❞ رواية كتيبة سوداء ❝  ⏤ محمد المنسي قنديل

❞ رواية كتيبة سوداء ❝ ⏤ محمد المنسي قنديل

كتيبة سوداء لـ محمد المنسي قنديل
إنها رواية عن الحرب والحب والمصير الإنساني، كتيبة من الجنود السود ترحل إلى أرض غريبة، لا تعرف لغتها ولا أهلها ولا تضاريس أرضها، وعليها أن تخوض حربا لا تهدأ ضد عدو مجهول، بلا تردد ولا تراجع وإلا كان الموت مصيرهم. انهم جزء من لعبة لا يعرفون مداها، فيها أباطرة وملوك وملكات، تحركهم جميعاً قوى دولية لا تكف عن التناحر، ولكن وسط هذا يستيقظ صوت الانسان المفرد وهو يقاوم مصيره، بحثا عن لحظة من الحب والسكينة.
إنها رواية ضد العبودية والقهر، تمجيدا للشجاعة والصلادة البشرية، وهي في النهاية تلقي الضوء على منطقة مجهولة من التاريخ المصري.


في القرن التاسع عشر، في مكانٍ ما، كانت هناك قبيلة مسالمة تعيش شبه منعزلة عن العالم، سكانها من السُوْد، رجال ونساء بسطاء، هَمّهُم الأكبر هو الحصول على غذاء يومهم بسلام؛ يحكمهم قائد لا يختلف عنهم كثيرًا، اللهم إلّا بعض البأس والقوة المتوقعة من رجل في منصب القيادة. تهبط على تلك القبيلة في يوم من الأيام سفينة، تحمل على متنها تاجرًا للرقيق يُدعى " ود الزبير "، يستقر على شاطئهم، تمضي عدة أيام في توجس وريبة من الطرفين، رجال السفينة وأهل القبيلة يراقب كل منهم الآخر في صمت، حتى يأذن القائد لرب السفينة بالهبوط إلى القرية وملاقاته، ليُفاجأ القائد بأن التاجر يحمل معه أسلحة غامضة لم ير مثلها من قبل، أسلحة تقذف نارًا وتصيب الهدف في مقتل على بعد عشرات الأمتار، أسلحة لو امتلكتها قبيلته الفقيرة البسيطة لصارت قوة عظيمة يستغلها في فرض سيطرته على ما حولهم من قبائل لا تقل عنهم بساطةً وضعفًا. ولكن ما الثمن؟، الثمن هو عشرات من الرجال لصاحب السفينة " ود الزبير " يتسلمهم كعبيد يتاجر بهم في بلاد أخرى. السلاح مغري، وشهوة السلطة – ولو كانت بين ضعيف وأضعف منه – تظل مغرية، والمقابل صعب ولكنه ليس مستحيلًا. لذا، تنتصر شهوة السلطة وتظهر معها الخيانة، ليقود قائد القبيلة العشرات من رجال قريته تحت تهديد السلاح ويجبرهم على الذهاب مع التاجر قهرًا، ولتنتهى الصفقة بمشهد مأساوي يُنتزع فيه الرجال البسطاء من أحضان الأبناء والزوجات، ويُساقوا بالقهر والسلاح حتى تحملهم السفينة وتغادر، وسط صرخات الأمهات والأطفال التي يتردد صداها في أنحاء ذلك المكان المعزول.

في مكانٍ آخر، في قارةٍ أخرى، ملك وملكة من النمسا يستعدان للسفر إلى أمريكا الجنوبية، بأمرٍ من الحملة الفرنسية بقيادة " نابليون" كي يتولوا حكم المكسيك بإشراف من الفرنسيين، في فترة تاريخية عصيبة شهدت حروبًا عنيفة على المستوى الدوليّ والمحليّ: حرب بين أمريكا وفرنسا وإنجلترا والمكسيك وغيرهم، وحرب داخلية في المكسيك نفسها بين الفرنسيين والمتمردين من الشعب المكسيكي. قرار الانتقال من نعيم أوروبا إلى جحيم المكسيك لم يكن سهلًا على الملك الشاب المحب للحياة والطبيعة والجمال، المقدِس للأزهار والورود، الغير طامع في سلطة بهذا الشكل المخزي؛ ولكن الملكة كانت متحمسة لهذه الفرصة التي لن تتكرر، الطريق يُمهد لهم لإنشاء إمبراطوريتهم الخاصة في بلادٍ بعيدة. وتحت ضغط الملكة المخدوعة بسراب الحكم، وضغط القائد الفرنسي نابليون، لا يجد الحاكم النمساوي الشاب مفرًا من قبول العرض وتسلم مقاليد الحكم في المكسيك، رغم علمه أنه حكمًا لن يخلو من تدخلات فرنسا، ومع قرار داخلي بالتخلص من القيود الفرنسية فور أن يبسط عرشه الامبراطوري في المكسيك كما ينبغى.

