❞ كتاب عيون الموت ❝ ⏤ نبيل رضا المهايني
يقدّم كتاب "عيون الموت" من تأليف وترجمة نبيل رضا المهايني الملامح العامة لشخصيّة الشاعر والروائيّ والكاتب والفنان الإيطاليّ شيزارِه بافيسِه، الذي عاش طفولة مأساويّة، وكان انطوائيّاًّ ومنعزلاً ثمّ منفيّاً عن وطنه، ثمّ منتحراً بصورة حزينة تختزلها آخر كلماته التي تقول: "ستكون هناك أيام أخرى، أصوات أخرى وصحوات، سنعاني في الفجر، يا وجع الربيع".
ولد بافيسِهعام 1908 وأظهر منذ الصغر شغفاً خاصّاً بالمطالعة والطبيعة وميلاً للانعزال عن الآخرين. انخرط بعمليات تجديد الضمائر التي أطلقتها تعاليم أستاذه في الثانويّة (أوغستو مونتي) الذي أصبح مرجعاً أساساً بالنسبة للشباب الليبراليّين، ولجيل كامل من الوطنيّين. لكنّبافيسِهْ كان منذ البداية متردداً في الالتزام بأيّ عمل سياسيّ.
يُشير الكتاب إلى أنّ بافيسِهْ قدّم في عام 1930 أطروحته الجامعيّة بعنوان: «ترجمة أشعار والت ويتمان»، لكنّ الأستاذ المشرف رفض مناقشتها لأنّها لا تتوافق مع الرؤى الفاشيّة السائدة، ورغم ذلك نوقشت بعد تدخّل أستاذ آخر، وبها حصل على درجة الإجازة في الآداب.
يرى الكتاب أنّ مجموعة «سيأتي الموت، عيناه عيناك» من أهمّ المجموعات الشعريّة التي كتبها بافيسِهْ وأشهر ما قدّمه الشعر الإيطاليّ خلال القرن العشرين. تلخّص هذه المجموعة قصّة حياة صاحبها، وقصّة القدر الذي سيطر على تلك الحياة طيلة عمره.تتألّف المجموعة من عشر قصائد فقط. ثمانية منها بالإيطاليّة، واثنتان بالإنكليزيّة، وقد وجدت داخل ظرف أحمر فيه أوراق رتّبها الشاعر واُكتشف غداة موته المأساويّ منتحراً داخل غرفة فندقه في مدينة تورينو عام 1950.
اعتبر بافيسِهْ أنّ الحبّ والموت شقيقان يعملان لصالح الإنسان لأنّهما يُحرّرانه من كرب الحياة، لكنّ الموت يُحرره تحريراً كاملاً ونهائيّاً وأبديّاً، بينما يبقى تحرير الحب أمراً مؤقّتاً، يُشرق بالخير الموعود خلال ساعات العشق الساحرة.
يبرز لدى بافيسِهْ تناقض باطنيّ، وتباين بين ذوقه الفطريّ المتخاذل، وبين نواياه الراسخة في تجريب أو إقامة أدب واقعيّ جديد على الطريقة الأميركيّة – الإنجليزيّة من دفو إلى ديكنز، ومن لويس إلى دوس باسوز إلى شتاين، وكان يقدّم عنهم كلّهم تفسيرات رمزيّة مثاليّة.
لقد استشعر الشاعر بألم عميق كيف أنّ الحضارة الصناعيّة العقيمة حلّت محل عالم الطفولة المحبّب الذي يحتوي الريف وهضابه والعلاقة الحيويّة مع الطبيعة. لهذا يشعر أنّه مغترب دائم، يتآكله الحنين إلى حياة بدائيّة غير فاسدة، والأسف على مستقبل يعرف أنه لن يكون ملكاً له.
مات بافيسه بنهاية مؤسية. وأغلب الظنّ أنّه لو قرأ على نفسه بعض أبيات قصائده لحجبت عنه يأسه العظيم ، ولرأى اشراقات بهيّة، وفصولَ ربيعٍ تتكرر، وصحوةً على فجرٍ بشمسِ الأمل.
لو قرأها على نفسه، لتردّد بافيسِهْ كثيراً قبل أن يقع في هاوية الانتحار.
نبيل رضا المهايني - نبيل رضا المهاين من دمشق، سورية.
من كتب التاريخ - مكتبة كتب التاريخ.