❞ كتاب عقائد الأشاعرة ❝  ⏤ مصطفى باحو

❞ كتاب عقائد الأشاعرة ❝ ⏤ مصطفى باحو

الأشعرية نسبة إلى إمامها ومؤسسها أبي الحسن الأشعري، الذي ينتهي نسبه إلى الصحابي أبي موسى الأشعري، هي مدرسة إسلامية سنية، اتبع منهاجها في العقيدة عدد من العلماء أمثال: البيهقي والباقلاني والقشيري والجويني والغزالي والفخر الرازي والنووي والسيوطي والعز بن عبد السلام والتقي السبكي وابن عساكر وغيرهم.

الأشعري والماتريدي قد تبنّوا منهجاً مماثلاً وطبّقوه، وشكّلوا مدرسة كلامية سنية.

والأشاعرة هم جماعة من أهل السنة، لا يخالفون إجماع الأئمة الأربعة (أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد)، ولا يكفرون أحداً من أهل القبلة، ويعتبر أتباعها أنفسهم منهجاً بين دعاة العقل المطلق وبين الجامدين عند حدود النص وظاهره، رغم أنهم قدموا النص على العقل، إلا أنهم جعلوا العقل مدخلاً في فهم النص، كما أشارت إليه الآيات الكثيرة التي حثت على التفكير والتدبر.

وهم الذين وقفوا في وجه المعتزلة، فزيفوا أقوالهم، وأبطلوا شبههم، وأعادوا الحق إلى نصابه على طريق سلف الأمة ومنهجهم.

وإلإمام الأشعري لم يؤسس في الإسلام مذهباً جديداً في العقيدة، يخالف مذهب السلف، وإنما هداه الله إلى مذهب أهل السنة بعد أن كان على مذهب الاعتزال، عرف من خلالها حقيقة مذهبهم، وتمرس بفنونهم وأساليبهم في الجدال والنقاش والنظر، مما مكّنه من الرد عليهم وإبطال شبههم.

فوجد فيه أهل السنة ضالتهم التي طالما بحثوا عنها فاتبعوه، وساروا على نهجه، لما رأوا فيه من القدرة على إفحام خصومهم والدفاع عنهم وتثبيت مذاهبهم.

وعقيدة الإمام الأشعري التي سار عليها هي عقيدة الأئمة أحمد بن حنبل والشافعي ومالك وأبي حنيفة وأصحابه، وهي عقيدة السلف الصالح، كما نص على ذلك أئمة أهل العلم ممن سار على هذه العقيدة.

بهذا مثّل ظهور الأشاعرة نقطة تحول في تاريخ أهل السنة والجماعة التي تدعمت بنيتها العقدية بالأساليب الكلامية كالمنطق والقياس. وإلى جانب نصوص الكتاب والسنّة، فإن الأشاعرة استخدموا الدليل العقلي في عدد من الحالات في توضيح بعض مسائل العقيدة، ويقول أبو الحسن الندوي في الاختلاف الكامل بين الأشاعرة والمعتزلة من جهة، وعدم مطابقتهم تمامًا لبعض أهل الحديث والحنابلة واختلافهم معهم في جزئيات منهجية عدّة من جهة أخرى:

«وكان الأشعري مؤمنًا بأن مصدر العقيدة هو الوحي والنبوة المحمدية.. وما ثبت عن الصحابة..وهذا مفترق الطريق بينه وبين المعتزلة، فإنه يتجه في ذلك اتجاهًا معارضًا لاتجاه المعتزلة، ولكنه رغم ذلك يعتقد.. أن الدفاع عن العقيدة السليمة، وغرسها في قلوب الجيل الإسلامي الجديد، يحتاج إلى التحدث بلغة العصر العلمية السائدة واستعمال المصطلحات العلمية ومناقشة المعارضين على أسلوبهم العقلي، ولم يكن يسوغ ذلك فقط، بل يعدّه أفضل الجهاد وأعظم القربات في ذلك العصر».