تمضي السفينة بحمولتها من الرجال المغلوبين على أمرهم، الذين سُلبت حريتهم في غمضة عين، وتحولوا من مزارعين مسالمين إلى عبيد يُباعون ويُشتَرون بين ليلةٍ وضُحاها، قاع السفينة الحاضن لعشرات الأجساد أشبه ما يكون بالقبر، لا مجال فيه للتفكير في الطعام والشراب وسط انعدام الهواء حد الاختناق، معركة خاسرة تدور في قاع السفينة بين الأجساد المنهكة وملك الموت الذي يلوح لهم في الأفق طول الوقت معلنًا انتصاره بقبض روح أحدهم بين الحين والآخر، تمضي الشهور في رحلة كابوسية، وبعد المرور بعدة محطات لا علم لهم بها، تهبط بهم السفينة في مكانٍ غريب، يرون جنودًا وأسلحة عجيبة، وأُناسًا يشبهونهم تمامًا، أتوا لهذه البقعة المجهولة من بقاع أخرى مجهولة أيضًا، ليجمعهم مصير واحد على أرض غريبة تجبرهم على التجنيد، والإمساك بالسلاح، والمشاركة في الحرب!. يكتمون صرخاتهم: بحق الله!..أي حرب هذه؟ نحارب لمن وضد من؟.. لا مجال لطرح الأسئلة، قاتل كما يقاتل من حولك، ونفذ الأوامر في صمت.

الإمبراطور وزوجته يصلان إلى وجهتهم، ومن الأيام الأولى، تتحول أحلامهم الوردية إلى كوابيس تطاردهم ليلًا ونهارًا، الديون تلاحقهم قبل أن يدخلوا القصر، المتمردون يطاردونهم، الامبراطورية الوليدة تنهار من قبل أن تُبنى، والجحيم يبتسم لهم مستهزءًا من سذاجتهم.

الكتيبة السوداء تتقدم، تقاتل وتحارب، تقتل كل يوم جنودًا غرباء، أحيانًا من البيض وأحيانًا من السود، لا يهم، المهم أن يصوبوا في الاتجاه المرغوب بدون تفكير، لم يكتفوا بجلبهم لهذا الجحيم كالحيوانات مسلوبة الإرادة بل ويرغبون أيضًا في تحويلهم لآلات للحرب، آلات لا عقل لها ولا قلب، لا عاطفة ولا مشاعر، آلات تتحرك بوقود الرصاص وسيول الدم.

المتلاعب بمصير كلا القصتين هو القائد الفرنسي، الذي يضخ الجنود للحرب، ويرسل الملوك للحكم وفقًا لهواه. وهنا، يأتي دور المنسي قنديل، في صُنع العالم الروائي الخصب، لا وفقًا لأهواء القائد الفرنسي هذه المرة، وإنما لأهواء المنسي قنديل فقط.

التحرك ضد العاصفة، الخروج عن القطيع، التعبير عن الذات، الزهور النابتة وسط الخراب.. كل ذلك يصلح للتعبير عما فعلته شخصيات عظيمة، مرسومة بحرفية لا مثيل لها، لتصنع لنا حبكة من أعظم ما يكون. يظهر الحب من حيث لا ندري، كعادته يغير دفّة الأحداث، ويتلاعب بقلوب أبطال الحكاية وقلوبنا. الحب يعيد لوحوش الكتيبة السوداء انسانيتها، يعيد لقلوبهم النبض، ويشعل في دواخلهم نعمة الاحساس بالحياة من جديد. أحدهم يقع في حب امرأة تملك حانة للخمور، آخر يتعلق بامرأة بصقت في وجهه عندما أُسِر في أحد السجون، وثالث تقوده الأقدار للإمبراطورة، التي يأست من الفوز بدفء الحب من زوجها.

