❞ كتاب ظاهرة التكرار في القرآن الكريم ❝  ⏤ أ.د/ عبد الشافي أحمد على الشيخ

❞ كتاب ظاهرة التكرار في القرآن الكريم ❝ ⏤ أ.د/ عبد الشافي أحمد على الشيخ

وجد الأداء الصوتي في اللغة العربية مساحة لبلوغ ثلاثة أبعاد صوتية، ودلالية، وجمالية لاستيطان الشعور وتجسيده، والتماس الوجدان والتفاعل مع صور الإبداع المنبعثة من عمق النص القرآني. فتلذذ القراء بجوانب الجمال وما يحيط به من ظواهر صوتية ولغوية وما ينتجه من آثار بارزة تعرض إليها أهل اللغة في إبداعهم لتربية النفوس، وجعل القارئ يتسامى بقراءته إلى مستوى عال من الأداء. ومن مظاهره التكرار لما فيه من وقع سمعي وأثر صوتي في تحسين اللفظ وتأكيد المعنى، فهو يعطي النص تماسكا وقوّة.

وجد فيه العلماء قديما وسيلة لتأصيل التراث اللغوي. يرد في النص لدوافع سياقية وللتنويع في أساليب التعبير، زاخر بالمعاني النفسية تحمل أسرارا جمالية. إنّه من أعمق الظواهر اللغوية في النص القرآني ويؤدي دورا بلاغيا متميزا يلغي المعاني الزائدة ويعزّز ما يقتضيه الحال.

التكرار في التراث

التّكرار من الأساليب المعروفة في اللغة العربية ومن سمات فصاحتها، فهو من معالم لسنها يزيّن الأسلوب. إنّه من المظاهر الشائعة في القرآن الكريم بطريقة مدركة فنيا وبلاغيا. ويمثل جانبا من جوانب البلاغة القرآنية يرد في الكلام للفائدة. وهذا ما دفع أهل اللغة لأن يولوهن اهتماما كبيرا فأخرجوا قيمته الكبرى تأكيدا لمعنى وتقريره، منهم الجاحظ الذي بين أهميته:

"وجملة القول في التّرداد أتنه ليس فيه حدّ ينتمي إليه، ولا يؤتى على وصفه، وإنّما ذلك على قدر المستحقين، ومن يحضره من العوام والخواص، وقد رأينا الله عزّ وجلّ ردّ وذكر قصة موسى وهود وهارون وشعيب ولوط وعاد وثمود، وكذلك ذكر الجنة والنار وأمور كثيرة لأنّه خاطب جميع الأمم من العرب وأصناف العجم وأكثرهم غيّ غافل أو معاند مشغول الفكر ساهي القلب"[1].

كذلك ابن قتيبة في دفاعه عن القرآن: "فأمّا التّكرار، الأنباء والقصص، فإنّ الله تبارك وتعالى أنزل القرآن نجوما في ثلاث وعشرين سنة بفرض بعد فرض: تيسيرا منه على العباد، وتدريجا لهم إلى كمال دينه، ووعظ بعد وعظ: تنبيها لهم من سنة غفلة وشحذا لقلوبهم بمتجدِّد الموعظة"[2].

كذلك الخطابي: "وأمّا ما عابوه من التكرار، فإنّ تكرار الكلام على ضربين أحدهما مذموم، هو ما كان مستغنى عنه، غير مستفاد به زيادة معنى لم يستعيدوه بالكلام الأول، لأنّه حينئذ يكون فضلا من القول، وليس في القرآن شيء من هذا"[3].

وعدّه ابن رشيق من أصول البديع: "وللتكرار مواضع يحسن فيها، ومواضع يقبح فيها، فأكثر ما يقع التكرار في الألفاظ دون المعاني، وهو في المعاني دون الألفاظ أقلّ"[4]. أمّا الزركشي فنظر إليه على أنّه من علم المشابه: "وهو إيراد القصة الواحدة في صور شتى وفواصل مختلفة. ويكثر في إيراد القصص والأنباء، وحكمته التصرف قي الكلام وإتيانه على ضروب؛ ليعلمهم عجزهم عن جميع طرق ذلك: مبتدأ به ومتكرر"[5].



