❞ كتاب ويبقى الأثر ❝
بين صفحات كتاب " ويبقى الأثر" تجد نفسك تدخل ضمن قلم يعبر عن أعمق المخاوف وأشد آلامها فيغوص في بحور من التأملات النفسية والعاطفية، تفتح النصوص أبوابها للقارئ وتأخذه في جولات في عوالم يتداخل فيه الحب بالألم والفرح بالأمل وبالخذلان وبأوجاع الوطن . وتتشكل المشاعر بألوان تتأرجح بين الفقد والشوق والحنين والخيبة، منذ الصفحات الأولى يفتح الكتاب نوافذ على الروح من خلال تلك الخطرات النثرية الحداثية التي لا يمكن أن تقف عند حدودها الأحاسيس، بل تتجاوزها إلى مساحات وسحابات وفضاءات لا حدود ولا سقف لها منذ التأملات الأولى لقارئ متفحص يقرأ النص وما خلف النص يستشف أن "وفاء داري " لا تسعى فقط لسرد قصة حول حالة معينة ضمن خاطره ، شذرة ، أو قصيدة، بل تجعلك تعيشها تتشبع بتفاصيلها تتخذ من النص سرد وأداة موجهة لطرح أسئلة وجودية تتعلق بالقدر، الهوية، والبحث عن الذات، والوطن، والعلاقات الاسرية والاجتماعية، وتطور الذات والمناجاة، وتطرق باب الأدب التوعوي والأخلاقي والنفس الشعوري. وتشعر أن هناك سماء ثامنة للكتاب . وهنا يمكنني أن أقول أنه في سمائها الثامنة لا تقتصر العلاقات على كونها تشمل المشاعر المتبادلة سواء بالتجاذب أو التنافر حسب الحاله في الخطرات النثرية، بل يظهر كقوة تعصف بالوجود ذاته، قوة لا تهدف إلى إشباع الرغبات بل إلى تفكيك الروح وإعادة تشكيلها.
ينساب السرد فيكتاب "ويبقى الأثر " كما لو أنه حديث من القلب من عزيز او حكيم، يتكلم بلسان أم وحبيبة وأب ومحب وزوجة وزوج ووطن ، ينطلق من عمق الروح ليفتح أبوابًا على عوالم من المشاعر االواقعية، يتقاطع الحب مع الألم، وتتعايش الرغبة مع الخوف، تحمل النصوص بين طياتها هموم الشارع والوطن والمواطن والمحبين والمخذولين. في جدلية حوارًا مع الذات احيانًا ومع الاخر أحيانًا أخرى، يعكس الواقع والبحث المستمر عن معنى أكبر للحياة، وكأن الكتابة الملاذ الوحيدة لفهم الحزن المتأصل في القلب والمشاعر .
كل كلمة، كل سطر يبدو كأنه مرآة لمشاعر ضائعة تبحث عن ملجأ، الحب في "ويبقى الأثر" ليس مجرد إحساس يتجاوز الزمان والمكان، بل هو حالة من الهروب المستمر من المثالية إلى واقع يمزق الروح وينفض عنها غبارها، ليعيد تشكيلها في صورة جديدة أكثر وضوحًا ولكنها مليئة بالندوب. وفي أوجاع وطن أنهكته الحروب. وفي علاقات أسريه دمرتها الخذلان،وحالات مجتمعية مظلومة. اجتماعيًا
في كتاب ويبقى الأثر تدعو "داري " ضيفها المتلقي إلى التخلي عن مفاهيم النظرة والقراءة التقليدية التي نعرفها، وتفتح له أبوابًا إلى عالم التأويل والتكثيف ضمن أدب وجيز ليفتش عن المعاني ، تاركة له حرية التحليل، وتدعوه ليفكر بتفكر لا يخضع لقواعد المجتمع المستبد، حيث تعترف أن نصوصها لا تقبل الرتابة ولا ترضى بالمسلمات بل هي خارجة عن المألوف.
النصوص لا تعرض قصة حب خذلان اوجاع وطن فحسب، بل تحفر في أعماق التجربة الإنسانية كاشفًة عن التناقضات التي تعتري النفس البشرية، وتطرح مفهومًا جديدًا للعلاقات ، كل نص يحكي قصة وجع سواء من فقد من أوجاع وطن أمومة عقوق نص تراه يلامس القلب، يتردد به صدى المعاناة، ويعيش في ذروته كقوة تغير معالم العالم الداخلي. ويفتح آفاقًا واسعة للتأمل في العلاقة بين الذات والآخر
"ويبقى الأثر" فصحة تدعو لتدريب الذات في مواجهة مشاعرها العميقة، تلك المشاعر التي لا تجد لها مأوى إلا في الحروف،وعبر السطور وفي ثناياها تتقاطع الكلمات مع الذاكرة في محاولة لتضميد الجراح، لا يقتصر الأمر على الحبيب الغائب أو العلاقة المفقودة، وبين القدر والحرية والحروب وأوجاع الوطن والحقوق المسلوبة ، بل يتجاوز ذلك ليصبح رحلة إلى الذات، بحثًا عن النقاء في خضم الفوضى العاطفية والنفسية والاجتماعية والعلاقات الاسرية ، تعيدنا النصوص إلى حقيقة جوهرية؛ أن العلاقات ليس فقط ما نبحث عنها في الآخر، بل هو ذلك الشعور العميق الذي يكشف لنا عن أنفسنا. في الختام: يمكنني القول أن هذا الكتاب لا يُقرأ بقدر ما يُعاش، إذ يعبر عن عالم داخلي يموج بالمشاعر المتضاربة والأسئلة الوجودية، ويؤكد أن "ويبقى الأثر " له أثر فعلًا كبير في النفس ، ليست مجرد خطرات نظرية ، بل هي الحالة النهائية التي يبلغها القلب بعد أن يجتاز كل مراحل الألم والفقد وكل شعور عاطفي، وأنها مساحة للبحث المستمر عن الحقيقة، وعن الحب والحرية والكرامة والاستقلالية ، الذي لا يعرف الحدود ولا يرضى بالقواعد، وأنه محاولة مستمرة للكتابة على أنماط جديدة، أنماط ليست كما نعرفها، بل التي تعج بالأسرار والتجارب الإنسانية التي لم تكتب بعد، ولكنها تعاش في كل لحظة.
-
من - مكتبة .