نمضي مع خَطيّ الأحداث بالتوازي، مشهد من رحلة الكتيبة السوداء، ومشهد من رحلة الإمبراطور وزوجته. تتوالي الحروب والصراعات هنا وهناك، نتعاطف مع كل شخصية داخل الرواية بلا استثناء، نندمج داخل هذه الحقبة التاريخية العجيبة بكل تفاصيلها، حتى نصل لنقطة التقاء خَطيّ الأحداث في الثُلث الأخير من الرواية، لترتفع درجة المتعة إلى أقصى درجاتها. حب وكره وحزن وفرح وغضب وهدوء وتعاطف وسخط .. يا إلهي!، مزيج عجيب ومدهش من العواطف والمشاعر التي تجعل ضربات قلبك تضطرب اضطرابًا. تشتعل الأحداث، وتظهر الصدمات الواحدة تلو الأخرى كلما اقتربت من النهاية، نبكي هنا ونضحك هناك، نكتم أنفاسنا للحظات ثم نتنهد تنهيدة طويلة بين الحين والآخر عقب كل حدث محوريّ.




...................
محمد المنسي قنديل - ولد في المحلة الكبرى عام 1949 وتخرج من كلية طب المنصورة ثم تفرغ للكتابة و حصل على جائزة نادى القصة عام 1970 ثم حصل على جائزة الدولة التشجيعية عام 1988 على مجموعته القصصية : من قتل مريم الصافي. صدرت له عن دار الهلال روايات قمر على سمرقند ، بيع نفس بشرية، انكسار الروح.

يكتب للأطفال كما يؤمن بأهمية إعادة كتابة تراثنا العربى برؤية معاصرة و أصدر كتابين فى هذا المجال هما : شخصيات حية من الأغانى ووقائع عربية. كتب أكثر من سيناريو للسينما والتليفزيون منهم سيناريو فيلم أيس كريم فى جليم للمخرج خيرى بشارة.

❰ له مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ كتيبة سوداء ❝ ❞ عظماء في طفولتهم ❝ ❞ انكسار الروح ❝ ❞ قمر على سمرقند ❝ ❞ لحظة تاريخ ❝ ❞ من قتل مريم الصافى ❝ ❞ ثلاث حكايات عن الغضب ❝ ❞ آدم من طين ❝ ❞ احتضار قط عجوز ❝ الناشرين : ❞ دار المعارف ❝ ❞ دار الشروق للنشر والتوزيع: مصر - لبنان ❝ ❞ دار الفكر للطباعة والنشر بسوريا ❝ ❞ دار الكرمة للنشر والتوزيع ❝ ❞ دار الشروق ❝ ❞ دار ليلى كيان كورب للنشر والتوزيع ❝ ❞ دار ميريت للنشر ❝ ❱
من روايات وقصص عالمية - مكتبة القصص والروايات والمجلّات.


اقتباسات من رواية كتيبة سوداء

نبذة عن الكتاب:
كتيبة سوداء

2015م - 1445هـ
كتيبة سوداء لـ محمد المنسي قنديل
إنها رواية عن الحرب والحب والمصير الإنساني، كتيبة من الجنود السود ترحل إلى أرض غريبة، لا تعرف لغتها ولا أهلها ولا تضاريس أرضها، وعليها أن تخوض حربا لا تهدأ ضد عدو مجهول، بلا تردد ولا تراجع وإلا كان الموت مصيرهم. انهم جزء من لعبة لا يعرفون مداها، فيها أباطرة وملوك وملكات، تحركهم جميعاً قوى دولية لا تكف عن التناحر، ولكن وسط هذا يستيقظ صوت الانسان المفرد وهو يقاوم مصيره، بحثا عن لحظة من الحب والسكينة.
إنها رواية ضد العبودية والقهر، تمجيدا للشجاعة والصلادة البشرية، وهي في النهاية تلقي الضوء على منطقة مجهولة من التاريخ المصري.


