❞  نوبة الإكتئاب ❝  ⏤ إيمان محمود عوض

❞ نوبة الإكتئاب ❝ ⏤ إيمان محمود عوض

لقد اشتدت نوبة الاكتئاب حتى غدت كضبابة كثيفة تحاصر روحي من كل الجهات، تخترقني كالسهم، تسكنني كما تسكن الأشباح بيونا مهجورة. أسبوعان ؟ لا ... وكأنها دهور انطوت على نفسها، حتى نسيت شكل الضوء. أسبوعان وأنا غارق في سبات شعوري، كمن يغطس في أعماق بلا قاع، بلا أكسجين، بلا صرخة تنقذه. لا أمل، لا احتمال لا نقطة ضوء في هذا النفق الذي طال كأنه أبدية معاقبة بالنسيان. الحلول ؟ كلمة مجوفة ... لا واقعية تنقذني، ولا أوهام طيبة تربت على كتفي. كل ما حولي صار بلا عزاء، كأن الحياة نفسها فقدت ذاكرتها، ولم تعد تذكر كيف كانت تحبنا. الدين ؟ أصلي، نعم، كأنني جندي أرهقه الحروب لكنه لا يجرؤ على التمرد أقيم فرضي، أمسك السبحة بيد والوجع بيد أخرى، أقرأ الأذكار وكأنني أكتب وصيتي على الهواء. أعبد، لا حبا ، بل لأنني أخشى الفراغ ... لأنني لا أملك خيارًا آخر. جسدي يُصلّي، لكن قلبي ؟ قلبي تائه في متاهات لا نهاية لها، كأنه يبحث عن إله يُشبهه، يفهم هشاشته، لا يُعاقبه على الانطفاء. حتى الكلام بات مثل أوراق الخريف، يتساقط من لساني دون معنی دون دفء. من يفهم ؟ من يسمع ؟ من ذا الذي يشعر بألم لا يقال ؟ من يستطيع أن يمسك شظايا حلمي المكسور دون أن ينزف معي؟
ضياع حلمي الأكبر ليس مجرد فشل دراسي، بل هو انهيار شجرة نبتت في صدري منذ الطفولة، حلم الكلية، والكرامة والشرف الذاتي، الحلم الذي كنت أراه ضوءًا ضئيلا في آخر نفق المرض والوحدة ضاع. كأن أحدهم سرقه مني وأنا نائم. والآن؟ لا أريد أن أحاول مجددًا. كأن الحلم تكسر إلى شظايا، وجرحني كلما لمسته. اضطراباتي النفسية ليست وليدة اليوم... إنها حفر قديمة كهوف في ذاكرتي لم يدخلها ضوء قط. طفولتي كانت ساحة من الأسئلة، من الشعور بالغرابة، من نظرات لا تفهمني كنت هنا كبيت من زجاج، وكنت وحدي، دائما وحدي. صحتي ؟ كأنها طعنة لم أرتكب ذنبًا لأجلها، كأنني عوقبت بجسد يتآكل من الداخل. أشعر أحيانًا أن الله خلقني ثم نسي أن يكملني، فتركني نصفا نصف طموح، ونصف مكسور. الحياة؟ لم تأخذني دفعة واحدة، بل انتزعتني بلطف ساخر، قطعةً قطعة ... كل يوم كانت تسرق شيئًا صغيرًا، حتى أفقت يوما لأجدني خاليًا كقوقعة فارغة على شاطئ الزمن. حتى هذا الصيف.... جاء كعادته، مليئا بضحكات لا تخصني، بأحضان البحر التي لا تشملني، وبصور الأصدقاء التي لا يظهر فيها اسمي. لا أحد يذكرني حين يأتي المرح، لا أحد يقول: "هيا يا صديقي، هيا نسرق من الزمن يومًا سعيدا!" بل دائما، أنا منسي. لا كراهية في ذلك، بل تجاهل طبيعي. فأنا عبء، وأنا أعلم ذلك. لا أحد يحملني إلى الشاطئ، لا أحد يأخذ ألما إلى نزهة. وفي النهاية ؟ أقضي المصيف مع عائلتي، أردد ضحكات ليست لي، أعيش بين جدران تكرر نفسها حتى الملل، حتى الضيق، حتى الغصة. أحيانًا أشعر أنني لست ابن هذه العائلة، بل سجينها. تمنيت مرة فقط، أن أعامل كأي شاب، أن أكون في صورة بها فرح لا مزيف، لحظة لا تُبنى على الشفقة أو الواجب. تمنيت... ثم كتمت أمنيتي خجلا. أنا لا أطلب مواساة. لا أطلب كلمات ثقال في كل موقف كسكين باردة. أنا أطلب تفسيرا لهذا العبث.... ما الغرض من وجود يُشبه غرفةً مظلمة أغلقت نوافذها منذ الولادة؟ أنا الآن في أزمة وجودية، لا ينفع معها كتاب، ولا فلسفة. حتى نيتشه وسارتر ودوستويفسكي... كلهم كأنهم كتبوا عن وجع من نوع آخر، لا يشبه هذا الفراغ الذي بداخلي، هذا الثقب الأسود الذي يبتلع كل المعاني. يقولون: "اصبر، فإن في الجنة جزاءً للصابرين." وأنا أقول: لكن لماذا أصبر؟ لأكافاً لاحقا ؟
فكرة الألم كممر إلى النعيم فكرة ظالمة... لماذا لا أخلق سعيدًا منذ البداية ؟ ما ذنبي ؟ من كتب هذا السيناريو؟ أنا لا أعيش... أنا أتاكل. أقضي الساعات أحدق في سقف الغرفة كما لو أن فيه نبوءة، أو خلاصًا، أو حتى جملة أخيرة من الكاتب الذي قرر أن يتركني هكذا في منتصف الحكاية. وحين تهدأ نوبة الاكتئاب، لا يعود شيء إلى طبيعته... فقط الصمت، فقط الذبول، فقط السؤال: ما الفائدة؟ أفكر أحيانًا في الرحيل.... لا لأنني أحب الموت، بل لأنني فقدت شغف البقاء. لكن حتى فكرة الانتحار... عبثية. أن أهرب من العبث بفعل عبثي ؟ إنها دائرة لا تنتهي، كأنني عالق في متاهة صامتة، وأنا وحدي فيها. لا شيء في ناصع . لا أنا مؤمن باليقين، ولا أنا كافر بالرفض. أنا كائن رمادي، ظل بلا جسد نَفَسٌ بلا روح، سؤال يتردد في فضاء لا يُجيب.
ڪ: إيمان محمود "عاشقة الورود"
إيمان محمود عوض - انا تلك الفتاة…
التي تمشي بثباتٍ ظاهري،
لكنها من الداخل تمشي على أطراف الجرح.
أضحك، أتكلم، أبدو بخير…
لكنّي لا أعرف أين أنا فعلًا.
لا أعرف هل أنا ما زلت "أنا"،
أم أن الحياة غيّرتني حتى صرت غريبة حتى عن نفسي.
أحمل في داخلي خريطة ممزّقة،
أدور فيها كل ليلة بحثًا عن وجه،
عن حضن،
عن إجابة واحدة تريحني.
أنا لا أطلب الكثير،
أريد فقط أن أجد نفسي…
أن أُمسك بيد الطفلة التي ضاعت مني يومًا،
وأقول لها: "أنا هنا، ما نسيتك."
فهل سأجد طريقي؟
ربما…
لكن حتى ذلك الحين،
سأكتب…
لعل الكلمات تقودني❤‍🩹)). " ڪ: إيمان محمود
من - مكتبة .