التكرار فنّ قولي من الأساليب المعروفة عند العرب، بل هو من محاسن الفصاحة(1). يقول الجاحظ مبيّنًا الفائدة منه: "إن الناس لو استغنوا عن التكرير _ التكرار _ وكفوا مئونة البحث والتنقير لقلّ اعتبارهم. ومن قلّ اعتباره قلّ علمه، ومن قلّ علمه قلّ فضله، ومن قلّ فضله كثُر نقصه، ومن قلّ علمه وفضله وكثُر نقصه لم يُحمد على خير أتاه، ولم يُذمّ على شرّ جناه، ولم يجد طعم العزّ، ولا سرور الظفر، ولا روح الرجاء، ولا برد اليقين ولا راحة الأمن.."(2). فهذا لو استغنى البشر في الكلام عن التكرار، فما بالك إذن بكلام ربّ البشر سبحانه؟

ولذلك نجد أن التكرار ورد في القرآن كثيرًا. ومع أن الأسلوب في الكلام العادي قد لا يسلم معه من القلق والإضطراب، إلا أنه جاء في كلام الله مُحْكَمًا. ولكون هذه الظاهرة بارزة في القرآن، فقد تعرّض لها المفسّرون والبلاغيون، وبيّنوا جزءًا من أبعادها ودلالاتها على اختلاف مواقعها، كما وحاولوا التعرّف على محاورها وأنماطها التي تمثّلت في تكرار حروف وكلمات، وتكرار بدايات وفواصل، وتكرار جمل وآيات، وتكرار قصص وأنباء..(3).

إلا أنهم اختلفوا في دلالة توظيفها، فانقسموا إلى فريقين. ففي حين رأى فريق في التكرار ظاهرة ملحّة، يرتكز عليها القرآن الكريم في بنيته، لا سيّما أن من وظائفه البلاغة والتأكيد على المعنى المقصود من الألفاظ المكرّرة(4)، نفى الفريق الآخر التكرار من القرآن تمامًا، بادّعاء عدم الفائدة من تكرار اللفظ نفسه في السياق نفسه للمعنى نفسه. فحتى لو كانت الألفاظ مكرّرة، فإنها تدلّ بنظرهم على معانٍ مختلفة(5).

ومع أن الغرض من هذا البحث، ليس تقصّى نقاط الخلاف بين الفريقين، ولا الإحاطة بظاهرة التكرار من جميع جوانبها _ فنحن لسنا هنا في موضع يُراد فيه إثبات مشروعية التكرار، وإنما في موضع يبحث عن مزايا التعبير القرآني، ومنها التكرار، ومن ثم توضيح علاقة هذه الظاهرة بالإعجاز العددي _ إلا أن معرفة الوظائف التي يؤدّيها التكرار في القرآن، قد يفيد القاريء في إدراك الطريق الذي سنسلكه قريبًا، حين نقوم بتوظيف فائدة جديدة له؛ ولبيان هذا المسلك لا بدّ أن نتحدّث عن ماهيّة هذه الظاهرة. فما هو التكرار؟ وكيف يتجلّى في القرآن الكريم؟
أ.د/ عبد الشافي أحمد على الشيخ - ❰ له مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ ظاهرة التكرار في القرآن الكريم ❝ ❞ الفراسة في القرآن الكريم ❝ ❱
من كتب علوم القرآن كتب التفاسير وعلوم القرآن الكريم - مكتبة كتب إسلامية.

نبذة عن الكتاب:
ظاهرة التكرار في القرآن الكريم

وجد الأداء الصوتي في اللغة العربية مساحة لبلوغ ثلاثة أبعاد صوتية، ودلالية، وجمالية لاستيطان الشعور وتجسيده، والتماس الوجدان والتفاعل مع صور الإبداع المنبعثة من عمق النص القرآني. فتلذذ القراء بجوانب الجمال وما يحيط به من ظواهر صوتية ولغوية وما ينتجه من آثار بارزة تعرض إليها أهل اللغة في إبداعهم لتربية النفوس، وجعل القارئ يتسامى بقراءته إلى مستوى عال من الأداء. ومن مظاهره التكرار لما فيه من وقع سمعي وأثر صوتي في تحسين اللفظ وتأكيد المعنى، فهو يعطي النص تماسكا وقوّة.

وجد فيه العلماء قديما وسيلة لتأصيل التراث اللغوي. يرد في النص لدوافع سياقية وللتنويع في أساليب التعبير، زاخر بالمعاني النفسية تحمل أسرارا جمالية. إنّه من أعمق الظواهر اللغوية في النص القرآني ويؤدي دورا بلاغيا متميزا يلغي المعاني الزائدة ويعزّز ما يقتضيه الحال.

