❞ كتاب أدب القضاء (ط. أوقاف العراق) ❝  ⏤ إبراهيم بن عبد الله الهمذاني الحموي ابن أبي الدم الشافعي

❞ كتاب أدب القضاء (ط. أوقاف العراق) ❝ ⏤ إبراهيم بن عبد الله الهمذاني الحموي ابن أبي الدم الشافعي

لما كان موضوع المهارات بما يشمله من أسلوب صياغة القرارات وتسبيبها وإصدار الأحكام فيها وغيرها من أهم ما يتسلّح به القاضي في عمله، فإنّ هذا الأمر يتطلب إلقاء نظرة عابرة على العوامل التي من شأنها مساعدة رجال القضاء في إتقان هذا النوع من المهارة. ولعل أهم هذه العوامل هي القدرة على اختيار الكلمة أو العبارة السليمة التي تعبر عن المعنى تعبيراً صادقاً وهو ما يطلق عليه الأدب؛ فالأدب بمعناه الخاص هو فن التعبير بالكلمة سواء كانت مسموعة أو مقروءة عن الأفكار والآراء. وطالما كان الأدب بهذا المعنى يعتمد على الكلمة فهي إذن الأساس في هذا الفن. والكلمة هي اللغة، واللغة هي القاعدة في القدرة على التعبير. فلا يستطيع أي إنسان أن يعبر عن أفكاره ما لم يكن عالما بلغته محيطاً بقواعدها، ويجب على رجال القانون عموماً أن تكون لديهم القدرة اللغوية التي تمكنهم من التعبير السليم عن أفكارهم وهو ما يمكن تسميته في مجال عملنا بالأدب القضائي ذلك أنه إذا كانت اللغة لازمة لكل عمل يتصل بالتعبير عن الأفكار أو الآراء، فإنه ألزم بالنسبة للعمل القانوني بوجه عام والعمل القضائي بوجه خاص.

ومن أجل ذلك أولت المعاهد القضائية بالدول العربية،وعلى رأسها المركز القومي للدراسات القضائية بجمهورية مصر العربية أهمية خاصة للغة وأدرجتها في مساق برامجها التعليمية وقامت بتنظيم دراسات في بعض جوانبها.



ومن أهم ما نشر بهذا الصدد المحاضرة التي سبق وأن تحدث فيها الأستاذ المستشار/ أحمد فتحي مرسي – نائب رئيس محكمة النقض المصرية بتاريخ 31/8/87 إلى أعضاء إحدى الدورات التدريبية عن موضوع “الأدب القضائي وقواعد اللغة” وبين فيها أهمية وضرورة إلمام رجال القانون بلغتهم أياً كان طبيعة العمل الذي يقومون به،والتي نقتبس هنا بعض ما جاء فيها.

فالمشرع يحتاج إلى اللغة في صياغة القانون، ووكيل النيابة يحتاج إليها في المرافعة وكتابة المذكرات، والقاضي يحتاج إلى اللغة في كتابة الأحكام، وليس مبالغةً القولُ أن اللغة تمثل نصف العمل القانوني أو العمل القضائي، فالعمل القضائي نصفه لغة ونصفه قانون. ذلك أن الأفكار القانونية تظل حبيسة في الذهن إلى أن تنتقل إلى السامع أو إلى القارئ عن طريق اللغة. كما يمكن القول أن رجال القضاء لا يتمايزون فيما بينهم بالعلم بالقانون بقدر ما يكون هذا التمايز بالثقافة اللغوية، فالعلم بقواعد اللغة ليس المقصود به التأنق في أسلوب الكاتب أو المتحدث بل التمكن أيضاً من قواعد النحو نظراً لان اللغة العربية تختلف عن غيرها من اللغات في أن قواعد النحو تمثل جزءاً من معنى العبارة وأي خلل فيها يؤدي إلى اختلال المعنى، بل أن الخطأ في علامات الإعراب تقلب المعنى تماماً مما يتطلب معه ضرورة العلم بهذه القواعد التي من شأن العلم بها أن تؤدي العبارة المعنى المطلوب أو المعنى المقصود منها.