الأشعرية مدرسة سنية، تكاد تكون مطابقة لعقائد المدارس الأخرى المنتسبة للسنة كالماتردية إلا في مسائل قليلة بسبب اختلاف منهج التلقي والاستدلال. واتبع علماء أشاعرة منهجًا كلاميًا في حالات عدة.

استدل الأشعري على العقائد بالنقل والعقل، فيثبت ما ورد في الكتاب والسنة من أوصاف الله والاعتقاد برسله واليوم الآخر والملائكة والحساب والعقاب والثواب، يستدل بالأدلة العقلية والبراهين المنطقية على صدق ما جاء في الكتاب والسنة بعد أن أوجب التصديق بها كما هي نقلاً، فهو لا يتخذ من العقل حَكَما على النصوص ليؤولها أو يمضي ظاهرها، بل يتخذ العقل خادما لظواهر النصوص يؤيدها. وقد استعان في سبيل ذلك بقضايا فلسفية ومسائل عقلية خاض فيها الفلاسفة وسلكها المناطقة، والسبب في سلوكه ذلك المسلك العقلي:

أنه كان منتسبا إلى المعتزلة، فاختار طريقتهم في الاستدلال لعقائد القرآن وهو مسلك المناطقة والفلاسفة، ولم يسلك طريقتهم في فهم نصوص القرآن والحديث.

أنه تصدّى للردّ على المعتزلة ومعارضتهم فتبع طريقتهم في الاستدلال ليقطع حجتهم ويفحمهم بما في أيديهم ويرد حجتهم عليهم.

أنه تصدّى للردّ على الفلاسفة، والقرامطة، والباطنية وغيرهم، وكثير هؤلاء لا يقنع إلاّ بالأقيسة المنطقية، ومنهم فلاسفة لا يقطعهم إلا دليل العقل.

شكَّلَ المذهَبُ الأشعريُّ مَنهجًا جديدًا مُختلِفًا عمَّا كان عليه السَّلَفُ المتقدِّمونَ منذُ أوَّلِ لحظةٍ من ظُهورِه؛ حيثُ إنَّ الأشعريَّ اعتمَدَ طريقةَ ابنِ كُلَّابٍ ومَنهجَه في تأسيسِ العقائدِ, ويكشِفُ الشَّهْرَسْتانيُّ عن هذه الحقيقةِ، فيقولُ في مَعرِضِ مَدحِه لشَيخِه الأشعَريِّ: "حتَّى انتَهى الزَّمانُ إلى عبدِ اللهِ بنِ سعيدٍ الكُلَّابِّي وأبي العبَّاسِ القَلانِسيِّ والحارِثِ بنِ أسعَدَ المُحاسِبيِّ، وهؤلاء كانوا من جُملةِ السَّلَفِ إلَّا أنَّهم باشَروا عِلمَ الكَلامِ وأيَّدوا عقائدَ السَّلَفِ بحُجَجٍ كَلاميَّةٍ وبراهينَ أُصوليَّةٍ... وانحازَ الأشعَريُّ إلى هذه الطائفةِ فأيَّدَ مَقالتَهم بمناهِجَ كَلاميَّةٍ، وصارَ ذلك مَذهَبًا لأهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ، وانتقلَتْ سِمَةُ الصِّفاتيَّةِ إلى الأشعَريَّةِ").

ومن حينِ أنْ ظهَرَ المَذهبُ الأشعريُّ باعتبارِه مَذهبًا عَقَديًّا له أصولٌ وعقائدُ خاصَّةٌ, اتخَذَ منه أئمَّةُ أهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ الذين هم أَخبَرُ بمذهَبِ الأئمَّةِ المتقدِّمينَ وأعلَمُ بمدلولاتِها مَوقِفًا واضحًا, وعَدُّوه من الفِرقِ الخارجةِ عن السُّنَّةِ التي كان عليها الصحابةُ وتلاميذُهم ومَن جاء بَعدَهم من الأئمةِ المتبوعينَ؛ نتيجةً لمَا تلبَّسَ به من أخطاءٍ منهجيَّةٍ وعَقَديَّةٍ.