التكرار في التراث

التّكرار من الأساليب المعروفة في اللغة العربية ومن سمات فصاحتها، فهو من معالم لسنها يزيّن الأسلوب. إنّه من المظاهر الشائعة في القرآن الكريم بطريقة مدركة فنيا وبلاغيا. ويمثل جانبا من جوانب البلاغة القرآنية يرد في الكلام للفائدة. وهذا ما دفع أهل اللغة لأن يولوهن اهتماما كبيرا فأخرجوا قيمته الكبرى تأكيدا لمعنى وتقريره، منهم الجاحظ الذي بين أهميته:

"وجملة القول في التّرداد أتنه ليس فيه حدّ ينتمي إليه، ولا يؤتى على وصفه، وإنّما ذلك على قدر المستحقين، ومن يحضره من العوام والخواص، وقد رأينا الله عزّ وجلّ ردّ وذكر قصة موسى وهود وهارون وشعيب ولوط وعاد وثمود، وكذلك ذكر الجنة والنار وأمور كثيرة لأنّه خاطب جميع الأمم من العرب وأصناف العجم وأكثرهم غيّ غافل أو معاند مشغول الفكر ساهي القلب"[1].

كذلك ابن قتيبة في دفاعه عن القرآن: "فأمّا التّكرار، الأنباء والقصص، فإنّ الله تبارك وتعالى أنزل القرآن نجوما في ثلاث وعشرين سنة بفرض بعد فرض: تيسيرا منه على العباد، وتدريجا لهم إلى كمال دينه، ووعظ بعد وعظ: تنبيها لهم من سنة غفلة وشحذا لقلوبهم بمتجدِّد الموعظة"[2].

كذلك الخطابي: "وأمّا ما عابوه من التكرار، فإنّ تكرار الكلام على ضربين أحدهما مذموم، هو ما كان مستغنى عنه، غير مستفاد به زيادة معنى لم يستعيدوه بالكلام الأول، لأنّه حينئذ يكون فضلا من القول، وليس في القرآن شيء من هذا"[3].

وعدّه ابن رشيق من أصول البديع: "وللتكرار مواضع يحسن فيها، ومواضع يقبح فيها، فأكثر ما يقع التكرار في الألفاظ دون المعاني، وهو في المعاني دون الألفاظ أقلّ"[4]. أمّا الزركشي فنظر إليه على أنّه من علم المشابه: "وهو إيراد القصة الواحدة في صور شتى وفواصل مختلفة. ويكثر في إيراد القصص والأنباء، وحكمته التصرف قي الكلام وإتيانه على ضروب؛ ليعلمهم عجزهم عن جميع طرق ذلك: مبتدأ به ومتكرر"[5].



التكرار فنّ قولي من الأساليب المعروفة عند العرب، بل هو من محاسن الفصاحة(1). يقول الجاحظ مبيّنًا الفائدة منه: "إن الناس لو استغنوا عن التكرير _ التكرار _ وكفوا مئونة البحث والتنقير لقلّ اعتبارهم. ومن قلّ اعتباره قلّ علمه، ومن قلّ علمه قلّ فضله، ومن قلّ فضله كثُر نقصه، ومن قلّ علمه وفضله وكثُر نقصه لم يُحمد على خير أتاه، ولم يُذمّ على شرّ جناه، ولم يجد طعم العزّ، ولا سرور الظفر، ولا روح الرجاء، ولا برد اليقين ولا راحة الأمن.."(2). فهذا لو استغنى البشر في الكلام عن التكرار، فما بالك إذن بكلام ربّ البشر سبحانه؟

ولذلك نجد أن التكرار ورد في القرآن كثيرًا. ومع أن الأسلوب في الكلام العادي قد لا يسلم معه من القلق والإضطراب، إلا أنه جاء في كلام الله مُحْكَمًا. ولكون هذه الظاهرة بارزة في القرآن، فقد تعرّض لها المفسّرون والبلاغيون، وبيّنوا جزءًا من أبعادها ودلالاتها على اختلاف مواقعها، كما وحاولوا التعرّف على محاورها وأنماطها التي تمثّلت في تكرار حروف وكلمات، وتكرار بدايات وفواصل، وتكرار جمل وآيات، وتكرار قصص وأنباء..(3).

إلا أنهم اختلفوا في دلالة توظيفها، فانقسموا إلى فريقين. ففي حين رأى فريق في التكرار ظاهرة ملحّة، يرتكز عليها القرآن الكريم في بنيته، لا سيّما أن من وظائفه البلاغة والتأكيد على المعنى المقصود من الألفاظ المكرّرة(4)، نفى الفريق الآخر التكرار من القرآن تمامًا، بادّعاء عدم الفائدة من تكرار اللفظ نفسه في السياق نفسه للمعنى نفسه. فحتى لو كانت الألفاظ مكرّرة، فإنها تدلّ بنظرهم على معانٍ مختلفة(5).