الأسلوب :

ومن مجموع العبارات الصحيحة يتألف أسلوب الكاتب أو المتحدث باعتباره المنهج أو الطريقة التي يتبعها في اختيار عباراته وعرض أفكاره، وهو يختلف بهذا المعنى من إنسان لآخر ومن موضوع لموضوع. فالكاتب عندما يعالج موضوعاً سياسياً يختلف في أسلوبه عما لو كان الموضوع عاطفياً أو علمياً. وفي نطاق العمل القانوني يختلف الأسلوب في التشريع عن الأسلوب في المرافعة عنه في كتابة القرار عن الأسلوب في كتابة الحكم.

– أسلوب التشريع :

فالتشريع مثلاً يخاطب الناس جميعاً على اختلاف مداركهم وثقافتهم وأفهامهم. لذلك يجب أن يتخير المشرع العبارة البسيطة السهلة الواضحة التي يمكن أن يفهمها كل الناس.

كذلك يجب أن يختار المشرع العبارة المرنة التي تتسع لكل الصور، سواء الصورة الموجودة وقت التشريع أو الصورة المحتملة مستقبلاً. فالتشريع يجب فيه الاستقرار ولا نستطيع أن نعدل التشريع كل يوم لمواجهة صورة جديدة كنا نستطيع أن نواجهها لو اتبعنا الأسلوب المرن في صياغة التشريع.



فمثلاً: عندما بدأ استخدام القنابل في جرائم العنف في الأربعينيات من هذا القرن في مصر أراد المشرع أن يجرّم حيازة القنابل واستعمالها بما يعرض حياة الناس للخطر، فلم يقل: “كل من حاز قنابل أو استعملها…” وإنما قال: “من حاز مفرقعات” وذلك حتى تتسع الكلمة للمفرقعات الموجودة في ذلك الوقت وكانت القنابل، وتتّسع كذلك لما يُخترع منها مستقبلاً.

مثل آخر: عندما أراد المشرع المصري عند وضع قانون العقوبات سنة 1904 أن يحمي السكك الحديدية من التعطيل أو الاعتداء لم يقل “كل من عطل قطاراً…”، وإنما قال: “كل من عطل وسيلة من وسائل الموصلات العامة”، وذلك حتى يتسع النص للسكك الحديدية التي كانت وسيلة النقل الوحيدة وقتها، ويتسع أيضاً لما يمكن أن ينشأ بعد ذلك من وسائل المواصلات العامة كالطائرات والسيارات بل والصواريخ إذا استخدمت الصورايخ كوسيلة من وسائل النقل مستقبلاً. فالعبارة المرنة إذن مطلوبة في التشريع حتى يستطيع التشريع أن يواجه الصورة الحالية والصور المحتملة مستقبلاً.

– الحكم القضائي :

وعلى العكس من ذلك تماماً، فالعبارة المرنة غير مطلوبة في الحكم القضائي. فلا يستطيع القاضي استخدام عبارة مرنه في الحكم القضائي. فالحكم القضائي يجب أن تكون عباراته دقيقة محددة، فلا يقال مثلا لمن سرق كتاباً أنه سرق وسيلة من وسائل الثقافة، وإنما يجب أن يكون الشيء المسروق محدداً دقيقاً واضحاً. وهذا هو الفرق بين أسلوب التشريع وأسلوب الحكم القضائي.

– أسلوب المرافعة :

اذا تحدثنا بعد ذلك عن لغة المرافعة لوجدنا أن الأسلوب فيها يختلف في خصائصه عن أسلوب التشريع. فالمرافعة مخاطبة لمشاعر القضاة ومخاطبة لعقول القضاة في الوقت ذاته.

هي مخاطبة لمشاعر القضاة عندما يتحدث وكيل النيابة المترافع في أدبيات الدعوى، وعندما يتحدث في جسامة الجريمة وعندما يتحدث عن خطر الجريمة على أمن المجتمع وعندما يتحدث عن أخذ المهتمين بالشدّة.


الكتاب يجمع بين الأدب والفقه، حيث يبحث في الآداب والصفات التي ينبغي أن يتحلى بها القاضي، وكذلك فهو يبحث في أحكام القضاء وفقهه، والشهادة والشهود..
إبراهيم بن عبد الله الهمذاني الحموي ابن أبي الدم الشافعي - ❰ له مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ أدب القضاء (ط. أوقاف العراق) ❝ ❱
من كتب السياسة الشرعية كتب إسلامية متنوعة - مكتبة الكتب والموسوعات العامة.