وقد تتالَتْ مَقالاتُهم ومواقِفُهم التي تؤكِّدُ ذلك, وقامَ عدَدٌ من الباحثينَ في القَديمِ والحديثِ بجَمعِ تلك المَقالاتِ والمواقِفِ التي صرَّحَ فيها أئمَّةُ مَذهبِ أهلِ السُّنَّةِ بأنَّ المذهَبَ الأشعَريَّ خارجٌ عن مَنهجِهم، وأنَّه يُمثِّلُ مَذهبًا مُتناقضًا مع مَذهبِهم.

ولكنَّ هناك نافذةً أخرى يمكِنُ من خِلالِها تأكيدُ ذلك الحُكمِ الذي اتخَذَه عُلماءُ أهلِ السُّنَّةِ, وهي مَقالاتُ ومواقفُ أئمَّةِ المذهَبِ الأشعريِّ ومُحقِّقيه، التي أكَّدوا فيها على أنَّ طريقَتَهم مُخالفةٌ للطريقةِ التي يُقرِّرُها أئمَّةُ أهلِ السنَّةِ، ومُناقِضةٌ لها في المنهجِ والأصولِ.
مصطفى باحو - ❰ له مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ العلمانيون العرب وموقفهم من الإسلام ❝ ❞ الجامع الصحيح في أحاديث العقيدة ❝ ❞ عقائد الأشاعرة ❝ ❞ علماء المغرب ومقاومتهم للبدع والتصوف والقبورية والمواسم ❝ ❞ علماء المغرب ومقاومتهم للبدع والتصوف والقبورية ❝ الناشرين : ❞ المكتبة الإسلامية للنشر والتوزيع ❝ ❱
من فرق ومذاهب وأفكار وردود كتب الردود والمناظرات - مكتبة كتب إسلامية.

نبذة عن الكتاب:
عقائد الأشاعرة

2011م - 1445هـ
الأشعرية نسبة إلى إمامها ومؤسسها أبي الحسن الأشعري، الذي ينتهي نسبه إلى الصحابي أبي موسى الأشعري، هي مدرسة إسلامية سنية، اتبع منهاجها في العقيدة عدد من العلماء أمثال: البيهقي والباقلاني والقشيري والجويني والغزالي والفخر الرازي والنووي والسيوطي والعز بن عبد السلام والتقي السبكي وابن عساكر وغيرهم.

الأشعري والماتريدي قد تبنّوا منهجاً مماثلاً وطبّقوه، وشكّلوا مدرسة كلامية سنية.

والأشاعرة هم جماعة من أهل السنة، لا يخالفون إجماع الأئمة الأربعة (أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد)، ولا يكفرون أحداً من أهل القبلة، ويعتبر أتباعها أنفسهم منهجاً بين دعاة العقل المطلق وبين الجامدين عند حدود النص وظاهره، رغم أنهم قدموا النص على العقل، إلا أنهم جعلوا العقل مدخلاً في فهم النص، كما أشارت إليه الآيات الكثيرة التي حثت على التفكير والتدبر.

وهم الذين وقفوا في وجه المعتزلة، فزيفوا أقوالهم، وأبطلوا شبههم، وأعادوا الحق إلى نصابه على طريق سلف الأمة ومنهجهم.

وإلإمام الأشعري لم يؤسس في الإسلام مذهباً جديداً في العقيدة، يخالف مذهب السلف، وإنما هداه الله إلى مذهب أهل السنة بعد أن كان على مذهب الاعتزال، عرف من خلالها حقيقة مذهبهم، وتمرس بفنونهم وأساليبهم في الجدال والنقاش والنظر، مما مكّنه من الرد عليهم وإبطال شبههم.

فوجد فيه أهل السنة ضالتهم التي طالما بحثوا عنها فاتبعوه، وساروا على نهجه، لما رأوا فيه من القدرة على إفحام خصومهم والدفاع عنهم وتثبيت مذاهبهم.

وعقيدة الإمام الأشعري التي سار عليها هي عقيدة الأئمة أحمد بن حنبل والشافعي ومالك وأبي حنيفة وأصحابه، وهي عقيدة السلف الصالح، كما نص على ذلك أئمة أهل العلم ممن سار على هذه العقيدة.

