❞ ديوان أغنية عن نهاية العالم  ❝  ⏤ حسين بهيش

❞ ديوان أغنية عن نهاية العالم ❝ ⏤ حسين بهيش

في الدّيوان الذي توزَّع على أربعة مداخلٍ وهي: يوم للحكمة والراعي والحسناء، مثل لهفة الماء، كنتُ أولى بالغرق، الحياة جنّة مغلقة. تتنوَّع الأفكار وتتشابه في آن، وربما يعود ذلك إلى عدم إحكام مجاورة النّصوص في مواضيعها لبعضها، وتشابهها واختلافها في ذات الأبواب. تتوالى الانتقالات في تصوير المشاهد، وتدوين المشاعر، واستحضار الذّاكرة، على اختلاف النّصوص وتنوّعها، إذ تزخر بالطابع الرّومانسي الذي يحاكي فيه المرأة، بوصفها الحاضرة دائمًا في حياة الشّاعر الشاب، وتضاف هذه النصوص إلى طبيعة النصوص الشبابيّة العراقيّة التي لا تخلو من المرأة حينًا، ولا من الحزن حينًا آخر، فهما متلازمان على الدوام. قد تغيب التَّجربة الحقيقيّة لوجود هذين العنصرين، وقد يختلقها الشاعر اختلاقًا من أجل إقحامها في النص، لكنَّها في المحصّلة، حاضرة وبكثرة. أضيف كذلك النصوص التي تستحضر الطبيعة بصورها المختلفة، ويعود حضور الطبيعة بناءً على بيئة الشّاعر التي تتصف بصفاتٍ لم تغب عن لحظة الكتابة: النهر، الراعي، الحقل، الشجر، النسر، وغيرها من عناصرٍ شكَّلت حضورها في معظم النصوص. إنَّ الحديث عن مكوِّنات النَّص ليس من باب تفسيره وتوضيحه، بل هي محاولة تتبع أثر وجودها في حياة الشّاعر الواقعيّة، وانعكاسها فيما يكتب، فالشاعر هو المتأثر الأول في ما يحيط به، وما يعيشه وما يتَّكئ عليه من إرث، وبالتالي فإنَّ معرفة مكوّنات النَّص تعني معرفة بتجربة الشاعر، ونضجها، ومدى الاشتغال عليها، وطريقة التعامل معها في الفضاء الشعري، وتحديد ما إذا كان الشاعر يكتب وكأنَّه يسقط فرضًا - كيفما كان - أو أنَّه يكتب مشروعًا محكمًا بناءً على اللحظة المعاشة، أو الفضاء الذي يشهد فيه تغيرات العالم ومشاكله وقضاياه.
تحضر اللحظات الشخصية – الإنسانية في نص بهيّش بصورةٍ صافية، لا تخلو من مسحةٍ رومانسيةٍ ولا من تفاصيل تجيء بشاعريّةٍ عفويةٍ وبسيطة:
أحبُّ الضَّياعَ، الأغاني، الدّخان
بل صُرتُ أقاطع كلَّ فكرةٍ، أو عملٍ يُعطِّلني عنكِ
فأنا أحيانًا أطفِئُ ضوء الغرفة، أفتعل المعنى
فأوقد من قصائدي شمعةً
ثم أقضي الليلَ كلَّه
أحترقُ بدلًا عنها.
فيما تحضر لحظات أخرى ينكبُ فيها على نفسه وخيباتهِ - وبالتالي فإنَّ خيبات الشاعر هي خيبات الإنسان:
الأفكار المتشعِّبة في الرأس
تشبهُ سلاسل في قدمِ سجين
أجرُّها مثلَ كرةٍ حديديَّةٍ
غير أنَّ ثمن الخطوةِ آه.
إنَّ الاشتغال على المكان بوصفه مكوِّنًا من مكونات النَّص أعطى لبعض النّصوص مغايرةً واختلافًا واضحًا، إذ إنَّ المكان بحضوره يُشكِّلُ هويَّة الشّاعر ووجوده وتاريخه، ويبين مدى علاقته به على المستوى الشخصي – الوجودي، هذا غير أنَّ الشّعر ارتبط بالمكان ارتباطًا كبيرًا، وظلَّ الشعراء يؤثِّثون نصوصهم به وبتفاصيله، وهذا ما نجده في بعض نصوص المجموعة:
الفُراتيّةُ كوكبٌ أسمرٌ له ذراعان صغيرتان
يطوِّقان النَّهر بالعشب والعطر
وعيني بدويَّةٍ لامعة.
للفراتيَّةُ أيضًا
شفاهٌ قادمةٌ من عروق الحرير
وضحكةُ طفلٍ، تمدُ الكون بالطمأنينة
عندما يلمسها الحب، تصير شجرة
كن شيئًا، لتحرِّكها.
فالفراتيَّةُ هنا، رمزُ للمرأة التي لها علاقتها بالفرات، والفرات هو النَّهر الذي يمرُّ في أغلب قصائد الشّاعر على اختلاف صوره، بوصفه الصورة الأبرز في مكان الشّاعر وبيئته، ووجود النّهر يقودنا إلى الطَّبيعة مرَّةً أخرى، إلى الفلّاح والراعي وكلِّ ما يُوجد بوجوده:
قميصُكِ الموشوم بالورد
يرشدني إلى بستانٍ مليءٍ بالبراءة والضوء
واقفًا فيه.. أنثر الظّل على تلال الزَّهر
مثل مظَّلةٍ بنفسجيّة.
وفي النَّص خطابٌ موجهٌ من ذات الشاعر إلى ذات الفراتيّة، ولعل النًّص في هذه المرحلة يبلغ مبلغه من الحقيقة المعبرة عن مشاعر الإنسان في مكانه:
وأنتِ كُلّكِ يا ذات القميص
خاطرةٌ في رأسِ فلّاح
سارحٍ في البساتين.
"أغنية عن نهاية العالم" هو الديوان الثاني للشاعر العراقي حسين بهيّش بعد أن أصدر ديوانه الأول "وسيلة أخرى للدخان" في 2021، وأحسب أنَّ تجربته الثانية قد تجاوزت الأولى بكثير، فنيًّا وشعريًّا، وأحسبها انتقالةً على جميع مستويات الكتابة عند الشاعر.
في ندائه الأخير، يقول بهيّش:
أيا نافخ الصّور تأخّر قليلاً
لي أمنيات حان قطافها
أخّر نفخَتك أسبوع
لعلَّ المظروف يصل إلى عتبة بابها.