نبذة عن الكتاب:
أدب القضاء (ط. أوقاف العراق)

1984م - 1446هـ
لما كان موضوع المهارات بما يشمله من أسلوب صياغة القرارات وتسبيبها وإصدار الأحكام فيها وغيرها من أهم ما يتسلّح به القاضي في عمله، فإنّ هذا الأمر يتطلب إلقاء نظرة عابرة على العوامل التي من شأنها مساعدة رجال القضاء في إتقان هذا النوع من المهارة. ولعل أهم هذه العوامل هي القدرة على اختيار الكلمة أو العبارة السليمة التي تعبر عن المعنى تعبيراً صادقاً وهو ما يطلق عليه الأدب؛ فالأدب بمعناه الخاص هو فن التعبير بالكلمة سواء كانت مسموعة أو مقروءة عن الأفكار والآراء. وطالما كان الأدب بهذا المعنى يعتمد على الكلمة فهي إذن الأساس في هذا الفن. والكلمة هي اللغة، واللغة هي القاعدة في القدرة على التعبير. فلا يستطيع أي إنسان أن يعبر عن أفكاره ما لم يكن عالما بلغته محيطاً بقواعدها، ويجب على رجال القانون عموماً أن تكون لديهم القدرة اللغوية التي تمكنهم من التعبير السليم عن أفكارهم وهو ما يمكن تسميته في مجال عملنا بالأدب القضائي ذلك أنه إذا كانت اللغة لازمة لكل عمل يتصل بالتعبير عن الأفكار أو الآراء، فإنه ألزم بالنسبة للعمل القانوني بوجه عام والعمل القضائي بوجه خاص.

ومن أجل ذلك أولت المعاهد القضائية بالدول العربية،وعلى رأسها المركز القومي للدراسات القضائية بجمهورية مصر العربية أهمية خاصة للغة وأدرجتها في مساق برامجها التعليمية وقامت بتنظيم دراسات في بعض جوانبها.



ومن أهم ما نشر بهذا الصدد المحاضرة التي سبق وأن تحدث فيها الأستاذ المستشار/ أحمد فتحي مرسي – نائب رئيس محكمة النقض المصرية بتاريخ 31/8/87 إلى أعضاء إحدى الدورات التدريبية عن موضوع “الأدب القضائي وقواعد اللغة” وبين فيها أهمية وضرورة إلمام رجال القانون بلغتهم أياً كان طبيعة العمل الذي يقومون به،والتي نقتبس هنا بعض ما جاء فيها.

فالمشرع يحتاج إلى اللغة في صياغة القانون، ووكيل النيابة يحتاج إليها في المرافعة وكتابة المذكرات، والقاضي يحتاج إلى اللغة في كتابة الأحكام، وليس مبالغةً القولُ أن اللغة تمثل نصف العمل القانوني أو العمل القضائي، فالعمل القضائي نصفه لغة ونصفه قانون. ذلك أن الأفكار القانونية تظل حبيسة في الذهن إلى أن تنتقل إلى السامع أو إلى القارئ عن طريق اللغة. كما يمكن القول أن رجال القضاء لا يتمايزون فيما بينهم بالعلم بالقانون بقدر ما يكون هذا التمايز بالثقافة اللغوية، فالعلم بقواعد اللغة ليس المقصود به التأنق في أسلوب الكاتب أو المتحدث بل التمكن أيضاً من قواعد النحو نظراً لان اللغة العربية تختلف عن غيرها من اللغات في أن قواعد النحو تمثل جزءاً من معنى العبارة وأي خلل فيها يؤدي إلى اختلال المعنى، بل أن الخطأ في علامات الإعراب تقلب المعنى تماماً مما يتطلب معه ضرورة العلم بهذه القواعد التي من شأن العلم بها أن تؤدي العبارة المعنى المطلوب أو المعنى المقصود منها.

الأسلوب :

ومن مجموع العبارات الصحيحة يتألف أسلوب الكاتب أو المتحدث باعتباره المنهج أو الطريقة التي يتبعها في اختيار عباراته وعرض أفكاره، وهو يختلف بهذا المعنى من إنسان لآخر ومن موضوع لموضوع. فالكاتب عندما يعالج موضوعاً سياسياً يختلف في أسلوبه عما لو كان الموضوع عاطفياً أو علمياً. وفي نطاق العمل القانوني يختلف الأسلوب في التشريع عن الأسلوب في المرافعة عنه في كتابة القرار عن الأسلوب في كتابة الحكم.

