❞ كتاب في هدي القرآن في السياسة والحكم: أطروحة بناء فقه المعاملات السياسية على القيم ❝  ⏤ أمحمد جبرون

❞ كتاب في هدي القرآن في السياسة والحكم: أطروحة بناء فقه المعاملات السياسية على القيم ❝ ⏤ أمحمد جبرون

في كتابه في هدي القرآن في السياسة والحكم: أطروحة بناء فقه المعاملات السياسية على القيم، الصادر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، يسعى امحمد جبرون جادًا إلى تجديد الفكر السياسي الإسلامي وتحديثه، ليكون مرجعية أخلاقية لبناء الدولة المدنية الحديثة في المجال العربي - الإسلامي.

هذا الكتاب مناظرة علمية رصينة للتيارات السياسية الإسلامية السلفية ودعاة الحاكمية المستندة إلى الجزئيات النصية، جاعلة منها كائنات فوق تاريخية، فالأغلب الأعم من المناقشات السياسية بين المسلمين، معتدلين أو متشددين، تدور داخل البراديغم السلفي، وقليلًا ما تنحرف عنه إلى المقاصد الكُلية؛ وهو أيضًا محاولة اجتهادية لإعادة تشكيل العقل السياسي الإسلامي على أسس متصالحة مع الحداثة.

تاريخ وفقه
يقع هذا الكتاب (340 صفحة بالقطع الوسط، موثقًا ومفهرسًا) في خمسة فصول. في الفصل الأول، القرآن السياسي في ضوء التاريخ وأسباب النزول، يورد جبرون الأحكام القرآنية التي تتعلق بالتشريع العقابي والحرب والقتال وتدابير بناء الجماعة السياسية، ويقول إنها أحكام وضعية، كانت موجودة قبل الإسلام، وطبقت بشكل أو بآخر في العصر الجاهلي، ولها مثيلاتها في الشرائع القديمة، ومن ثم لا أصالة لها في ذاتها؛ إذ كانت جزءًا من ثقافة عصر الرسالة.

برأيه، جاءت أحكام القرآن السياسي مراعية ظروفَ الجماعة وتحديات بناء المجتمع الجديد؛ إذ ارتبطت بوقائع وحوادث تاريخية معلومة، وناطقة بالخصوصية، ومن ثم فهي تعبير عن الدينامية التاريخية المحلية الخاصة التي تعكس خصوصية اللحظة التاريخية التي تنزّل فيها الوحي، وتحديات بناء الأمة من ناحية، وتعكس درجة تحمّل الواقع وطاقة الزمان، ولا تستغرق بالضرورة جميع الرسالة القيمية للقرآن من ناحية ثانية.

يقول المؤلف في الفصل الثاني، أصول الفقه: من إشكالات الخطاب إلى إشكالات التاريخ - القرآن السياسي أنموذجًا، إن العقل الفقهي الذي يستعان به لحل مسائل التدين المعاصرة عقل ناقص ونسبي، يعاني أوجهًا مختلفة من القصور والعجز، حيث تهيَّأ وتشكّل لمجابهة إشكالات اللغة والخطاب الشرعيين، ولم يُهيّأ أبدًا لمعالجة إشكالات التاريخ وتبايناته وتفاوتاته. من ثمّ، لا يمكن النجاح في إصلاح أعطاب التدين الإسلامي وبناء تدين عصري إذا لم ينجح المسلمون في بناء عقل فقهي جديد يتصدى للإشكالات الداخلة على الإسلام من جهة التاريخ، والتطور الكبير الذي شهدته الإنسانية في القرون الأخيرة.

مناهج مختلفة
في الفصل الثالث، مناهج تجديد فقه النص وحدودها - القرآن السياسي أنموذجًا، يقول جبرون إن الخلاصةَ الأساسية من تتُّبع المنجَز المعرفيّ في مجال الدراسات القرآنية للمناهج المختلفة في مقاربتها أحكامَ القرآن السياسي هي أن أحكام المعاملات في القرآن الكريم يمكن تعليلُها مصلحيًا واللجوءُ إلى أحكام أخرى تقتضيها المصلحة، ولا خلافَ حول هذا بين المناهج المختلفة، باستثناء أحكام المقدَّرات التي يتشبثّ المقاصديون بتطبيقها ولا يجدون مسوِّغًا لتعطيلها، بينما يجيز ذلك اللغويون والتاريخيون إما بتأويل الألفاظ، وإما باعتبارها جزءًا من ثقافة زمان الرسالة.