بهذا مثّل ظهور الأشاعرة نقطة تحول في تاريخ أهل السنة والجماعة التي تدعمت بنيتها العقدية بالأساليب الكلامية كالمنطق والقياس. وإلى جانب نصوص الكتاب والسنّة، فإن الأشاعرة استخدموا الدليل العقلي في عدد من الحالات في توضيح بعض مسائل العقيدة، ويقول أبو الحسن الندوي في الاختلاف الكامل بين الأشاعرة والمعتزلة من جهة، وعدم مطابقتهم تمامًا لبعض أهل الحديث والحنابلة واختلافهم معهم في جزئيات منهجية عدّة من جهة أخرى:

«وكان الأشعري مؤمنًا بأن مصدر العقيدة هو الوحي والنبوة المحمدية.. وما ثبت عن الصحابة..وهذا مفترق الطريق بينه وبين المعتزلة، فإنه يتجه في ذلك اتجاهًا معارضًا لاتجاه المعتزلة، ولكنه رغم ذلك يعتقد.. أن الدفاع عن العقيدة السليمة، وغرسها في قلوب الجيل الإسلامي الجديد، يحتاج إلى التحدث بلغة العصر العلمية السائدة واستعمال المصطلحات العلمية ومناقشة المعارضين على أسلوبهم العقلي، ولم يكن يسوغ ذلك فقط، بل يعدّه أفضل الجهاد وأعظم القربات في ذلك العصر».

الأشعرية مدرسة سنية، تكاد تكون مطابقة لعقائد المدارس الأخرى المنتسبة للسنة كالماتردية إلا في مسائل قليلة بسبب اختلاف منهج التلقي والاستدلال. واتبع علماء أشاعرة منهجًا كلاميًا في حالات عدة.

استدل الأشعري على العقائد بالنقل والعقل، فيثبت ما ورد في الكتاب والسنة من أوصاف الله والاعتقاد برسله واليوم الآخر والملائكة والحساب والعقاب والثواب، يستدل بالأدلة العقلية والبراهين المنطقية على صدق ما جاء في الكتاب والسنة بعد أن أوجب التصديق بها كما هي نقلاً، فهو لا يتخذ من العقل حَكَما على النصوص ليؤولها أو يمضي ظاهرها، بل يتخذ العقل خادما لظواهر النصوص يؤيدها. وقد استعان في سبيل ذلك بقضايا فلسفية ومسائل عقلية خاض فيها الفلاسفة وسلكها المناطقة، والسبب في سلوكه ذلك المسلك العقلي:

أنه كان منتسبا إلى المعتزلة، فاختار طريقتهم في الاستدلال لعقائد القرآن وهو مسلك المناطقة والفلاسفة، ولم يسلك طريقتهم في فهم نصوص القرآن والحديث.

أنه تصدّى للردّ على المعتزلة ومعارضتهم فتبع طريقتهم في الاستدلال ليقطع حجتهم ويفحمهم بما في أيديهم ويرد حجتهم عليهم.

أنه تصدّى للردّ على الفلاسفة، والقرامطة، والباطنية وغيرهم، وكثير هؤلاء لا يقنع إلاّ بالأقيسة المنطقية، ومنهم فلاسفة لا يقطعهم إلا دليل العقل.