– أسلوب التشريع :

فالتشريع مثلاً يخاطب الناس جميعاً على اختلاف مداركهم وثقافتهم وأفهامهم. لذلك يجب أن يتخير المشرع العبارة البسيطة السهلة الواضحة التي يمكن أن يفهمها كل الناس.

كذلك يجب أن يختار المشرع العبارة المرنة التي تتسع لكل الصور، سواء الصورة الموجودة وقت التشريع أو الصورة المحتملة مستقبلاً. فالتشريع يجب فيه الاستقرار ولا نستطيع أن نعدل التشريع كل يوم لمواجهة صورة جديدة كنا نستطيع أن نواجهها لو اتبعنا الأسلوب المرن في صياغة التشريع.



فمثلاً: عندما بدأ استخدام القنابل في جرائم العنف في الأربعينيات من هذا القرن في مصر أراد المشرع أن يجرّم حيازة القنابل واستعمالها بما يعرض حياة الناس للخطر، فلم يقل: “كل من حاز قنابل أو استعملها…” وإنما قال: “من حاز مفرقعات” وذلك حتى تتسع الكلمة للمفرقعات الموجودة في ذلك الوقت وكانت القنابل، وتتّسع كذلك لما يُخترع منها مستقبلاً.

مثل آخر: عندما أراد المشرع المصري عند وضع قانون العقوبات سنة 1904 أن يحمي السكك الحديدية من التعطيل أو الاعتداء لم يقل “كل من عطل قطاراً…”، وإنما قال: “كل من عطل وسيلة من وسائل الموصلات العامة”، وذلك حتى يتسع النص للسكك الحديدية التي كانت وسيلة النقل الوحيدة وقتها، ويتسع أيضاً لما يمكن أن ينشأ بعد ذلك من وسائل المواصلات العامة كالطائرات والسيارات بل والصواريخ إذا استخدمت الصورايخ كوسيلة من وسائل النقل مستقبلاً. فالعبارة المرنة إذن مطلوبة في التشريع حتى يستطيع التشريع أن يواجه الصورة الحالية والصور المحتملة مستقبلاً.

– الحكم القضائي :

وعلى العكس من ذلك تماماً، فالعبارة المرنة غير مطلوبة في الحكم القضائي. فلا يستطيع القاضي استخدام عبارة مرنه في الحكم القضائي. فالحكم القضائي يجب أن تكون عباراته دقيقة محددة، فلا يقال مثلا لمن سرق كتاباً أنه سرق وسيلة من وسائل الثقافة، وإنما يجب أن يكون الشيء المسروق محدداً دقيقاً واضحاً. وهذا هو الفرق بين أسلوب التشريع وأسلوب الحكم القضائي.

– أسلوب المرافعة :

اذا تحدثنا بعد ذلك عن لغة المرافعة لوجدنا أن الأسلوب فيها يختلف في خصائصه عن أسلوب التشريع. فالمرافعة مخاطبة لمشاعر القضاة ومخاطبة لعقول القضاة في الوقت ذاته.

هي مخاطبة لمشاعر القضاة عندما يتحدث وكيل النيابة المترافع في أدبيات الدعوى، وعندما يتحدث في جسامة الجريمة وعندما يتحدث عن خطر الجريمة على أمن المجتمع وعندما يتحدث عن أخذ المهتمين بالشدّة.


الكتاب يجمع بين الأدب والفقه، حيث يبحث في الآداب والصفات التي ينبغي أن يتحلى بها القاضي، وكذلك فهو يبحث في أحكام القضاء وفقهه، والشهادة والشهود.. .
المزيد..

تعليقات القرّاء:

 

لما كان موضوع المهارات بما يشمله من أسلوب صياغة القرارات وتسبيبها وإصدار الأحكام فيها وغيرها من أهم ما يتسلّح به القاضي في عمله، فإنّ هذا الأمر يتطلب إلقاء نظرة عابرة على العوامل التي من شأنها مساعدة رجال القضاء في إتقان هذا النوع من المهارة. ولعل أهم هذه العوامل هي القدرة على اختيار الكلمة أو العبارة السليمة التي تعبر عن المعنى تعبيراً صادقاً وهو ما يطلق عليه الأدب؛ فالأدب بمعناه الخاص هو فن التعبير بالكلمة سواء كانت مسموعة أو مقروءة عن الأفكار والآراء. وطالما كان الأدب بهذا المعنى يعتمد على الكلمة فهي إذن الأساس في هذا الفن. والكلمة هي اللغة، واللغة هي القاعدة في القدرة على التعبير. فلا يستطيع أي إنسان أن يعبر عن أفكاره ما لم يكن عالما بلغته محيطاً بقواعدها، ويجب على رجال القانون عموماً أن تكون لديهم القدرة اللغوية التي تمكنهم من التعبير السليم عن أفكارهم وهو ما يمكن تسميته في مجال عملنا بالأدب القضائي ذلك أنه إذا كانت اللغة لازمة لكل عمل يتصل بالتعبير عن الأفكار أو الآراء، فإنه ألزم بالنسبة للعمل القانوني بوجه عام والعمل القضائي بوجه خاص.

