❞ قصة حين خُطبت الحكاية لي وحدي ❝
حين خُطبت الحكاية لي وحدي كانت فتاة في ربيعها الثامن عشر، تحيا أيامها بسكينةٍ تشبه الريف الهادئ الذي نشأت فيه. لا تعرف من الدنيا سوى دفء بيتها، واستقرار أسرتها، وقلقها الوديع الذي لم يكن له داعٍ ظاهر. خجولة، منطوية، لكنها في أعماقها عاشقة للمغامرة، حيوية حين تسمح لها اللحظة، ساكنة حين يُطلب منها الاتزان.
ذات ليلة، جاءها طلبٌ لم تتوقعه. شابٌ من الجوار، ابن عمٍ لم تعرف عنه إلا الاسم، تقدم للزواج منها. كان يكبرها بعشر سنوات، غير متعلم، وحوله علامات استفهام كثيرة. رفضت الأم بشدة، سمعت عنه ما يجعل الرفض واجبًا: يُشرب، لا يصلي، لا يصوم، يُقال إنه أفسد ذات يوم سُمعة محلٍ بالتعدي، تُلاحقه ألقاب تُخجل ولا تُحتمل. لكن الأب رأى فيه قربًا، وجيرة، واعتبر أن ما مضى قد يُنسى، وأن وجوده بجانب ابنته يُطمئن. وافق دون حماس، فبدأت ملامح الحكاية الأولى ترتسم.
تمت قراءة الفاتحة، وانطلقت الزفة الأولى. ارتدت الفتاة خاتمًا لم يكن مجرد قطعة ذهب، بل حلمًا جديدًا، وخوفًا مجهولًا، وقلبًا يُفتح لأول مرة. بدأ الخاطب يغدق عليها بالاهتمام، يتصل كل خمس دقائق، لا يمل، لا يهدأ. وكانت هي لا تعرف كيف ترد، تخجل، تتهرب، لكنها كانت تسعد بذلك الحب الذي لم تعشه من قبل.
بدأت تحبه... حبًا خالصًا، لا تشوبه تجربة سابقة ولا خوف من خيانة. كانت أول من دخل قلبها، فكان أول من سكنه بأمان. حكَت له عن كل شيء: طفولتها، قلقها، صمتها، كتومتها، مشاعرها التي لم يعرفها أحد. لم تروِها لأمها ولا لأختها، لكنها أروتها له. أمنت له، وثقت فيه.
ثم بدأت الشروخ.
خلافاتٌ بين الأم والخاطب، اعتراضات، شدّ وجذب. أخذت الأم الذهب، أُلغيت الخطوبة. بكت الفتاة، انهارت، فقدت شهيتها، صمتت. لكن الخاطب لم يستسلم. بعث رسائل صوتية مليئة بالدموع، يطلب فرصة ثانية، يتوسل، يُقسم أنه لا يستطيع العيش من دونها.
فعادت الحكاية من جديد.
عادت الفاتحة، وعاد الذهب، وعاد الحلم. لكنه لم يكن كما كان. أصبحت العلاقة مشوبة بالتحكم والغيرة. كان يمنعها من الخروج، من الحديث، من أن تحيا كما كانت. ومع ذلك، كانت تحبه. كانت ترى فيه أمانًا، وإن شابه الأذى.
ثم عادت الأم للرفض. هذه المرة كانت النهاية... أو هكذا بدا.
في يوم العيد، وبين التهاني والزيارات، علمت أن ذلك الذي أحبته خطب فتاة أخرى. رأت الصور، وشعرت بأن قلبها تحطم إلى ألف قطعة. حاولت التماسك، لكن الانكسار كان أعمق من قدرتها على الوقوف.
ثم جاء من يُرمم القلب.
شابٌ في الخامسة والعشرين، مؤدب، يصلي، يصوم، لا يدخن، يتيم الأب، حسن السمعة. تقدم، وافق الأب، أعجبت به الأم، وقرأت الفاتحة من جديد. لكن قلب الفتاة كان لا يزال يحمل ندبة باسم من قال يومًا "لن أتركك"، ثم تركها.
ورغم ذلك، بدأت تُحب خطيبها الجديد. ببطء، بارتباك، لكنها شعرت أنه يليق بها، أنه يستحق أن يُفتح له الباب الذي أُغلق بالألم.
أصبحت مخطوبة، وشهدت زفة تُحكى بين العائلات، لكنها كانت ترقص بذاكرة مثقوبة.
تذكرت من سبق، من كذب، من خان، من سأل عنها رغم أنه مع أخرى، من قال إنها لا تزال تحبه، وكاد يُفسد علاقتها الجديدة.
لكنها تذكرت أيضًا أنها لم تكن المخطئة، وأن الثقة ليست خطيئة، وأن الحب لا يُكافأ بالخداع.
واليوم، هي فتاة تُسامح نفسها، لا تُسامحه.
تبتسم لخطيبها، تحاول أن تُحبه كما ينبغي، لكنها تُصارع أطيافًا قديمة، وصوتًا ما زال يتردد في ذاكرتها.
وتقول في نفسها: لو عاد الزمن، لما عرفتك.
لكنت سلكت طريقًا دونك.
وما زالت تحاول أن تُصدق أن الحب الأصيل لا يُولد في يد من لا يعرف معنى الوفاء. قصة واقعية حقيقية من البيئة المصرية
-
من - مكتبة .