شكَّلَ المذهَبُ الأشعريُّ مَنهجًا جديدًا مُختلِفًا عمَّا كان عليه السَّلَفُ المتقدِّمونَ منذُ أوَّلِ لحظةٍ من ظُهورِه؛ حيثُ إنَّ الأشعريَّ اعتمَدَ طريقةَ ابنِ كُلَّابٍ ومَنهجَه في تأسيسِ العقائدِ, ويكشِفُ الشَّهْرَسْتانيُّ عن هذه الحقيقةِ، فيقولُ في مَعرِضِ مَدحِه لشَيخِه الأشعَريِّ: "حتَّى انتَهى الزَّمانُ إلى عبدِ اللهِ بنِ سعيدٍ الكُلَّابِّي وأبي العبَّاسِ القَلانِسيِّ والحارِثِ بنِ أسعَدَ المُحاسِبيِّ، وهؤلاء كانوا من جُملةِ السَّلَفِ إلَّا أنَّهم باشَروا عِلمَ الكَلامِ وأيَّدوا عقائدَ السَّلَفِ بحُجَجٍ كَلاميَّةٍ وبراهينَ أُصوليَّةٍ... وانحازَ الأشعَريُّ إلى هذه الطائفةِ فأيَّدَ مَقالتَهم بمناهِجَ كَلاميَّةٍ، وصارَ ذلك مَذهَبًا لأهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ، وانتقلَتْ سِمَةُ الصِّفاتيَّةِ إلى الأشعَريَّةِ").

ومن حينِ أنْ ظهَرَ المَذهبُ الأشعريُّ باعتبارِه مَذهبًا عَقَديًّا له أصولٌ وعقائدُ خاصَّةٌ, اتخَذَ منه أئمَّةُ أهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ الذين هم أَخبَرُ بمذهَبِ الأئمَّةِ المتقدِّمينَ وأعلَمُ بمدلولاتِها مَوقِفًا واضحًا, وعَدُّوه من الفِرقِ الخارجةِ عن السُّنَّةِ التي كان عليها الصحابةُ وتلاميذُهم ومَن جاء بَعدَهم من الأئمةِ المتبوعينَ؛ نتيجةً لمَا تلبَّسَ به من أخطاءٍ منهجيَّةٍ وعَقَديَّةٍ.

وقد تتالَتْ مَقالاتُهم ومواقِفُهم التي تؤكِّدُ ذلك, وقامَ عدَدٌ من الباحثينَ في القَديمِ والحديثِ بجَمعِ تلك المَقالاتِ والمواقِفِ التي صرَّحَ فيها أئمَّةُ مَذهبِ أهلِ السُّنَّةِ بأنَّ المذهَبَ الأشعَريَّ خارجٌ عن مَنهجِهم، وأنَّه يُمثِّلُ مَذهبًا مُتناقضًا مع مَذهبِهم.

ولكنَّ هناك نافذةً أخرى يمكِنُ من خِلالِها تأكيدُ ذلك الحُكمِ الذي اتخَذَه عُلماءُ أهلِ السُّنَّةِ, وهي مَقالاتُ ومواقفُ أئمَّةِ المذهَبِ الأشعريِّ ومُحقِّقيه، التي أكَّدوا فيها على أنَّ طريقَتَهم مُخالفةٌ للطريقةِ التي يُقرِّرُها أئمَّةُ أهلِ السنَّةِ، ومُناقِضةٌ لها في المنهجِ والأصولِ. .
المزيد..

تعليقات القرّاء:

الأشعرية نسبة إلى إمامها ومؤسسها أبي الحسن الأشعري، الذي ينتهي نسبه إلى الصحابي أبي موسى الأشعري، هي مدرسة إسلامية سنية، اتبع منهاجها في العقيدة عدد من العلماء أمثال: البيهقي والباقلاني والقشيري والجويني والغزالي والفخر الرازي والنووي والسيوطي والعز بن عبد السلام والتقي السبكي وابن عساكر وغيرهم.

الأشعري والماتريدي قد تبنّوا منهجاً مماثلاً وطبّقوه، وشكّلوا مدرسة كلامية سنية.

والأشاعرة هم جماعة من أهل السنة، لا يخالفون إجماع الأئمة الأربعة (أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد)، ولا يكفرون أحداً من أهل القبلة، ويعتبر أتباعها أنفسهم منهجاً بين دعاة العقل المطلق وبين الجامدين عند حدود النص وظاهره، رغم أنهم قدموا النص على العقل، إلا أنهم جعلوا العقل مدخلاً في فهم النص، كما أشارت إليه الآيات الكثيرة التي حثت على التفكير والتدبر. 