نبذة عن الكتاب:
نوبة الإكتئاب

2025م - 1447هـ
لقد اشتدت نوبة الاكتئاب حتى غدت كضبابة كثيفة تحاصر روحي من كل الجهات، تخترقني كالسهم، تسكنني كما تسكن الأشباح بيونا مهجورة. أسبوعان ؟ لا ... وكأنها دهور انطوت على نفسها، حتى نسيت شكل الضوء. أسبوعان وأنا غارق في سبات شعوري، كمن يغطس في أعماق بلا قاع، بلا أكسجين، بلا صرخة تنقذه.

لا أمل، لا احتمال لا نقطة ضوء في هذا النفق الذي طال كأنه أبدية معاقبة بالنسيان.

الحلول ؟ كلمة مجوفة ... لا واقعية تنقذني، ولا أوهام طيبة تربت على كتفي. كل ما حولي صار بلا عزاء، كأن الحياة نفسها فقدت ذاكرتها، ولم تعد تذكر كيف كانت تحبنا.

الدين ؟ أصلي، نعم، كأنني جندي أرهقه الحروب لكنه لا يجرؤ على التمرد أقيم فرضي، أمسك السبحة بيد والوجع بيد أخرى، أقرأ الأذكار وكأنني أكتب وصيتي على الهواء. أعبد، لا حبا ، بل لأنني أخشى الفراغ ... لأنني لا أملك خيارًا آخر. جسدي يُصلّي، لكن قلبي ؟ قلبي تائه في متاهات لا نهاية لها، كأنه يبحث عن إله يُشبهه، يفهم هشاشته، لا يُعاقبه على الانطفاء.

حتى الكلام بات مثل أوراق الخريف، يتساقط من لساني دون معنی دون دفء.

من يفهم ؟ من يسمع ؟

من ذا الذي يشعر بألم لا يقال ؟ من يستطيع أن يمسك شظايا حلمي المكسور دون أن ينزف معي؟
ضياع حلمي الأكبر ليس مجرد فشل دراسي، بل هو انهيار شجرة نبتت في صدري منذ الطفولة، حلم الكلية، والكرامة والشرف الذاتي، الحلم الذي كنت أراه ضوءًا ضئيلا في آخر نفق المرض والوحدة ضاع. كأن أحدهم سرقه مني وأنا نائم.

والآن؟ لا أريد أن أحاول مجددًا. كأن الحلم تكسر إلى شظايا، وجرحني كلما لمسته.

اضطراباتي النفسية ليست وليدة اليوم... إنها حفر قديمة كهوف في ذاكرتي لم يدخلها ضوء قط. طفولتي كانت ساحة من الأسئلة، من الشعور بالغرابة، من نظرات لا تفهمني كنت هنا كبيت من زجاج، وكنت وحدي، دائما وحدي.

صحتي ؟

كأنها طعنة لم أرتكب ذنبًا لأجلها، كأنني عوقبت بجسد يتآكل من الداخل.

أشعر أحيانًا أن الله خلقني ثم نسي أن يكملني، فتركني نصفا نصف طموح، ونصف مكسور.

الحياة؟

لم تأخذني دفعة واحدة، بل انتزعتني بلطف ساخر، قطعةً قطعة ... كل يوم كانت تسرق شيئًا صغيرًا، حتى أفقت يوما لأجدني خاليًا كقوقعة فارغة على شاطئ الزمن.

حتى هذا الصيف....

جاء كعادته، مليئا بضحكات لا تخصني، بأحضان البحر التي لا تشملني، وبصور الأصدقاء التي لا يظهر فيها اسمي. لا أحد يذكرني حين يأتي المرح، لا أحد يقول: "هيا يا صديقي، هيا نسرق من الزمن يومًا سعيدا!" بل دائما، أنا منسي. لا كراهية في ذلك، بل تجاهل طبيعي. فأنا عبء، وأنا أعلم ذلك.

لا أحد يحملني إلى الشاطئ، لا أحد يأخذ ألما إلى نزهة.

وفي النهاية ؟ أقضي المصيف مع عائلتي، أردد ضحكات ليست لي، أعيش بين جدران تكرر نفسها حتى الملل، حتى الضيق، حتى الغصة.

أحيانًا أشعر أنني لست ابن هذه العائلة، بل سجينها. تمنيت مرة فقط، أن أعامل كأي شاب، أن أكون في صورة بها فرح لا مزيف، لحظة لا تُبنى على الشفقة أو الواجب.