في القرن التاسع عشر، في مكانٍ ما، كانت هناك قبيلة مسالمة تعيش شبه منعزلة عن العالم، سكانها من السُوْد، رجال ونساء بسطاء، هَمّهُم الأكبر هو الحصول على غذاء يومهم بسلام؛ يحكمهم قائد لا يختلف عنهم كثيرًا، اللهم إلّا بعض البأس والقوة المتوقعة من رجل في منصب القيادة. تهبط على تلك القبيلة في يوم من الأيام سفينة، تحمل على متنها تاجرًا للرقيق يُدعى " ود الزبير "، يستقر على شاطئهم، تمضي عدة أيام في توجس وريبة من الطرفين، رجال السفينة وأهل القبيلة يراقب كل منهم الآخر في صمت، حتى يأذن القائد لرب السفينة بالهبوط إلى القرية وملاقاته، ليُفاجأ القائد بأن التاجر يحمل معه أسلحة غامضة لم ير مثلها من قبل، أسلحة تقذف نارًا وتصيب الهدف في مقتل على بعد عشرات الأمتار، أسلحة لو امتلكتها قبيلته الفقيرة البسيطة لصارت قوة عظيمة يستغلها في فرض سيطرته على ما حولهم من قبائل لا تقل عنهم بساطةً وضعفًا. ولكن ما الثمن؟، الثمن هو عشرات من الرجال لصاحب السفينة " ود الزبير " يتسلمهم كعبيد يتاجر بهم في بلاد أخرى. السلاح مغري، وشهوة السلطة – ولو كانت بين ضعيف وأضعف منه – تظل مغرية، والمقابل صعب ولكنه ليس مستحيلًا. لذا، تنتصر شهوة السلطة وتظهر معها الخيانة، ليقود قائد القبيلة العشرات من رجال قريته تحت تهديد السلاح ويجبرهم على الذهاب مع التاجر قهرًا، ولتنتهى الصفقة بمشهد مأساوي يُنتزع فيه الرجال البسطاء من أحضان الأبناء والزوجات، ويُساقوا بالقهر والسلاح حتى تحملهم السفينة وتغادر، وسط صرخات الأمهات والأطفال التي يتردد صداها في أنحاء ذلك المكان المعزول.

في مكانٍ آخر، في قارةٍ أخرى، ملك وملكة من النمسا يستعدان للسفر إلى أمريكا الجنوبية، بأمرٍ من الحملة الفرنسية بقيادة " نابليون" كي يتولوا حكم المكسيك بإشراف من الفرنسيين، في فترة تاريخية عصيبة شهدت حروبًا عنيفة على المستوى الدوليّ والمحليّ: حرب بين أمريكا وفرنسا وإنجلترا والمكسيك وغيرهم، وحرب داخلية في المكسيك نفسها بين الفرنسيين والمتمردين من الشعب المكسيكي. قرار الانتقال من نعيم أوروبا إلى جحيم المكسيك لم يكن سهلًا على الملك الشاب المحب للحياة والطبيعة والجمال، المقدِس للأزهار والورود، الغير طامع في سلطة بهذا الشكل المخزي؛ ولكن الملكة كانت متحمسة لهذه الفرصة التي لن تتكرر، الطريق يُمهد لهم لإنشاء إمبراطوريتهم الخاصة في بلادٍ بعيدة. وتحت ضغط الملكة المخدوعة بسراب الحكم، وضغط القائد الفرنسي نابليون، لا يجد الحاكم النمساوي الشاب مفرًا من قبول العرض وتسلم مقاليد الحكم في المكسيك، رغم علمه أنه حكمًا لن يخلو من تدخلات فرنسا، ومع قرار داخلي بالتخلص من القيود الفرنسية فور أن يبسط عرشه الامبراطوري في المكسيك كما ينبغى.

تمضي السفينة بحمولتها من الرجال المغلوبين على أمرهم، الذين سُلبت حريتهم في غمضة عين، وتحولوا من مزارعين مسالمين إلى عبيد يُباعون ويُشتَرون بين ليلةٍ وضُحاها، قاع السفينة الحاضن لعشرات الأجساد أشبه ما يكون بالقبر، لا مجال فيه للتفكير في الطعام والشراب وسط انعدام الهواء حد الاختناق، معركة خاسرة تدور في قاع السفينة بين الأجساد المنهكة وملك الموت الذي يلوح لهم في الأفق طول الوقت معلنًا انتصاره بقبض روح أحدهم بين الحين والآخر، تمضي الشهور في رحلة كابوسية، وبعد المرور بعدة محطات لا علم لهم بها، تهبط بهم السفينة في مكانٍ غريب، يرون جنودًا وأسلحة عجيبة، وأُناسًا يشبهونهم تمامًا، أتوا لهذه البقعة المجهولة من بقاع أخرى مجهولة أيضًا، ليجمعهم مصير واحد على أرض غريبة تجبرهم على التجنيد، والإمساك بالسلاح، والمشاركة في الحرب!. يكتمون صرخاتهم: بحق الله!..أي حرب هذه؟ نحارب لمن وضد من؟.. لا مجال لطرح الأسئلة، قاتل كما يقاتل من حولك، ونفذ الأوامر في صمت.