وهم الذين وقفوا في وجه المعتزلة، فزيفوا أقوالهم، وأبطلوا شبههم، وأعادوا الحق إلى نصابه على طريق سلف الأمة ومنهجهم.

 وإلإمام الأشعري لم يؤسس في الإسلام مذهباً جديداً في العقيدة، يخالف مذهب السلف، وإنما هداه الله إلى مذهب أهل السنة بعد أن كان على مذهب الاعتزال، عرف من خلالها حقيقة مذهبهم، وتمرس بفنونهم وأساليبهم في الجدال والنقاش والنظر، مما مكّنه من الرد عليهم وإبطال شبههم. 

فوجد فيه أهل السنة ضالتهم التي طالما بحثوا عنها فاتبعوه، وساروا على نهجه، لما رأوا فيه من القدرة على إفحام خصومهم والدفاع عنهم وتثبيت مذاهبهم. 

وعقيدة الإمام الأشعري التي سار عليها هي عقيدة الأئمة أحمد بن حنبل والشافعي ومالك وأبي حنيفة وأصحابه، وهي عقيدة السلف الصالح، كما نص على ذلك أئمة أهل العلم ممن سار على هذه العقيدة.

بهذا مثّل ظهور الأشاعرة نقطة تحول في تاريخ أهل السنة والجماعة التي تدعمت بنيتها العقدية بالأساليب الكلامية كالمنطق والقياس. وإلى جانب نصوص الكتاب والسنّة، فإن الأشاعرة استخدموا الدليل العقلي في عدد من الحالات في توضيح بعض مسائل العقيدة، ويقول أبو الحسن الندوي في الاختلاف الكامل بين الأشاعرة والمعتزلة من جهة، وعدم مطابقتهم تمامًا لبعض أهل الحديث والحنابلة واختلافهم معهم في جزئيات منهجية عدّة من جهة أخرى:

 «وكان الأشعري مؤمنًا بأن مصدر العقيدة هو الوحي والنبوة المحمدية.. وما ثبت عن الصحابة..وهذا مفترق الطريق بينه وبين المعتزلة، فإنه يتجه في ذلك اتجاهًا معارضًا لاتجاه المعتزلة، ولكنه رغم ذلك يعتقد.. أن الدفاع عن العقيدة السليمة، وغرسها في قلوب الجيل الإسلامي الجديد، يحتاج إلى التحدث بلغة العصر العلمية السائدة واستعمال المصطلحات العلمية ومناقشة المعارضين على أسلوبهم العقلي، ولم يكن يسوغ ذلك فقط، بل يعدّه أفضل الجهاد وأعظم القربات في ذلك العصر».

الأشعرية مدرسة سنية، تكاد تكون مطابقة لعقائد المدارس الأخرى المنتسبة للسنة كالماتردية إلا في مسائل قليلة بسبب اختلاف منهج التلقي والاستدلال. واتبع علماء أشاعرة منهجًا كلاميًا في حالات عدة.

استدل الأشعري على العقائد بالنقل والعقل، فيثبت ما ورد في الكتاب والسنة من أوصاف الله والاعتقاد برسله واليوم الآخر والملائكة والحساب والعقاب والثواب، يستدل بالأدلة العقلية والبراهين المنطقية على صدق ما جاء في الكتاب والسنة بعد أن أوجب التصديق بها كما هي نقلاً، فهو لا يتخذ من العقل حَكَما على النصوص ليؤولها أو يمضي ظاهرها، بل يتخذ العقل خادما لظواهر النصوص يؤيدها. وقد استعان في سبيل ذلك بقضايا فلسفية ومسائل عقلية خاض فيها الفلاسفة وسلكها المناطقة، والسبب في سلوكه ذلك المسلك العقلي:

أنه كان منتسبا إلى المعتزلة، فاختار طريقتهم في الاستدلال لعقائد القرآن وهو مسلك المناطقة والفلاسفة، ولم يسلك طريقتهم في فهم نصوص القرآن والحديث.

أنه تصدّى للردّ على المعتزلة ومعارضتهم فتبع طريقتهم في الاستدلال ليقطع حجتهم ويفحمهم بما في أيديهم ويرد حجتهم عليهم.