ومن أجل ذلك أولت المعاهد القضائية بالدول العربية،وعلى رأسها المركز القومي للدراسات القضائية بجمهورية مصر العربية أهمية خاصة للغة وأدرجتها في مساق برامجها التعليمية وقامت بتنظيم دراسات في بعض جوانبها.


 
ومن أهم ما نشر بهذا الصدد المحاضرة التي سبق وأن تحدث فيها الأستاذ المستشار/ أحمد فتحي مرسي – نائب رئيس محكمة النقض المصرية بتاريخ 31/8/87 إلى أعضاء إحدى الدورات التدريبية عن موضوع “الأدب القضائي وقواعد اللغة” وبين فيها أهمية وضرورة إلمام رجال القانون بلغتهم أياً كان طبيعة العمل الذي يقومون به،والتي نقتبس هنا بعض ما جاء فيها.

فالمشرع يحتاج إلى اللغة في صياغة القانون، ووكيل النيابة يحتاج إليها في المرافعة وكتابة المذكرات، والقاضي يحتاج إلى اللغة في كتابة الأحكام، وليس مبالغةً القولُ أن اللغة تمثل نصف العمل القانوني أو العمل القضائي، فالعمل القضائي نصفه لغة ونصفه قانون. ذلك أن الأفكار القانونية تظل حبيسة في الذهن إلى أن تنتقل إلى السامع أو إلى القارئ عن طريق اللغة. كما يمكن القول أن رجال القضاء لا يتمايزون فيما بينهم بالعلم بالقانون بقدر ما يكون هذا التمايز بالثقافة اللغوية، فالعلم بقواعد اللغة ليس المقصود به التأنق في أسلوب الكاتب أو المتحدث بل التمكن أيضاً من قواعد النحو نظراً لان اللغة العربية تختلف عن غيرها من اللغات في أن قواعد النحو تمثل جزءاً من معنى العبارة وأي خلل فيها يؤدي إلى اختلال المعنى، بل أن الخطأ في علامات الإعراب تقلب المعنى تماماً مما يتطلب معه ضرورة العلم بهذه القواعد التي من شأن العلم بها أن تؤدي العبارة المعنى المطلوب أو المعنى المقصود منها.

الأسلوب :

ومن مجموع العبارات الصحيحة يتألف أسلوب الكاتب أو المتحدث باعتباره المنهج أو الطريقة التي يتبعها في اختيار عباراته وعرض أفكاره، وهو يختلف بهذا المعنى من إنسان لآخر ومن موضوع لموضوع. فالكاتب عندما يعالج موضوعاً سياسياً يختلف في أسلوبه عما لو كان الموضوع عاطفياً أو علمياً. وفي نطاق العمل القانوني يختلف الأسلوب في التشريع عن الأسلوب في المرافعة عنه في كتابة القرار عن الأسلوب في كتابة الحكم.

– أسلوب التشريع :

فالتشريع مثلاً يخاطب الناس جميعاً على اختلاف مداركهم وثقافتهم وأفهامهم. لذلك يجب أن يتخير المشرع العبارة البسيطة السهلة الواضحة التي يمكن أن يفهمها كل الناس.

كذلك يجب أن يختار المشرع العبارة المرنة التي تتسع لكل الصور، سواء الصورة الموجودة وقت التشريع أو الصورة المحتملة مستقبلاً. فالتشريع يجب فيه الاستقرار ولا نستطيع أن نعدل التشريع كل يوم لمواجهة صورة جديدة كنا نستطيع أن نواجهها لو اتبعنا الأسلوب المرن في صياغة التشريع.


