قبل أن يأتي الغرب : الحركة العلمية في مصر في القرن السابع عشر
حتى بداية السبعينيات من القرن الماضي كانت الصورة التي قدمها لنا الرعيل الأول من المؤرخين عن مصر تحت الحكم العثماني (15161798) صورة قاتمة، تسمها بالفوضى والقلاقل والتدهور والتخلف خاصة في أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية، وظلت أجيال المؤرخين تتناقل هذه الصورة، بتنويعات مختلفة، لكنهم جميعا يصورن هذا العصر على أنه كان عصر انحطاط وتدهور وظلم واستبدا.. ويمكننا أن نعزى هذه الصورة إلى عوامل عديدة: منها أن العقود الأخيرة للحكم العثماني – المملوكي ، قبل أن يأتي الغرب، شهدت أزمات وصراعات سياسية وعسكرية شديدة، كما عانى الناس من المجاعات والأوبئة وظلم الحكام. وقد استطاع الفرنسيون استخدام هذه الصورة لتبرير وجودهم وسياستهم في مصر، ومنها أن بعض الكتاب روجوا لهذه الصورة لتدعيم اعتقادهم بأن الأخذ بالنموذج الأوربي في السياسة والاقتصاد والثقافة هو الأمل الوحيد للتقدم والنهضة. ومنها كذلك فقر المصادر التاريخية لهذا العصر، والتي كادت أن تنحصر في كتاب الحوليات، فلم تكن المصادر الأرشيفية من مخطوطات ووثائق المحاكم الشرعية، وحجج الأوقاف وغيرها.. قد كشفت عن مصادر خطيرة ومهمة تجلو لنا مختلف جوانب هذا العصر، ومن هذه العوامل أيضا أن الذين صوروا ذلك العصر بتلك الصورة السلبية كانوا ينظرون إليه بعيون ومفاهيم القرن التاسع عشر ومعاييره ومنجزاته، وليس في سياق ذلك العصر ومعطياته... وهكذا صار هذا العصر أشبه بفترة جاهلية سبقت النهضة التي جاءت مع الغرب، هكذا أطلق على عصر دام ثلاثة قرون حكما عاما دون تمحيص أو مراجعة. وبدا واضحا أن أصحاب هذا الاتجاه لم ينظروا إلى هذه الحقبة من خلال السياق التاريخي للأحداث، في تدفقها واستمراريتها وديناميتها، بل نظروا إليها باعتبارها حقبة راكدة ومنفصلة عما اعقبها في القرن التاسع عشر، الذي أتى فيه الغرب بحضارته في شكل حملة فرنسية غازية، أو ذهبت مصر إليه في ظل مشروع محمد على للنهضة ... رغم أن نهر التاريخ لا يتوقف، حتى وإن بدا سطحه راكدا. . المزيد..