ليس لديَّ أطفال
لكنَّني خالدٌ بصيغةٍ ما
لديَّ ديوان شعر
في يدِ غريبٍ
يعيد قراءة ما كتبتُ ذات يوم.

سأتركُ خلفي مقاهٍ خالية من الأصدقاء
وحيداً أهمسُ إلى الصّدى ويهمس الفراغ إليَّ
سأترك فراشي الدافئ مع امرأة محظوراً اسمها
امرأة كانت تجمعني
كلَّما بعثرني الهواء القادم من النافذة.

كانت أمّي تقول لي دائماً وفي يدها مسبحتها
أنتَ منحوسٌ يا ولدي
في هذا الزَّمن ليس عليك المبالغة في العيش بل في النّجاة من الكوابيس اليوميّة
ها أنا أنتظر القيامةِ مع رفاق المقهى
ينقصنا الطاولة والدومينو والشاي والدخان.
حسين بهيش - الشّاعر العراقي حسين بهيّش (1994)
❰ له مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ أغنية عن نهاية العالم ❝ ❞ وسيلة أخرى للدخان ❝ الناشرين : ❞ جميع الحقوق محفوظة للمؤلف ❝ ❞ أبجد للترجمة والنشر والتوزيع ❝ ❱
من دواوين الشعر - مكتبة .