الإمبراطور وزوجته يصلان إلى وجهتهم، ومن الأيام الأولى، تتحول أحلامهم الوردية إلى كوابيس تطاردهم ليلًا ونهارًا، الديون تلاحقهم قبل أن يدخلوا القصر، المتمردون يطاردونهم، الامبراطورية الوليدة تنهار من قبل أن تُبنى، والجحيم يبتسم لهم مستهزءًا من سذاجتهم.

الكتيبة السوداء تتقدم، تقاتل وتحارب، تقتل كل يوم جنودًا غرباء، أحيانًا من البيض وأحيانًا من السود، لا يهم، المهم أن يصوبوا في الاتجاه المرغوب بدون تفكير، لم يكتفوا بجلبهم لهذا الجحيم كالحيوانات مسلوبة الإرادة بل ويرغبون أيضًا في تحويلهم لآلات للحرب، آلات لا عقل لها ولا قلب، لا عاطفة ولا مشاعر، آلات تتحرك بوقود الرصاص وسيول الدم.

المتلاعب بمصير كلا القصتين هو القائد الفرنسي، الذي يضخ الجنود للحرب، ويرسل الملوك للحكم وفقًا لهواه. وهنا، يأتي دور المنسي قنديل، في صُنع العالم الروائي الخصب، لا وفقًا لأهواء القائد الفرنسي هذه المرة، وإنما لأهواء المنسي قنديل فقط.

التحرك ضد العاصفة، الخروج عن القطيع، التعبير عن الذات، الزهور النابتة وسط الخراب.. كل ذلك يصلح للتعبير عما فعلته شخصيات عظيمة، مرسومة بحرفية لا مثيل لها، لتصنع لنا حبكة من أعظم ما يكون. يظهر الحب من حيث لا ندري، كعادته يغير دفّة الأحداث، ويتلاعب بقلوب أبطال الحكاية وقلوبنا. الحب يعيد لوحوش الكتيبة السوداء انسانيتها، يعيد لقلوبهم النبض، ويشعل في دواخلهم نعمة الاحساس بالحياة من جديد. أحدهم يقع في حب امرأة تملك حانة للخمور، آخر يتعلق بامرأة بصقت في وجهه عندما أُسِر في أحد السجون، وثالث تقوده الأقدار للإمبراطورة، التي يأست من الفوز بدفء الحب من زوجها.

نمضي مع خَطيّ الأحداث بالتوازي، مشهد من رحلة الكتيبة السوداء، ومشهد من رحلة الإمبراطور وزوجته. تتوالي الحروب والصراعات هنا وهناك، نتعاطف مع كل شخصية داخل الرواية بلا استثناء، نندمج داخل هذه الحقبة التاريخية العجيبة بكل تفاصيلها، حتى نصل لنقطة التقاء خَطيّ الأحداث في الثُلث الأخير من الرواية، لترتفع درجة المتعة إلى أقصى درجاتها. حب وكره وحزن وفرح وغضب وهدوء وتعاطف وسخط .. يا إلهي!، مزيج عجيب ومدهش من العواطف والمشاعر التي تجعل ضربات قلبك تضطرب اضطرابًا. تشتعل الأحداث، وتظهر الصدمات الواحدة تلو الأخرى كلما اقتربت من النهاية، نبكي هنا ونضحك هناك، نكتم أنفاسنا للحظات ثم نتنهد تنهيدة طويلة بين الحين والآخر عقب كل حدث محوريّ.




................... .
المزيد..