 
فمثلاً: عندما بدأ استخدام القنابل في جرائم العنف في الأربعينيات من هذا القرن في مصر أراد المشرع أن يجرّم حيازة القنابل واستعمالها بما يعرض حياة الناس للخطر، فلم يقل: “كل من حاز قنابل أو استعملها…” وإنما قال: “من حاز مفرقعات” وذلك حتى تتسع الكلمة للمفرقعات الموجودة في ذلك الوقت وكانت القنابل، وتتّسع كذلك لما يُخترع منها مستقبلاً.

مثل آخر: عندما أراد المشرع المصري عند وضع قانون العقوبات سنة 1904 أن يحمي السكك الحديدية من التعطيل أو الاعتداء لم يقل “كل من عطل قطاراً…”، وإنما قال: “كل من عطل وسيلة من وسائل الموصلات العامة”، وذلك حتى يتسع النص للسكك الحديدية التي كانت وسيلة النقل الوحيدة وقتها، ويتسع أيضاً لما يمكن أن ينشأ بعد ذلك من وسائل المواصلات العامة كالطائرات والسيارات بل والصواريخ إذا استخدمت الصورايخ كوسيلة من وسائل النقل مستقبلاً. فالعبارة المرنة إذن مطلوبة في التشريع حتى يستطيع التشريع أن يواجه الصورة الحالية والصور المحتملة مستقبلاً.

– الحكم القضائي :

وعلى العكس من ذلك تماماً، فالعبارة المرنة غير مطلوبة في الحكم القضائي. فلا يستطيع القاضي استخدام عبارة مرنه في الحكم القضائي. فالحكم القضائي يجب أن تكون عباراته دقيقة محددة، فلا يقال مثلا لمن سرق كتاباً أنه سرق وسيلة من وسائل الثقافة، وإنما يجب أن يكون الشيء المسروق محدداً دقيقاً واضحاً. وهذا هو الفرق بين أسلوب التشريع وأسلوب الحكم القضائي.

– أسلوب المرافعة :

اذا تحدثنا بعد ذلك عن لغة المرافعة لوجدنا أن الأسلوب فيها يختلف في خصائصه عن أسلوب التشريع. فالمرافعة مخاطبة لمشاعر القضاة ومخاطبة لعقول القضاة في الوقت ذاته.

هي مخاطبة لمشاعر القضاة عندما يتحدث وكيل النيابة المترافع في أدبيات الدعوى، وعندما يتحدث في جسامة الجريمة وعندما يتحدث عن خطر الجريمة على أمن المجتمع وعندما يتحدث عن أخذ المهتمين بالشدّة.


الكتاب يجمع بين الأدب والفقه، حيث يبحث في الآداب والصفات التي ينبغي أن يتحلى بها القاضي، وكذلك فهو يبحث في أحكام القضاء وفقهه، والشهادة والشهود..

أدب القضاء (ط. أوقاف العراق) من السياسة الشرعية والأحكام السلطانية تحميل مباشر :
 



سنة النشر : 1984م / 1404هـ .
حجم الكتاب عند التحميل : 10.4 ميجا بايت .
نوع الكتاب : pdf.
عداد القراءة: عدد قراءة أدب القضاء (ط. أوقاف العراق)

اذا اعجبك الكتاب فضلاً اضغط على أعجبني
و يمكنك تحميله من هنا:

تحميل أدب القضاء (ط. أوقاف العراق)
شكرًا لمساهمتكم

شكراً لمساهمتكم معنا في الإرتقاء بمستوى المكتبة ، يمكنكم االتبليغ عن اخطاء او سوء اختيار للكتب وتصنيفها ومحتواها ، أو كتاب يُمنع نشره ، او محمي بحقوق طبع ونشر ، فضلاً قم بالتبليغ عن الكتاب المُخالف:

برنامج تشغيل ملفات pdfقبل تحميل الكتاب ..
يجب ان يتوفر لديكم برنامج تشغيل وقراءة ملفات pdf
يمكن تحميلة من هنا 'http://get.adobe.com/reader/'

المؤلف:
إبراهيم بن عبد الله الهمذاني الحموي ابن أبي الدم الشافعي - EBRAHIM BN ABD ALLH ALHMZANI ALHMOI ABN ABI ALDM ALSHAFAI

كتب إبراهيم بن عبد الله الهمذاني الحموي ابن أبي الدم الشافعي ❰ له مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ أدب القضاء (ط. أوقاف العراق) ❝ ❱. المزيد..

كتب إبراهيم بن عبد الله الهمذاني الحموي ابن أبي الدم الشافعي