اقتباسات من ديوان أغنية عن نهاية العالم

نبذة عن الكتاب:
أغنية عن نهاية العالم

2022م - 1446هـ
في الدّيوان الذي توزَّع على أربعة مداخلٍ وهي: يوم للحكمة والراعي والحسناء، مثل لهفة الماء، كنتُ أولى بالغرق، الحياة جنّة مغلقة. تتنوَّع الأفكار وتتشابه في آن، وربما يعود ذلك إلى عدم إحكام مجاورة النّصوص في مواضيعها لبعضها، وتشابهها واختلافها في ذات الأبواب. تتوالى الانتقالات في تصوير المشاهد، وتدوين المشاعر، واستحضار الذّاكرة، على اختلاف النّصوص وتنوّعها، إذ تزخر بالطابع الرّومانسي الذي يحاكي فيه المرأة، بوصفها الحاضرة دائمًا في حياة الشّاعر الشاب، وتضاف هذه النصوص إلى طبيعة النصوص الشبابيّة العراقيّة التي لا تخلو من المرأة حينًا، ولا من الحزن حينًا آخر، فهما متلازمان على الدوام. قد تغيب التَّجربة الحقيقيّة لوجود هذين العنصرين، وقد يختلقها الشاعر اختلاقًا من أجل إقحامها في النص، لكنَّها في المحصّلة، حاضرة وبكثرة. أضيف كذلك النصوص التي تستحضر الطبيعة بصورها المختلفة، ويعود حضور الطبيعة بناءً على بيئة الشّاعر التي تتصف بصفاتٍ لم تغب عن لحظة الكتابة: النهر، الراعي، الحقل، الشجر، النسر، وغيرها من عناصرٍ شكَّلت حضورها في معظم النصوص. إنَّ الحديث عن مكوِّنات النَّص ليس من باب تفسيره وتوضيحه، بل هي محاولة تتبع أثر وجودها في حياة الشّاعر الواقعيّة، وانعكاسها فيما يكتب، فالشاعر هو المتأثر الأول في ما يحيط به، وما يعيشه وما يتَّكئ عليه من إرث، وبالتالي فإنَّ معرفة مكوّنات النَّص تعني معرفة بتجربة الشاعر، ونضجها، ومدى الاشتغال عليها، وطريقة التعامل معها في الفضاء الشعري، وتحديد ما إذا كان الشاعر يكتب وكأنَّه يسقط فرضًا - كيفما كان - أو أنَّه يكتب مشروعًا محكمًا بناءً على اللحظة المعاشة، أو الفضاء الذي يشهد فيه تغيرات العالم ومشاكله وقضاياه.
تحضر اللحظات الشخصية – الإنسانية في نص بهيّش بصورةٍ صافية، لا تخلو من مسحةٍ رومانسيةٍ ولا من تفاصيل تجيء بشاعريّةٍ عفويةٍ وبسيطة:
أحبُّ الضَّياعَ، الأغاني، الدّخان
بل صُرتُ أقاطع كلَّ فكرةٍ، أو عملٍ يُعطِّلني عنكِ
فأنا أحيانًا أطفِئُ ضوء الغرفة، أفتعل المعنى
فأوقد من قصائدي شمعةً
ثم أقضي الليلَ كلَّه
أحترقُ بدلًا عنها.
فيما تحضر لحظات أخرى ينكبُ فيها على نفسه وخيباتهِ - وبالتالي فإنَّ خيبات الشاعر هي خيبات الإنسان:
الأفكار المتشعِّبة في الرأس
تشبهُ سلاسل في قدمِ سجين
أجرُّها مثلَ كرةٍ حديديَّةٍ
غير أنَّ ثمن الخطوةِ آه.
إنَّ الاشتغال على المكان بوصفه مكوِّنًا من مكونات النَّص أعطى لبعض النّصوص مغايرةً واختلافًا واضحًا، إذ إنَّ المكان بحضوره يُشكِّلُ هويَّة الشّاعر ووجوده وتاريخه، ويبين مدى علاقته به على المستوى الشخصي – الوجودي، هذا غير أنَّ الشّعر ارتبط بالمكان ارتباطًا كبيرًا، وظلَّ الشعراء يؤثِّثون نصوصهم به وبتفاصيله، وهذا ما نجده في بعض نصوص المجموعة:
الفُراتيّةُ كوكبٌ أسمرٌ له ذراعان صغيرتان
يطوِّقان النَّهر بالعشب والعطر
وعيني بدويَّةٍ لامعة.
للفراتيَّةُ أيضًا
شفاهٌ قادمةٌ من عروق الحرير
وضحكةُ طفلٍ، تمدُ الكون بالطمأنينة
عندما يلمسها الحب، تصير شجرة
كن شيئًا، لتحرِّكها.
فالفراتيَّةُ هنا، رمزُ للمرأة التي لها علاقتها بالفرات، والفرات هو النَّهر الذي يمرُّ في أغلب قصائد الشّاعر على اختلاف صوره، بوصفه الصورة الأبرز في مكان الشّاعر وبيئته، ووجود النّهر يقودنا إلى الطَّبيعة مرَّةً أخرى، إلى الفلّاح والراعي وكلِّ ما يُوجد بوجوده:
قميصُكِ الموشوم بالورد
يرشدني إلى بستانٍ مليءٍ بالبراءة والضوء
واقفًا فيه.. أنثر الظّل على تلال الزَّهر
مثل مظَّلةٍ بنفسجيّة.
وفي النَّص خطابٌ موجهٌ من ذات الشاعر إلى ذات الفراتيّة، ولعل النًّص في هذه المرحلة يبلغ مبلغه من الحقيقة المعبرة عن مشاعر الإنسان في مكانه:
وأنتِ كُلّكِ يا ذات القميص
خاطرةٌ في رأسِ فلّاح
سارحٍ في البساتين.
"أغنية عن نهاية العالم" هو الديوان الثاني للشاعر العراقي حسين بهيّش بعد أن أصدر ديوانه الأول "وسيلة أخرى للدخان" في 2021، وأحسب أنَّ تجربته الثانية قد تجاوزت الأولى بكثير، فنيًّا وشعريًّا، وأحسبها انتقالةً على جميع مستويات الكتابة عند الشاعر.
في ندائه الأخير، يقول بهيّش:
أيا نافخ الصّور تأخّر قليلاً
لي أمنيات حان قطافها
أخّر نفخَتك أسبوع
لعلَّ المظروف يصل إلى عتبة بابها.

