطيرين وكبيرين: التأويل والتكفير:
وفي الوقت الذي يتوجب فيه أعداد الشباب المسلم ليكون حصن الساحة الإسلامية ودرعها وعامل وحدتها وتلاحمها، والذي يتمثل بأسه على أعدائها لا عليها، نجد أن الأثر كان على عكس ما هو متوقع ومنتظر. وبدل أن يكون الإعداد في الاتجاه الصحيح، كان في اتجاه معاكس تماماً، حيث نتج عن ذلك:
ـ نشوء جيل من الشباب اليافع شغل بتكفير المسلمين، علمائهم قبل عامتهم.
ـ كما شغل بفتنة التأويل التي فتحت باباً للشيطان يصعب إغلاقه..
كل ذلك من خلال أسلوب عدواني متطرف، جعل الساحة الإسلامية ساحة حرب وصراع، بكل ما في هذه الكلمات من معنى، حيث كان يصل الأمر إلى حد الاقتتال الدموي المسلح والعياذ بالله تعالى. ولقد زاد الطين بلة والأمر خطورة أن أصبحت المساجد حلبة هذا الصراع والقتال.
مخالفة صريحة للشرع:
هذه الظاهرة القاصمة لعري الوحدة والأخوة بين المسلمين، تخالف منهج النبوة وأحكام الشريعة وتعاليم الإسلام جملة وتفصيلاً، لأنها تغزي العداوة والبغضاء بينهم، وتفت في عضدهم، وتكسر شوكتهم، وتسقط هيبتهم، وتسهل على العدو ضربهم واستئصالهم.. وهذا كله يخالف صريح قول الله تعالى: (ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم) آل عمران: 105، وقوله: (ولا تنازعوا فتفشوا وتذهب ريحكم) الأنفال: 46، وقوله تعالى: (محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم) الفتح: 29.
كما إنه يخالف صريح أقوال ووصايا سيدنا رسول الله (ص)، من ذلك قوله: (لاترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض) رواه البخاري.
جرأة متناهية على الفتيا:
ومما يساعد على بروز وتنامي هذه الظواهر ابتداء، هو الجرأة على الفتيا وإصدار الأحكام حتى في أخطر القضايا وأهم الأمور، ومن قبل شباب محدود العلم، محدود الاطلاع، لا يتوفر لديه شرط واحد من شروط الاجتهاد.
ولقد كان السلف الصالح ومن أوتوا نصيباً واسعاً من العلم والفقه يتهيبون من إصدار الأحكام والفتاوى خوفاً من أن يترتب على ذلك مسؤوليات شرعية.
فأين هؤلاء من القول بالمأثور: (اجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار)؟ وأين هم من أولئك الذين كانوا يسألون فلا يجيبون أو يحيلون السؤال إلى غيرهم تهيباً وورعاً؟ حتى قال عتبة بن مسلم: صحبت ابن عمر أربعة وثلاثين شهراً فكان كثيراً ما يسأل فيقول: لا أدري. وقال ابن القاسم: سمعت مالكاً يقول: إني لفكر في مسألة منذ بضعة عشرة سنة، فما اتفق لي فيها رأي إلى الآن.
التأويل مدخل شيطاني:
والتأويل من الطروحات التي تعتبر مدخلاً شيطانياً لتدمير العقيدة وبخاصة إذا طرحت في الوسط الشبابي المراهق الذي لايملك قوة النظر في أدلة الأحكام الشرعية، ولم يؤت نصيباً من العلم يستطيع أن يميز به بين الهدى والضلال والخير والشر.
إنه يكفي التأويل انحرافاً وإسفافاً أن القرآن الكريم ندد بالقائلين به أبشع تنديد حيث قال: (فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله. وما يعلم تأويله إلا الله) آل عمران: 7.
والتأويل من العقائد الفاسدة الضالة التي أدخلت على الإسلام في جملة ما أدخل عليه من فلسفات وثقافات ومناهج تفكير بقصد تدمير عقيدته واشتغال المسلمين بالمنطق وعلم الكلام ومتاهات تأويل آيات القرآن الكريم، وبخاصة آيات الصفات، مما يعتبر اجتراء على الله وتجسيماً مقنعاً بالتنزيه ليس إلا، وبالتالي إخضاع أصول الدين لأحكام العقل كما قرر لهم أستاذهم ابن سينا في رسالة (الأضحوية).
ثم إن التأويل اتهام ـ غير مباشر ـ بنقصان الدين وضبابيته وعدم وضوحه. فهل يتفق هذا أو بعضه مع صريح قوله تعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً) وقوله: (وكل شيء فصلناه تفصيلاً) الإسراء: 12.
مثل من باطل التأويل:
يزعم هؤلاء بالتأويل الباطل: أن (استوى) في قوله تعالى: (الرحمن على العرش استوى) معناها (استولى). والاستيلاء لايتحقق معناه إلا عند المنع من الشيء ثم الظفر به. وإذا أخذنا بتأويل هؤلاء نفهم أن العرش كان مع غير الله ثم غالبه الإله حتى انتزعه منه (تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً) كما يفيد وجود إله غير الله كان العرش معه!.
فأين هؤلاء من أقوال الأئمة جميعاً؟ ولماذا يخالفون ما أجمع عليه السلف الصالح؟ ولماذا يثيرون هذه الشبهات ويشيعون هذه الضلالات في عصر انعدمت فيه هذه الإشكالات بين المسلمين، وبخاصة عامتهم الذين لم يسمعوا بها أساساً؟ فلماذا تصطنع المشكلات وتسمم الأجواء.. إن هذا السؤال بل الأسئلة مطروحة ـ برسم ـ المسلمين جميعاً وعلى كافة المستويات والصعد!!.
إن من يراجع أقوال الأئمة الأربعة
سنة النشر : 1990م / 1410هـ .
حجم الكتاب عند التحميل : 2.6 ميجا بايت .
نوع الكتاب : pdf.
عداد القراءة:
اذا اعجبك الكتاب فضلاً اضغط على أعجبني و يمكنك تحميله من هنا:
شكرًا لمساهمتكم
شكراً لمساهمتكم معنا في الإرتقاء بمستوى المكتبة ، يمكنكم االتبليغ عن اخطاء او سوء اختيار للكتب وتصنيفها ومحتواها ، أو كتاب يُمنع نشره ، او محمي بحقوق طبع ونشر ، فضلاً قم بالتبليغ عن الكتاب المُخالف:
قبل تحميل الكتاب ..
يجب ان يتوفر لديكم برنامج تشغيل وقراءة ملفات pdf
يمكن تحميلة من هنا 'http://get.adobe.com/reader/'