تعليقات القرّاء:


في القرن التاسع عشر، في مكانٍ ما، كانت هناك قبيلة مسالمة تعيش شبه منعزلة عن العالم، سكانها من السُوْد، رجال ونساء بسطاء، هَمّهُم الأكبر هو الحصول على غذاء يومهم بسلام؛ يحكمهم قائد لا يختلف عنهم كثيرًا، اللهم إلّا بعض البأس والقوة المتوقعة من رجل في منصب القيادة. تهبط على تلك القبيلة في يوم من الأيام سفينة، تحمل على متنها تاجرًا للرقيق يُدعى " ود الزبير "، يستقر على شاطئهم، تمضي عدة أيام في توجس وريبة من الطرفين، رجال السفينة وأهل القبيلة يراقب كل منهم الآخر في صمت، حتى يأذن القائد لرب السفينة بالهبوط إلى القرية وملاقاته، ليُفاجأ القائد بأن التاجر يحمل معه أسلحة غامضة لم ير مثلها من قبل، أسلحة تقذف نارًا وتصيب الهدف في مقتل على بعد عشرات الأمتار، أسلحة لو امتلكتها قبيلته الفقيرة البسيطة لصارت قوة عظيمة يستغلها في فرض سيطرته على ما حولهم من قبائل لا تقل عنهم بساطةً وضعفًا. ولكن ما الثمن؟، الثمن هو عشرات من الرجال لصاحب السفينة " ود الزبير " يتسلمهم كعبيد يتاجر بهم في بلاد أخرى. السلاح مغري، وشهوة السلطة – ولو كانت بين ضعيف وأضعف منه – تظل مغرية، والمقابل صعب ولكنه ليس مستحيلًا. لذا، تنتصر شهوة السلطة وتظهر معها الخيانة، ليقود قائد القبيلة العشرات من رجال قريته تحت تهديد السلاح ويجبرهم على الذهاب مع التاجر قهرًا، ولتنتهى الصفقة بمشهد مأساوي يُنتزع فيه الرجال البسطاء من أحضان الأبناء والزوجات، ويُساقوا بالقهر والسلاح حتى تحملهم السفينة وتغادر، وسط صرخات الأمهات والأطفال التي يتردد صداها في أنحاء ذلك المكان المعزول.

في مكانٍ آخر، في قارةٍ أخرى، ملك وملكة من النمسا يستعدان للسفر إلى أمريكا الجنوبية، بأمرٍ من الحملة الفرنسية بقيادة " نابليون" كي يتولوا حكم المكسيك بإشراف من الفرنسيين، في فترة تاريخية عصيبة شهدت حروبًا عنيفة على المستوى الدوليّ والمحليّ: حرب بين أمريكا وفرنسا وإنجلترا والمكسيك وغيرهم، وحرب داخلية في المكسيك نفسها بين الفرنسيين والمتمردين من الشعب المكسيكي. قرار الانتقال من نعيم أوروبا إلى جحيم المكسيك لم يكن سهلًا على الملك الشاب المحب للحياة والطبيعة والجمال، المقدِس للأزهار والورود، الغير طامع في سلطة بهذا الشكل المخزي؛ ولكن الملكة كانت متحمسة لهذه الفرصة التي لن تتكرر، الطريق يُمهد لهم لإنشاء إمبراطوريتهم الخاصة في بلادٍ بعيدة. وتحت ضغط الملكة المخدوعة بسراب الحكم، وضغط القائد الفرنسي نابليون، لا يجد الحاكم النمساوي الشاب مفرًا من قبول العرض وتسلم مقاليد الحكم في المكسيك، رغم علمه أنه حكمًا لن يخلو من تدخلات فرنسا، ومع قرار داخلي بالتخلص من القيود الفرنسية فور أن يبسط عرشه الامبراطوري في المكسيك كما ينبغى. 

تمضي السفينة بحمولتها من الرجال المغلوبين على أمرهم، الذين سُلبت حريتهم في غمضة عين، وتحولوا من مزارعين مسالمين إلى عبيد يُباعون ويُشتَرون بين ليلةٍ وضُحاها، قاع السفينة الحاضن لعشرات الأجساد أشبه ما يكون بالقبر، لا مجال فيه للتفكير في الطعام والشراب وسط انعدام الهواء حد الاختناق، معركة خاسرة تدور في قاع السفينة بين الأجساد المنهكة وملك الموت الذي يلوح لهم في الأفق طول الوقت معلنًا انتصاره بقبض روح أحدهم بين الحين والآخر، تمضي الشهور في رحلة كابوسية، وبعد المرور بعدة محطات لا علم لهم بها، تهبط بهم السفينة في مكانٍ غريب، يرون جنودًا وأسلحة عجيبة، وأُناسًا يشبهونهم تمامًا، أتوا لهذه البقعة المجهولة من بقاع أخرى مجهولة أيضًا، ليجمعهم مصير واحد على أرض غريبة تجبرهم على التجنيد، والإمساك بالسلاح، والمشاركة في الحرب!. يكتمون صرخاتهم: بحق الله!..أي حرب هذه؟ نحارب لمن وضد من؟.. لا مجال لطرح الأسئلة، قاتل كما يقاتل من حولك، ونفذ الأوامر في صمت.