ليس لديَّ أطفال
لكنَّني خالدٌ بصيغةٍ ما
لديَّ ديوان شعر
في يدِ غريبٍ
يعيد قراءة ما كتبتُ ذات يوم.

سأتركُ خلفي مقاهٍ خالية من الأصدقاء
وحيداً أهمسُ إلى الصّدى ويهمس الفراغ إليَّ
سأترك فراشي الدافئ مع امرأة محظوراً اسمها
امرأة كانت تجمعني
كلَّما بعثرني الهواء القادم من النافذة.

كانت أمّي تقول لي دائماً وفي يدها مسبحتها
أنتَ منحوسٌ يا ولدي
في هذا الزَّمن ليس عليك المبالغة في العيش بل في النّجاة من الكوابيس اليوميّة
ها أنا أنتظر القيامةِ مع رفاق المقهى
ينقصنا الطاولة والدومينو والشاي والدخان. .
المزيد..

تعليقات القرّاء:

في الدّيوان الذي توزَّع على أربعة مداخلٍ وهي: يوم للحكمة والراعي والحسناء، مثل لهفة الماء، كنتُ أولى بالغرق، الحياة جنّة مغلقة. تتنوَّع الأفكار وتتشابه في آن، وربما يعود ذلك إلى عدم إحكام مجاورة النّصوص في مواضيعها لبعضها، وتشابهها واختلافها في ذات الأبواب. تتوالى الانتقالات في تصوير المشاهد، وتدوين المشاعر، واستحضار الذّاكرة، على اختلاف النّصوص وتنوّعها، إذ تزخر بالطابع الرّومانسي الذي يحاكي فيه المرأة، بوصفها الحاضرة دائمًا في حياة الشّاعر الشاب، وتضاف هذه النصوص إلى طبيعة النصوص الشبابيّة العراقيّة التي لا تخلو من المرأة حينًا، ولا من الحزن حينًا آخر، فهما متلازمان على الدوام. قد تغيب التَّجربة الحقيقيّة لوجود هذين العنصرين، وقد يختلقها الشاعر اختلاقًا من أجل إقحامها في النص، لكنَّها في المحصّلة، حاضرة وبكثرة. أضيف كذلك النصوص التي تستحضر الطبيعة بصورها المختلفة، ويعود حضور الطبيعة بناءً على بيئة الشّاعر التي تتصف بصفاتٍ لم تغب عن لحظة الكتابة: النهر، الراعي، الحقل، الشجر، النسر، وغيرها من عناصرٍ شكَّلت حضورها في معظم النصوص. إنَّ الحديث عن مكوِّنات النَّص ليس من باب تفسيره وتوضيحه، بل هي محاولة تتبع أثر وجودها في حياة الشّاعر الواقعيّة، وانعكاسها فيما يكتب، فالشاعر هو المتأثر الأول في ما يحيط به، وما يعيشه وما يتَّكئ عليه من إرث، وبالتالي فإنَّ معرفة مكوّنات النَّص تعني معرفة بتجربة الشاعر، ونضجها، ومدى الاشتغال عليها، وطريقة التعامل معها في الفضاء الشعري، وتحديد ما إذا كان الشاعر يكتب وكأنَّه يسقط فرضًا - كيفما كان - أو أنَّه يكتب مشروعًا محكمًا بناءً على اللحظة المعاشة، أو الفضاء الذي يشهد فيه تغيرات العالم ومشاكله وقضاياه.