تمنيت... ثم كتمت أمنيتي خجلا.

أنا لا أطلب مواساة. لا أطلب كلمات ثقال في كل موقف كسكين باردة.

أنا أطلب تفسيرا لهذا العبث....

ما الغرض من وجود يُشبه غرفةً مظلمة أغلقت نوافذها منذ الولادة؟

أنا الآن في أزمة وجودية، لا ينفع معها كتاب، ولا فلسفة. حتى نيتشه وسارتر ودوستويفسكي... كلهم كأنهم كتبوا عن وجع من نوع آخر، لا يشبه هذا الفراغ الذي بداخلي، هذا الثقب الأسود الذي يبتلع كل المعاني.

يقولون: "اصبر، فإن في الجنة جزاءً للصابرين." وأنا أقول: لكن لماذا أصبر؟ لأكافاً لاحقا ؟
فكرة الألم كممر إلى النعيم فكرة ظالمة... لماذا لا أخلق سعيدًا منذ البداية ؟

ما ذنبي ؟ من كتب هذا السيناريو؟

أنا لا أعيش... أنا أتاكل. أقضي الساعات أحدق في سقف الغرفة كما لو أن فيه نبوءة، أو خلاصًا، أو حتى جملة أخيرة من الكاتب الذي قرر أن يتركني هكذا في منتصف الحكاية.

وحين تهدأ نوبة الاكتئاب، لا يعود شيء إلى طبيعته... فقط الصمت، فقط الذبول، فقط السؤال: ما الفائدة؟

أفكر أحيانًا في الرحيل.... لا لأنني أحب الموت، بل لأنني فقدت شغف البقاء.

لكن حتى فكرة الانتحار... عبثية.

أن أهرب من العبث بفعل عبثي ؟ إنها دائرة لا تنتهي، كأنني عالق في متاهة صامتة، وأنا وحدي فيها.

لا شيء في ناصع . لا أنا مؤمن باليقين، ولا أنا كافر بالرفض. أنا كائن رمادي، ظل بلا جسد نَفَسٌ بلا روح، سؤال يتردد في فضاء لا يُجيب.
ڪ: إيمان محمود "عاشقة الورود" .
المزيد..

تعليقات القرّاء:



سنة النشر : 2025م / 1446هـ .
عداد القراءة: عدد قراءة نوبة الإكتئاب

اذا اعجبك الكتاب فضلاً اضغط على أعجبني
و يمكنك تحميله من هنا:


شكرًا لمساهمتكم

شكراً لمساهمتكم معنا في الإرتقاء بمستوى المكتبة ، يمكنكم االتبليغ عن اخطاء او سوء اختيار للكتب وتصنيفها ومحتواها ، أو كتاب يُمنع نشره ، او محمي بحقوق طبع ونشر ، فضلاً قم بالتبليغ عن الكتاب المُخالف:

المؤلف:
إيمان محمود عوض - Eman Mahmoud Awad

كتب إيمان محمود عوض انا تلك الفتاة… التي تمشي بثباتٍ ظاهري، لكنها من الداخل تمشي على أطراف الجرح. أضحك، أتكلم، أبدو بخير… لكنّي لا أعرف أين أنا فعلًا. لا أعرف هل أنا ما زلت "أنا"، أم أن الحياة غيّرتني حتى صرت غريبة حتى عن نفسي. أحمل في داخلي خريطة ممزّقة، أدور فيها كل ليلة بحثًا عن وجه، عن حضن، عن إجابة واحدة تريحني. أنا لا أطلب الكثير، أريد فقط أن أجد نفسي… أن أُمسك بيد الطفلة التي ضاعت مني يومًا، وأقول لها: "أنا هنا، ما نسيتك." فهل سأجد طريقي؟ ربما… لكن حتى ذلك الحين، سأكتب… لعل الكلمات تقودني❤‍🩹)). " ڪ: إيمان محمود. المزيد..

كتب إيمان محمود عوض