الإمبراطور وزوجته يصلان إلى وجهتهم، ومن الأيام الأولى، تتحول أحلامهم الوردية إلى كوابيس تطاردهم ليلًا ونهارًا، الديون تلاحقهم قبل أن يدخلوا القصر، المتمردون يطاردونهم، الامبراطورية الوليدة تنهار من قبل أن تُبنى، والجحيم يبتسم لهم مستهزءًا من سذاجتهم.

الكتيبة السوداء تتقدم، تقاتل وتحارب، تقتل كل يوم جنودًا غرباء، أحيانًا من البيض وأحيانًا من السود، لا يهم، المهم أن يصوبوا في الاتجاه المرغوب بدون تفكير، لم يكتفوا بجلبهم لهذا الجحيم كالحيوانات مسلوبة الإرادة بل ويرغبون أيضًا في تحويلهم لآلات للحرب، آلات لا عقل لها ولا قلب، لا عاطفة ولا مشاعر، آلات تتحرك بوقود الرصاص وسيول الدم. 

المتلاعب بمصير كلا القصتين هو القائد الفرنسي، الذي يضخ الجنود للحرب، ويرسل الملوك للحكم وفقًا لهواه. وهنا، يأتي دور المنسي قنديل، في صُنع العالم الروائي الخصب، لا وفقًا لأهواء القائد الفرنسي هذه المرة، وإنما لأهواء المنسي قنديل فقط. 

التحرك ضد العاصفة، الخروج عن القطيع، التعبير عن الذات، الزهور النابتة وسط الخراب.. كل ذلك يصلح للتعبير عما فعلته شخصيات عظيمة، مرسومة بحرفية لا مثيل لها، لتصنع لنا حبكة من أعظم ما يكون. يظهر الحب من حيث لا ندري، كعادته يغير دفّة الأحداث، ويتلاعب بقلوب أبطال الحكاية وقلوبنا. الحب يعيد لوحوش الكتيبة السوداء انسانيتها، يعيد لقلوبهم النبض، ويشعل في دواخلهم نعمة الاحساس بالحياة من جديد. أحدهم يقع في حب امرأة تملك حانة للخمور، آخر يتعلق بامرأة بصقت في وجهه عندما أُسِر في أحد السجون، وثالث تقوده الأقدار للإمبراطورة، التي يأست من الفوز بدفء الحب من زوجها. 

نمضي مع خَطيّ الأحداث بالتوازي، مشهد من رحلة الكتيبة السوداء، ومشهد من رحلة الإمبراطور وزوجته. تتوالي الحروب والصراعات هنا وهناك، نتعاطف مع كل شخصية داخل الرواية بلا استثناء، نندمج داخل هذه الحقبة التاريخية العجيبة بكل تفاصيلها، حتى نصل لنقطة التقاء خَطيّ الأحداث في الثُلث الأخير من الرواية، لترتفع درجة المتعة إلى أقصى درجاتها. حب وكره وحزن وفرح وغضب وهدوء وتعاطف وسخط .. يا إلهي!، مزيج عجيب ومدهش من العواطف والمشاعر التي تجعل ضربات قلبك تضطرب اضطرابًا. تشتعل الأحداث، وتظهر الصدمات الواحدة تلو الأخرى كلما اقتربت من النهاية، نبكي هنا ونضحك هناك، نكتم أنفاسنا للحظات ثم نتنهد تنهيدة طويلة بين الحين والآخر عقب كل حدث محوريّ.

المنسي قنديل يسرد بأسلوب بديع، يتلاعب بخيوط الحكاية ببراعة منقطعة النظير من أول صفحة لآخر صفحة، وكالعادة، تأتي النهاية " العظيمة جدًا جدًا" فجأة، لتنتهي الرحلة وأنتَ في حالة من الذهول، تستمر لعدة ساعات تتذكر خلالها تفاصيل الحكاية مرة أخرى، ثم تطلق تنهيدة أخيرة، مليئة بالامتنان، مُمنيًا نفسك بلقاءٍ آخر، ورحلة أخرى من قلم المنسي قنديل، في أقرب فرصة، لأنك لا تريد لهذه المتعة الروائية أن تنتهي.. أبدًا. 

