في حضرة الغموض
2024م - 1446هـ
> متاهاتٌ داخلية
في صراعات الحياة، واختلافات العقول، تتوه أرواحنا في فراغ الفضاء المجهول، وبعيدًا عن كل تلك الصراعات، يشتعل بداخلنا صراعٌ آخر، صراعٌ من نوعٍ فريد، حربٌ داميةٌ بيني وبين أرخبيل أفكاري، أحاربُ جاهدًا أن لا أكون أنا الصريع ها هنا، في مكان أشبه بساحةِ حربٍ كبيرة، امتلأت عن آخرها بصفوف من المحاربين، يخوضون غمار معركة شديدة، وكان هؤلاء المحاربون هم أفكاري، وأما عن الساحة فكانت عقلي، عقلي الذي دفع الثمن كاملا وحده، ومزقت هذه الحرب أواصر أروماته كلها، حاولت أن أستجمع شتاته مرة أخرى، ولكن هيهات لمحاولاتي البائسة،يراودني ضياع عظيم، ويملؤ روحي ألم كبير، ويلاحقني شعور بالخزي والعار الدائمين؛ فقد كلفتني حياتي الكثير حقًا، وخسرتُ فيها كل ذرةٍ داخل نفسي، وفقدتُ فيها كيانيَ ووجداني، ولم أعد أعلم أين أذهب، أو إلى أين أتجه، حولتني إلى شخصٍ يظهر كل بهرجٍ من الخارج، يجعل كل من يراه ينجذب نحو شخصيته القوية، وهدوئه الغريب، وابتسامته التي كانت دائما سلاحه الأخير، الذي يساعده على متابعة تلك الكذبة التي تُسمَّى أنا بخير، على عكس ما يخفيه باطنه الذي هو أشبه بمتاهة كبيرة، يشوبه انطفاءٌ غريب، ويسير داخل متاهات عقله الداخلية، يرتمي بين تلك الطرقات التي لا يدري إلى أين تأخذهُ نهايتها، وبين كل تارة وأخرى، تلوح له إحدى ذكرياته المؤلمة من البعيد، ويستمر بالانعطاف في مسارات تلك المتاهة؛ تجنبا لملاقاة تلك الذكريات، حتى وصل إلى منعطف كان في نهايته مرآة كبيرة، مرآةٌ لا تعكس شيئًا سوى الحقيقة، ويشوب داخلها الدخان، تنتظر سؤاله؛ لينقشع الدخان وتظهر الحقيقة التي يريد معرفتها، وعلى الفور بدأ بإلقاء سؤاله؛ ليعرف إجابته من المرآة، وأردف قائلا: "من هو عدُوِّيَ الأكبر؟" لينقشع الدخان ويظهر من خلفه انعكاس له؛ ليعلم حينها أن نفسه هي من وضعته في تلك المتاهة؛ لتكشف له الحقيقة الكاملة، ويعلم في النهاية أن نفسه هي عدوه الأكبر.
> كاتبة منة الداودي . المزيد..