ومع أن الغرض من هذا البحث، ليس تقصّى نقاط الخلاف بين الفريقين، ولا الإحاطة بظاهرة التكرار من جميع جوانبها _ فنحن لسنا هنا في موضع يُراد فيه إثبات مشروعية التكرار، وإنما في موضع يبحث عن مزايا التعبير القرآني، ومنها التكرار، ومن ثم توضيح علاقة هذه الظاهرة بالإعجاز العددي _ إلا أن معرفة الوظائف التي يؤدّيها التكرار في القرآن، قد يفيد القاريء في إدراك الطريق الذي سنسلكه قريبًا، حين نقوم بتوظيف فائدة جديدة له؛ ولبيان هذا المسلك لا بدّ أن نتحدّث عن ماهيّة هذه الظاهرة. فما هو التكرار؟ وكيف يتجلّى في القرآن الكريم؟ .
المزيد..

تعليقات القرّاء:

وجد الأداء الصوتي في اللغة العربية مساحة لبلوغ ثلاثة أبعاد صوتية، ودلالية، وجمالية لاستيطان الشعور وتجسيده، والتماس الوجدان والتفاعل مع صور الإبداع المنبعثة من عمق النص القرآني. فتلذذ القراء بجوانب الجمال وما يحيط به من ظواهر صوتية ولغوية وما ينتجه من آثار بارزة تعرض إليها أهل اللغة في إبداعهم لتربية النفوس، وجعل القارئ يتسامى بقراءته إلى مستوى عال من الأداء. ومن مظاهره التكرار لما فيه من وقع سمعي وأثر صوتي في تحسين اللفظ وتأكيد المعنى، فهو يعطي النص تماسكا وقوّة.

وجد فيه العلماء قديما وسيلة لتأصيل التراث اللغوي. يرد في النص لدوافع سياقية وللتنويع في أساليب التعبير، زاخر بالمعاني النفسية تحمل أسرارا جمالية. إنّه من أعمق الظواهر اللغوية في النص القرآني ويؤدي دورا بلاغيا متميزا يلغي المعاني الزائدة ويعزّز ما يقتضيه الحال.
 
التكرار في التراث

التّكرار من الأساليب المعروفة في اللغة العربية ومن سمات فصاحتها، فهو من معالم لسنها يزيّن الأسلوب. إنّه من المظاهر الشائعة في القرآن الكريم بطريقة مدركة فنيا وبلاغيا. ويمثل جانبا من جوانب البلاغة القرآنية يرد في الكلام للفائدة. وهذا ما دفع أهل اللغة لأن يولوهن اهتماما كبيرا فأخرجوا قيمته الكبرى تأكيدا لمعنى وتقريره، منهم الجاحظ الذي بين أهميته:

"وجملة القول في التّرداد أتنه ليس فيه حدّ ينتمي إليه، ولا يؤتى على وصفه، وإنّما ذلك على قدر المستحقين، ومن يحضره من العوام والخواص، وقد رأينا الله عزّ وجلّ ردّ وذكر قصة موسى وهود وهارون وشعيب ولوط وعاد وثمود، وكذلك ذكر الجنة والنار وأمور كثيرة لأنّه خاطب جميع الأمم من العرب وأصناف العجم وأكثرهم غيّ غافل أو معاند مشغول الفكر ساهي القلب"[1].

كذلك ابن قتيبة في دفاعه عن القرآن: "فأمّا التّكرار، الأنباء والقصص، فإنّ الله تبارك وتعالى أنزل القرآن نجوما في ثلاث وعشرين سنة بفرض بعد فرض: تيسيرا منه على العباد، وتدريجا لهم إلى كمال دينه، ووعظ بعد وعظ: تنبيها لهم من سنة غفلة وشحذا لقلوبهم بمتجدِّد الموعظة"[2].

كذلك الخطابي: "وأمّا ما عابوه من التكرار، فإنّ تكرار الكلام على ضربين أحدهما مذموم، هو ما كان مستغنى عنه، غير مستفاد به زيادة معنى لم يستعيدوه بالكلام الأول، لأنّه حينئذ يكون فضلا من القول، وليس في القرآن شيء من هذا"[3].

وعدّه ابن رشيق من أصول البديع: "وللتكرار مواضع يحسن فيها، ومواضع يقبح فيها، فأكثر ما يقع التكرار في الألفاظ دون المعاني، وهو في المعاني دون الألفاظ أقلّ"[4]. أمّا الزركشي فنظر إليه على أنّه من علم المشابه: "وهو إيراد القصة الواحدة في صور شتى وفواصل مختلفة. ويكثر في إيراد القصص والأنباء، وحكمته التصرف قي الكلام وإتيانه على ضروب؛ ليعلمهم عجزهم عن جميع طرق ذلك: مبتدأ به ومتكرر"[5].