تحضر اللحظات الشخصية – الإنسانية في نص بهيّش بصورةٍ صافية، لا تخلو من مسحةٍ رومانسيةٍ ولا من تفاصيل تجيء بشاعريّةٍ عفويةٍ وبسيطة: 
أحبُّ الضَّياعَ، الأغاني، الدّخان
بل صُرتُ أقاطع كلَّ فكرةٍ، أو عملٍ يُعطِّلني عنكِ
فأنا أحيانًا أطفِئُ ضوء الغرفة، أفتعل المعنى
فأوقد من قصائدي شمعةً
ثم أقضي الليلَ كلَّه
أحترقُ بدلًا عنها.
فيما تحضر لحظات أخرى ينكبُ فيها على نفسه وخيباتهِ - وبالتالي فإنَّ خيبات الشاعر هي خيبات الإنسان:
الأفكار المتشعِّبة في الرأس
تشبهُ سلاسل في قدمِ سجين
أجرُّها مثلَ كرةٍ حديديَّةٍ
غير أنَّ ثمن الخطوةِ آه.
إنَّ الاشتغال على المكان بوصفه مكوِّنًا من مكونات النَّص أعطى لبعض النّصوص مغايرةً واختلافًا واضحًا، إذ إنَّ المكان بحضوره يُشكِّلُ هويَّة الشّاعر ووجوده وتاريخه، ويبين مدى علاقته به على المستوى الشخصي – الوجودي، هذا غير أنَّ الشّعر ارتبط بالمكان ارتباطًا كبيرًا، وظلَّ الشعراء يؤثِّثون نصوصهم به وبتفاصيله، وهذا ما نجده في بعض نصوص المجموعة:
الفُراتيّةُ كوكبٌ أسمرٌ له ذراعان صغيرتان
يطوِّقان النَّهر بالعشب والعطر
وعيني بدويَّةٍ لامعة.
للفراتيَّةُ أيضًا
شفاهٌ قادمةٌ من عروق الحرير
وضحكةُ طفلٍ، تمدُ الكون بالطمأنينة
عندما يلمسها الحب، تصير شجرة
كن شيئًا، لتحرِّكها.
فالفراتيَّةُ هنا، رمزُ للمرأة التي لها علاقتها بالفرات، والفرات هو النَّهر الذي يمرُّ في أغلب قصائد الشّاعر على اختلاف صوره، بوصفه الصورة الأبرز في مكان الشّاعر وبيئته، ووجود النّهر يقودنا إلى الطَّبيعة مرَّةً أخرى، إلى الفلّاح والراعي وكلِّ ما يُوجد بوجوده:
قميصُكِ الموشوم بالورد
يرشدني إلى بستانٍ مليءٍ بالبراءة والضوء
واقفًا فيه.. أنثر الظّل على تلال الزَّهر
مثل مظَّلةٍ بنفسجيّة.
وفي النَّص خطابٌ موجهٌ من ذات الشاعر إلى ذات الفراتيّة، ولعل النًّص في هذه المرحلة يبلغ مبلغه من الحقيقة المعبرة عن مشاعر الإنسان في مكانه:
وأنتِ كُلّكِ يا ذات القميص
خاطرةٌ في رأسِ فلّاح
سارحٍ في البساتين.
"أغنية عن نهاية العالم" هو الديوان الثاني للشاعر العراقي حسين بهيّش بعد أن أصدر ديوانه الأول "وسيلة أخرى للدخان" في 2021، وأحسب أنَّ تجربته الثانية قد تجاوزت الأولى بكثير، فنيًّا وشعريًّا، وأحسبها انتقالةً على جميع مستويات الكتابة عند الشاعر.
في ندائه الأخير، يقول بهيّش:
أيا نافخ الصّور تأخّر قليلاً 
لي أمنيات حان قطافها  
أخّر نفخَتك أسبوع
لعلَّ المظروف يصل إلى عتبة بابها. 