أنه تصدّى للردّ على الفلاسفة، والقرامطة، والباطنية وغيرهم، وكثير هؤلاء لا يقنع إلاّ بالأقيسة المنطقية، ومنهم فلاسفة لا يقطعهم إلا دليل العقل.
 

شكَّلَ المذهَبُ الأشعريُّ مَنهجًا جديدًا مُختلِفًا عمَّا كان عليه السَّلَفُ المتقدِّمونَ منذُ أوَّلِ لحظةٍ من ظُهورِه؛ حيثُ إنَّ الأشعريَّ اعتمَدَ طريقةَ ابنِ كُلَّابٍ ومَنهجَه في تأسيسِ العقائدِ, ويكشِفُ الشَّهْرَسْتانيُّ عن هذه الحقيقةِ، فيقولُ في مَعرِضِ مَدحِه لشَيخِه الأشعَريِّ: "حتَّى انتَهى الزَّمانُ إلى عبدِ اللهِ بنِ سعيدٍ الكُلَّابِّي وأبي العبَّاسِ القَلانِسيِّ والحارِثِ بنِ أسعَدَ المُحاسِبيِّ، وهؤلاء كانوا من جُملةِ السَّلَفِ إلَّا أنَّهم باشَروا عِلمَ الكَلامِ وأيَّدوا عقائدَ السَّلَفِ بحُجَجٍ كَلاميَّةٍ وبراهينَ أُصوليَّةٍ... وانحازَ الأشعَريُّ إلى هذه الطائفةِ فأيَّدَ مَقالتَهم بمناهِجَ كَلاميَّةٍ، وصارَ ذلك مَذهَبًا لأهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ، وانتقلَتْ سِمَةُ الصِّفاتيَّةِ إلى الأشعَريَّةِ"[1]).

ومن حينِ أنْ ظهَرَ المَذهبُ الأشعريُّ باعتبارِه مَذهبًا عَقَديًّا له أصولٌ وعقائدُ خاصَّةٌ, اتخَذَ منه أئمَّةُ أهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ الذين هم أَخبَرُ بمذهَبِ الأئمَّةِ المتقدِّمينَ وأعلَمُ بمدلولاتِها مَوقِفًا واضحًا, وعَدُّوه من الفِرقِ الخارجةِ عن السُّنَّةِ التي كان عليها الصحابةُ وتلاميذُهم ومَن جاء بَعدَهم من الأئمةِ المتبوعينَ؛ نتيجةً لمَا تلبَّسَ به من أخطاءٍ منهجيَّةٍ وعَقَديَّةٍ.

وقد تتالَتْ مَقالاتُهم ومواقِفُهم التي تؤكِّدُ ذلك, وقامَ عدَدٌ من الباحثينَ في القَديمِ والحديثِ بجَمعِ تلك المَقالاتِ والمواقِفِ التي صرَّحَ فيها أئمَّةُ مَذهبِ أهلِ السُّنَّةِ بأنَّ المذهَبَ الأشعَريَّ خارجٌ عن مَنهجِهم، وأنَّه يُمثِّلُ مَذهبًا مُتناقضًا مع مَذهبِهم.

ولكنَّ هناك نافذةً أخرى يمكِنُ من خِلالِها تأكيدُ ذلك الحُكمِ الذي اتخَذَه عُلماءُ أهلِ السُّنَّةِ, وهي مَقالاتُ ومواقفُ أئمَّةِ المذهَبِ الأشعريِّ ومُحقِّقيه، التي أكَّدوا فيها على أنَّ طريقَتَهم مُخالفةٌ للطريقةِ التي يُقرِّرُها أئمَّةُ أهلِ السنَّةِ، ومُناقِضةٌ لها في المنهجِ والأصولِ.