التكرار فنّ قولي من الأساليب المعروفة عند العرب، بل هو من محاسن الفصاحة(1). يقول الجاحظ مبيّنًا الفائدة منه: "إن الناس لو استغنوا عن التكرير _ التكرار _ وكفوا مئونة البحث والتنقير لقلّ اعتبارهم. ومن قلّ اعتباره قلّ علمه، ومن قلّ علمه قلّ فضله، ومن قلّ فضله كثُر نقصه، ومن قلّ علمه وفضله وكثُر نقصه لم يُحمد على خير أتاه، ولم يُذمّ على شرّ جناه، ولم يجد طعم العزّ، ولا سرور الظفر، ولا روح الرجاء، ولا برد اليقين ولا راحة الأمن.."(2). فهذا لو استغنى البشر في الكلام عن التكرار، فما بالك إذن بكلام ربّ البشر سبحانه؟

ولذلك نجد أن التكرار ورد في القرآن كثيرًا. ومع أن الأسلوب في الكلام العادي قد لا يسلم معه من القلق والإضطراب، إلا أنه جاء في كلام الله مُحْكَمًا. ولكون هذه الظاهرة بارزة في القرآن، فقد تعرّض لها المفسّرون والبلاغيون، وبيّنوا جزءًا من أبعادها ودلالاتها على اختلاف مواقعها، كما وحاولوا التعرّف على محاورها وأنماطها التي تمثّلت في تكرار حروف وكلمات، وتكرار بدايات وفواصل، وتكرار جمل وآيات، وتكرار قصص وأنباء..(3).

إلا أنهم اختلفوا في دلالة توظيفها، فانقسموا إلى فريقين. ففي حين رأى فريق في التكرار ظاهرة ملحّة، يرتكز عليها القرآن الكريم في بنيته، لا سيّما أن من وظائفه البلاغة والتأكيد على المعنى المقصود من الألفاظ المكرّرة(4)، نفى الفريق الآخر التكرار من القرآن تمامًا، بادّعاء عدم الفائدة من تكرار اللفظ نفسه في السياق نفسه للمعنى نفسه. فحتى لو كانت الألفاظ مكرّرة، فإنها تدلّ بنظرهم على معانٍ مختلفة(5).

ومع أن الغرض من هذا البحث، ليس تقصّى نقاط الخلاف بين الفريقين، ولا الإحاطة بظاهرة التكرار من جميع جوانبها _ فنحن لسنا هنا في موضع يُراد فيه إثبات مشروعية التكرار، وإنما في موضع يبحث عن مزايا التعبير القرآني، ومنها التكرار، ومن ثم توضيح علاقة هذه الظاهرة بالإعجاز العددي _ إلا أن معرفة الوظائف التي يؤدّيها التكرار في القرآن، قد يفيد القاريء في إدراك الطريق الذي سنسلكه قريبًا، حين نقوم بتوظيف فائدة جديدة له؛ ولبيان هذا المسلك لا بدّ أن نتحدّث عن ماهيّة هذه الظاهرة. فما هو التكرار؟ وكيف يتجلّى في القرآن الكريم؟



حجم الكتاب عند التحميل : 88 كيلوبايت .
نوع الكتاب : rar.
عداد القراءة: عدد قراءة ظاهرة التكرار في القرآن الكريم

اذا اعجبك الكتاب فضلاً اضغط على أعجبني
و يمكنك تحميله من هنا:

تحميل ظاهرة التكرار في القرآن الكريم
شكرًا لمساهمتكم

شكراً لمساهمتكم معنا في الإرتقاء بمستوى المكتبة ، يمكنكم االتبليغ عن اخطاء او سوء اختيار للكتب وتصنيفها ومحتواها ، أو كتاب يُمنع نشره ، او محمي بحقوق طبع ونشر ، فضلاً قم بالتبليغ عن الكتاب المُخالف:

برنامج تشغيل ملفات rarقبل تحميل الكتاب ..
يجب ان يتوفر لديكم برنامج تشغيل وقراءة ملفات rar
يمكن تحميلة من هنا 'http://www.rarlab.com/download.htm'

المؤلف:
أ.د/ عبد الشافي أحمد على الشيخ - A.D/ ABD ALSHAFI AHMD ALA ALSHIKH

كتب أ.د/ عبد الشافي أحمد على الشيخ ❰ له مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ ظاهرة التكرار في القرآن الكريم ❝ ❞ الفراسة في القرآن الكريم ❝ ❱. المزيد..

كتب أ.د/ عبد الشافي أحمد على الشيخ