ليس لديَّ أطفال 
لكنَّني خالدٌ بصيغةٍ ما 
لديَّ ديوان شعر 
في يدِ غريبٍ
يعيد قراءة ما كتبتُ ذات يوم.

سأتركُ خلفي مقاهٍ خالية من الأصدقاء 
وحيداً أهمسُ إلى الصّدى ويهمس الفراغ إليَّ
سأترك فراشي الدافئ مع امرأة محظوراً اسمها 
امرأة كانت تجمعني 
كلَّما بعثرني الهواء القادم من النافذة.

كانت أمّي تقول لي دائماً وفي يدها مسبحتها 
أنتَ منحوسٌ يا ولدي 
في هذا الزَّمن ليس عليك المبالغة في العيش بل في النّجاة من الكوابيس اليوميّة  
ها أنا أنتظر القيامةِ مع رفاق المقهى 
ينقصنا الطاولة والدومينو والشاي والدخان.



سنة النشر : 2022م / 1443هـ .
عداد القراءة: عدد قراءة أغنية عن نهاية العالم

اذا اعجبك الكتاب فضلاً اضغط على أعجبني
و يمكنك تحميله من هنا:


شكرًا لمساهمتكم

شكراً لمساهمتكم معنا في الإرتقاء بمستوى المكتبة ، يمكنكم االتبليغ عن اخطاء او سوء اختيار للكتب وتصنيفها ومحتواها ، أو كتاب يُمنع نشره ، او محمي بحقوق طبع ونشر ، فضلاً قم بالتبليغ عن الكتاب المُخالف:

المؤلف:
حسين بهيش - Hussein Bahish

كتب حسين بهيش الشّاعر العراقي حسين بهيّش (1994)❰ له مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ أغنية عن نهاية العالم ❝ ❞ وسيلة أخرى للدخان ❝ الناشرين : ❞ جميع الحقوق محفوظة للمؤلف ❝ ❞ أبجد للترجمة والنشر والتوزيع ❝ ❱. المزيد..

كتب حسين بهيش
الناشر:
أبجد للترجمة والنشر والتوزيع
كتب أبجد للترجمة والنشر والتوزيع مؤسسة ابجد مؤسسة ثقافية ليس لديها اي انتماء سياسي او ديني او عشائري سوى للثقافة وللوطن الواحد، اخذت على عاتقها محاولة تحقيق اهدافها التالية من خلال المتطوعين من كافة الطبقات وبالاعتماد كلياً على مصدر تمويل شخصي. ❰ ناشرين لمجموعة من المؤلفات أبرزها ❞ خط الثلث الجلي ❝ ❞ أغنية عن نهاية العالم ❝ ❞ مسرحية الدم والرماد ❝ ❞ علم السرد ما بعد الكلاسيكي- السرد الغير طبيعي ج 1 ❝ ❞ مائة يوم ويوم في بغداد ❝ ❞ امتلك كتابا تمتلك عالما ❝ ❞ التربية الزوجية ❝ ❞ ضرير رأى وجعي ❝ ❞ الرقمنة ❝ ❞ اعترافات البيدق الأخير ❝ ومن أبرز المؤلفين : ❞ أحمد المؤذن ❝ ❞ سعد صلال ❝ ❞ هشام الهرابي ❝ ❞ حسين بهيش ❝ ❞ الدكتور حسين علي جرمط ❝ ❞ ألفونسو ساستري ❝ ❞ نادية هناوي ❝ ❞ حسين نهابة ❝ ❞ هوسنا زيرشتاد ❝ ❞ زهرة خليل حبيب ❝ ❞ آروى الحارثي ❝ ❞ فرح دوسكي ❝ ❞ لمي عبد القادر خنياب ❝ ❞ حاتم الصكر ❝ ❞ لقمان محمود ❝ ❞ علي خميس الفردان ❝ ❞ زينب الكناني ❝ ❞ دكتور مؤيد أحمد علي ❝ ❞ صلاح السعيد ❝ ❱.المزيد.. كتب أبجد للترجمة والنشر والتوزيع