❞ رواية عدوس السرى ❝ ⏤ إبراهيم الكوني
"هذه الخطيئة جعلت التليسي يجود بوصية أخرى. وصية أعادتني الى الوراء سنوات لأنها ترجمت وصية أخرى سمعتها من حكيم آخر هو غائب طعمه فرمان، قبل أن أتلقاها تالياً من تولستوي مبثوثة في جملة صغيرة: "أحرص أن تكتب عما تعرف؟". هذا ما ردده التليسي في تلك الأمسية أيضاً عندما نوّه بقصة "الصلاة" الحاملة لروح المكان، كما نوّه فرمان قبله تماماً… كانت أصوات الحكمة كلها تدعوني للعودة الى الوراء. وكانت نزعة الاجماع هذه بمثابة نبوءه لم يكن لي أن أدركها كما ينبغي بعد. لم أدركها ربما لأني لم أعبر الجحيم بما يكفي كي أحتفر في الروح طريق الخلاص بالمثول في حضرة الصحراء. ولهذا السبب لم يكن من قبيل المصادفة، كما يبدو، أن يكون هذا الحكيم هو أول من حرَّضني على اقتحام حصون الرواية. هذه الرواية التي كانت لي معبودة وجدان منذ الصغر، بل وربة أحلام، وكنت طوال الرحلة أنتظر الفرصة كي أحلّ ضيفاً في مملكتها ظناً مني أن هذا اليوم سيأتي، ليقيني العميق بأني سأحيا الى الأبد! بلى! بلى! الاحساس الجسور بأني لست معنياً بالموت، لأني سوف أحيا الى الأبد؛ هو أفيون الشباب الذي يفوق أفيون المخدرات مفعولاً في طريق أحلامنا. انه يشلنا، لأنه يغذي فينا الاحساس بالأمان، الأمان الكاذب.الأمان الآثم الذي لا تستيقظ منه الا بعد فوات الأوان. ويبدو أن لا وجود لقوة في الدنيا يمكن أن توقظنا من هذه النومة المميتة في مواجهة المصير غير البلية. البلية المؤهلة لان تجعلنا نحدّق في الموت… وبالطبع فإن المرض يأتي على رأس القائمة القادرة على تحقيق التحول، على تحقيق الأعجوبة. وكان على العدوس أن يقطع في ليل السرى شوطاً أبعد ليدرك كما أصاب باسكال عندما نصب هذا المارد (المرض) معلماً أول عندما قال في وصيته أنه يعلمنا أكثر مما تعلمنا العلوم جميعاً! ولكن أوان الجرح التي ستفجر في غياهب الروح ينابيع الخلاص ما زال حتى ذلك الحين قدراً مؤجلاً. ولكي تتحول وصية حكيم كخليفة التليسي نبوءة لا بد من تدخل الحلم: فالأجنحة الخبيئة في عبارة مسربلة بمسوح الاستعارة مثل: "آن الأوان كي تهجروا البحيرات الضحلة وتذهبوا للغوص في مياه البحور العميقة" لم تكن لتحتمل تأويلاً نبوياً لو لم يهرع لنجدتها الحلم لتتحول واقعاً بعد سنوات… بلى القصة بحيرة، ولكن الرواية بحر. وهي ليست بحراً بسلطان الحجم، ولا حتى بامتياز العمق، ولكن بالتفوق في ارتياد وبعد آخر مجهول، في ارتياد أفق الغياب الذي راقني تالياً أن أسميه البعد المفقود. بل الرواية ربّة البعد المفقود بلا منازع".
ذاكرته عالم يضج بحياة تستقطب أحداث ماضٍ بعيد، ابراهيم الكوني ومن خلال بعد فلسفي وذاكرة وقّادة يجول في ذاك الماضي؛ فذاكرته هي خزنة زمان ضائع، ونزيفها هو بطولة استرداد البعد الغيبي في تجربة الماضي: تجربة ماضٍ مطبوع بروح رومانسية هي خصلة كل نشاط فإنه مجبول بالحلم. ونزيف ذاكرته طواف لجوج لبلوغ هذه التخوم: تخوم البعد المفقود! حفر عميقاً في تخوم هذا البعد المفقود، مستحضراً ما وعت ذاكرته من شخصيات سياسية وأدباء وممن كان لهم تأثير في مسيرته الأدبية، يتحدث عن اجتماعات مؤتمرات حوارات دردشات مستوعباً أحداث فترة مديدة… تعمل ذاكرته على تشذيب التجربة لتقدم الوقائع قرباناً مجانياً لحضرة النسيان، ولا تستبقي من الأضاحي سوى تلك الوصية المتمثلة في الهباء! الهباء الذي كان جديراً بإفتتاح الجزء الأول من هذا العمل من هذه السيرة الذاتية التي أطلق عليها "البيان" لأنه كلمة الصحراء الأخيرة في سيرة السليل الذي اختار تيه السرى في غيهب الليل مأخوذاً بالرؤيا: رؤيا زادها الحلم، ودليلها في الرحلة العدم، ذلك العدم الذي كان منذ الأزل لمفهوم الصحراء حميماً، لأن الصحراء لم تكن يوماً سوى فردوساً بجدرانٍ من عدم! فلماذا تسقط الذاكرة وقائع هي لها رصيد، في حين تحتفظ بالهباء في وجدان عابر الليل هاجساً؟
إبراهيم الكوني - إبراهيم الكوني كاتب ليبي طارقي يؤلف في الرواية والدراسات الأدبية والنقدية واللغوية والتاريخ والسياسة. اختارته مجلة لير الفرنسية أحدَ أبرز خمسين روائياً عالمياً معاصراً، وأشادت به الأوساط الثقافية والنقدية والأكاديمية والرسمية في أوروبا وأمريكا
❰ له مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ مراثي أوليس ❝ ❞ برق الخُلب ❝ ❞ نزيف الروح ❝ ❞ رسول السماوات السبع ❝ ❞ يعقوب وأبناؤه ❝ ❞ كلمة الليل في حق النهار ❝ ❞ نداء ما كان بعيدًا ❝ ❞ من أساطير الصحراء ❝ ❞ قابيل.. أين أخوك هابيل ❝ الناشرين : ❞ المؤسسة العربية للدراسات والنشر ❝ ❞ دار التنوير للطباعة والنشر ❝ ❞ الدار المصرية اللبنانية ❝ ❞ دار كيان للنشر والتوزيع ❝ ❞ رياض الريس للكتب والنشر ❝ ❞ دار الآداب ❝ ❞ الدار الثقافية للنشر ❝ ❞ دار سؤال للنشر و التوزيع ❝ ❞ دار النهار للطباعة والنشر والتوزيع ❝ ❞ الدار الجماهيرية للنشر و التوزيع و الاعلان ❝ ❞ دار الملتقى للطباعة والنشر ❝ ❞ دار الصدي ❝ ❱
من كتب الروايات والقصص - مكتبة القصص والروايات والمجلّات.