كتيبة سوداء
محمد المنسي قنديل قمر على سمرقند pdf
لحظة تاريخ 30 حكاية من الزمن العربي
محمد المنسي قنديل pdf
لحظة تاريخ محمد المنسي قنديل pdf
يوم غائم في البر الغربي
روايات محمد المنسي قنديل



سنة النشر : 2015م / 1436هـ .
حجم الكتاب عند التحميل : 9.9 ميجا بايت .
نوع الكتاب : pdf.
عداد القراءة: عدد قراءة كتيبة سوداء

اذا اعجبك الكتاب فضلاً اضغط على أعجبني
و يمكنك تحميله من هنا:

تحميل كتيبة سوداء
شكرًا لمساهمتكم

شكراً لمساهمتكم معنا في الإرتقاء بمستوى المكتبة ، يمكنكم االتبليغ عن اخطاء او سوء اختيار للكتب وتصنيفها ومحتواها ، أو كتاب يُمنع نشره ، او محمي بحقوق طبع ونشر ، فضلاً قم بالتبليغ عن الكتاب المُخالف:

برنامج تشغيل ملفات pdfقبل تحميل الكتاب ..
يجب ان يتوفر لديكم برنامج تشغيل وقراءة ملفات pdf
يمكن تحميلة من هنا 'http://get.adobe.com/reader/'

المؤلف:
محمد المنسي قنديل - Muhammad Al Mansi Qandil

كتب محمد المنسي قنديل ولد في المحلة الكبرى عام 1949 وتخرج من كلية طب المنصورة ثم تفرغ للكتابة و حصل على جائزة نادى القصة عام 1970 ثم حصل على جائزة الدولة التشجيعية عام 1988 على مجموعته القصصية : من قتل مريم الصافي. صدرت له عن دار الهلال روايات قمر على سمرقند ، بيع نفس بشرية، انكسار الروح. يكتب للأطفال كما يؤمن بأهمية إعادة كتابة تراثنا العربى برؤية معاصرة و أصدر كتابين فى هذا المجال هما : شخصيات حية من الأغانى ووقائع عربية. كتب أكثر من سيناريو للسينما والتليفزيون منهم سيناريو فيلم أيس كريم فى جليم للمخرج خيرى بشارة. ❰ له مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ كتيبة سوداء ❝ ❞ عظماء في طفولتهم ❝ ❞ انكسار الروح ❝ ❞ قمر على سمرقند ❝ ❞ لحظة تاريخ ❝ ❞ من قتل مريم الصافى ❝ ❞ ثلاث حكايات عن الغضب ❝ ❞ آدم من طين ❝ ❞ احتضار قط عجوز ❝ الناشرين : ❞ دار المعارف ❝ ❞ دار الشروق للنشر والتوزيع: مصر - لبنان ❝ ❞ دار الفكر للطباعة والنشر بسوريا ❝ ❞ دار الكرمة للنشر والتوزيع ❝ ❞ دار الشروق ❝ ❞ دار ليلى كيان كورب للنشر والتوزيع ❝ ❞ دار ميريت للنشر ❝ ❱. المزيد..

كتب محمد المنسي قنديل
الناشر:
دار الشروق للنشر والتوزيع: مصر - لبنان
كتب دار الشروق للنشر والتوزيع: مصر - لبنان دار الشروق أحد دور النشر العربية. وهي ناشر عام للكتب السياسية والسير والمذكرات وكتب التاريخ والفلسفة والعلوم الاجتماعية والدين والفكر القومي والكتب الفنية المصورة وكتب الأطفال. ❰ ناشرين لمجموعة من المؤلفات أبرزها ❞ مختصر النحو ❝ ❞ تاجر البندقية ❝ ❞ تراب الماس ❝ ❞ السيرة النبوية المشرفة ❝ ❞ المرأة بحث في سيكولوجية الأعماق ❝ ❞ جسمك كيف يعمل رحلة داخل جسم الإنسان ❝ ❞ حول العالم فى 200 يوم ❝ ❞ الذين عادوا إلى السماء ❝ ❞ هذا الحبيب محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم يا محب ❝ ❞ لعنة الفراعنة وشيء وراء العقل ❝ ❱.المزيد.. كتب دار الشروق للنشر والتوزيع: مصر - لبنان