سنة النشر : 2011م / 1432هـ .
حجم الكتاب عند التحميل : 2.4 ميجا بايت .
نوع الكتاب : pdf.
عداد القراءة: عدد قراءة عقائد الأشاعرة

اذا اعجبك الكتاب فضلاً اضغط على أعجبني
و يمكنك تحميله من هنا:

تحميل عقائد الأشاعرة
شكرًا لمساهمتكم

شكراً لمساهمتكم معنا في الإرتقاء بمستوى المكتبة ، يمكنكم االتبليغ عن اخطاء او سوء اختيار للكتب وتصنيفها ومحتواها ، أو كتاب يُمنع نشره ، او محمي بحقوق طبع ونشر ، فضلاً قم بالتبليغ عن الكتاب المُخالف:

برنامج تشغيل ملفات pdfقبل تحميل الكتاب ..
يجب ان يتوفر لديكم برنامج تشغيل وقراءة ملفات pdf
يمكن تحميلة من هنا 'http://get.adobe.com/reader/'

المؤلف:
مصطفى باحو -

كتب مصطفى باحو ❰ له مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ العلمانيون العرب وموقفهم من الإسلام ❝ ❞ الجامع الصحيح في أحاديث العقيدة ❝ ❞ عقائد الأشاعرة ❝ ❞ علماء المغرب ومقاومتهم للبدع والتصوف والقبورية والمواسم ❝ ❞ علماء المغرب ومقاومتهم للبدع والتصوف والقبورية ❝ الناشرين : ❞ المكتبة الإسلامية للنشر والتوزيع ❝ ❱. المزيد..

كتب مصطفى باحو
الناشر:
المكتبة الإسلامية للنشر والتوزيع
كتب المكتبة الإسلامية للنشر والتوزيع ❰ ناشرين لمجموعة من المؤلفات أبرزها ❞ آداب الزفاف في السنة المطهرة ❝ ❞ سؤال وجواب حول فقه الواقع ❝ ❞ كرامات الأولياء ❝ ❞ شرح صحيح البخاري ❝ ❞ تقريب الشاطبية ❝ ❞ العقد المفيد علم التجويد ❝ ❞ العلمانيون العرب وموقفهم من الإسلام ❝ ❞ مختصر الشمائل المحمدية ❝ ❞ قصة المسيح الدجال ونزول عيسى عليه السلام وقتله إياه على سياق رواية أبي أمامة ❝ ❞ صحيح السيرة النبوية ❝ ومن أبرز المؤلفين : ❞ محمد بن صالح العثيمين ❝ ❞ محمد ناصر الدين الألباني ❝ ❞ محمد حسين يعقوب ❝ ❞ محمد بن عبد الرحمن المغراوي ❝ ❞ حسين العوايشة ❝ ❞ محمد بن عيسى الترمذي / محمد ناصر الدين الألباني ❝ ❞ محمد ناصر الدين الألباني ❝ ❞ مصطفى باحو ❝ ❞ محمد ناصر الدين الألباني ❝ ❞ عصام موسى هادي ❝ ❞ برهان الدين القاضي (الأردني ) ❝ ❞ الإمام المقريزي ❝ ❞ هبة الله بن الحسن بن منصور الطبري اللالكائي أبو القاسم الحسن بن محمد بن الحسن الخلال أبو محمد ❝ ❞ شرف الدين الطيبي ❝ ❞ عيسى بن سليمان الأندلسي أبو موسى الرعيني ❝ ❞ علاء الدين مغلطاي أبو عبد الله ❝ ❞ محمد محب الدين أبو زيد ❝ ❞ سليم الهلالي ❝ ❞ صلاح صالح سيف ❝ ❞ عبدالسلام بن محمد بن عبدالكريم ❝ ❞ برهان الدين القاضي ❝ ❞ سليم بن عيد الهلالي علي حسن علي عبد الحميد ❝ ❞ سفر بن عبد الرحمن حوالی ❝ ❞ أسماء إبراهيم سعود عجين ❝ ❞ سليم الهلالي علي حسن عبد الحميد ❝ ❞ حافظ زبير علي زئي ❝ ❞ الشيخ إيهاب فكري ❝ ❞ علي حسن علي عبد الحميد الحلبي ❝ ❱.المزيد.. كتب المكتبة الإسلامية للنشر والتوزيع