يضيف: "إن إرضاءَ الوجدان الديني والانحيازَ له، عادةً ما يصاحبهما صدامٌ مع الحداثة، المفتقِدُ في الكثير من الأحيان المعقولية، كما أن إرضاء التطلّعات الحداثية، عادةً ما تصحبه استهانةٌ بالإيمان والوجدان الديني، فالمقاصديُّ على الرغم من جهده المحمود في تيسير سبل التحديث ما زال محدودَ الأفق في قضايا ومسائل كثيرة؛ منها متعلق بالقرآن السياسي. وعلى عكس ذلك، بالنسبة إلى التاريخي، وعلى الرغم من تذكيره المستمر بالتزامه الديني والشرعي، وصدوره عن مرجعية الإسلام في أفكاره الإصلاحية التي تتماسّ مع الدين، فإن أعماله في حالات كثيرة تبعث على الريب، وتضعه في مواضع الشبهة التي تجر عليه ألسنة التكفيريين".

في الفصل الرابع، منهج هدي القرآن، تستند قراءة المؤلف القيمية للقرآن الكريم إلى فرضية رئيسة مفادها أن أحكام المعاملات، ومن ضمنها أحكام السياسة والتدبير، تدور مع القيم الكلّية، وتسعى إلى حفظها، وأن هيئة هذه الأحكام هي هيئة تاريخية يعتورها ما يعتور التاريخ من تبدل وتغيّرٍ تبعًا للسياق ومع المطاولة. وتقوم قراءته هذه على مبدأين منهجيين: ردّ أحكام المعاملات السياسية إلى جذورها القيمية؛ والتِماس القيم الكلّية الضابطة أمر الهداية في باب المعاملات السياسية، قديمها وحديثها، من القرآن الكريم.

في السياسة والحكم
يرى جبرون في الفصل الخامس والأخير، هدي القرآن في السياسة والحكم، أن ثمة أمران يحولان دون تحقق أخلاقية السياسة من منظور إسلامي، وفي السياق المعاصر: الأول، عدم التمييز بين القيم وصورها الفقهية المتجلية في أحكام السياسة الشرعية؛ والثاني، غياب مرجعية قيمية واضحة ومبتكرة، قادرة على تأطير الحداثة السياسية تأطيرًا أخلاقيًا سليمًا، ومواكبة الثورة المعاملاتية التي يشهدها الحقل السياسي. حاول جبرون بناء أطروحة نظرية لتخليص الفكر السياسي الإسلامي من هذا المأزق، بالفصل بين قيم القرآن وهديه والصور التاريخية لهذه القيم من جهة، وباستنباط قيم القرآن الكلِّية، المشرفة على مجال المعاملات، وعلى رأسها المعاملات السياسية من جهة ثانية.

في خاتمة: في ضرورة بناء فقه السياسة على القيم، يختم المؤلف بالقول إن تطبيق المنهج القيمي في دراسة أحكام القرآن المعاملاتية، وبشكل خاص أحكام القرآن السياسي، يتخذ وجهين مختلفين: فمن جهة، يتّجه إلى استخراج القيم الكلِّية المرجعية من القرآن بشكل عام، ومن تحققاتها التاريخية؛ ومن جهة ثانية، يتّجه إلى توليد أحكام فقهية بخصوص أوضاع العصر السياسية انطلاقًا من هذه القيم.
أمحمد جبرون - ❰ له مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ نشأة الفكر السياسي الإسلامي وتطوره ❝ ❞ تجربة الحوار الثقافي مع الغرب قراءة تقويمية ونموذج مقترح ❝ ❞ في هدي القرآن في السياسة والحكم: أطروحة بناء فقه المعاملات السياسية على القيم ❝ الناشرين : ❞ المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ❝ ❞ منتدى العلاقات العربية والدولية ❝ ❞ مركز نماء للبحوث والدراسات ❝ ❱
من فكر إسلامي الفكر والفلسفة - مكتبة المكتبة التجريبية.

نبذة عن الكتاب:
في هدي القرآن في السياسة والحكم: أطروحة بناء فقه المعاملات السياسية على القيم

2019م - 1446هـ
في كتابه في هدي القرآن في السياسة والحكم: أطروحة بناء فقه المعاملات السياسية على القيم، الصادر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، يسعى امحمد جبرون جادًا إلى تجديد الفكر السياسي الإسلامي وتحديثه، ليكون مرجعية أخلاقية لبناء الدولة المدنية الحديثة في المجال العربي - الإسلامي.

هذا الكتاب مناظرة علمية رصينة للتيارات السياسية الإسلامية السلفية ودعاة الحاكمية المستندة إلى الجزئيات النصية، جاعلة منها كائنات فوق تاريخية، فالأغلب الأعم من المناقشات السياسية بين المسلمين، معتدلين أو متشددين، تدور داخل البراديغم السلفي، وقليلًا ما تنحرف عنه إلى المقاصد الكُلية؛ وهو أيضًا محاولة اجتهادية لإعادة تشكيل العقل السياسي الإسلامي على أسس متصالحة مع الحداثة.

تاريخ وفقه
يقع هذا الكتاب (340 صفحة بالقطع الوسط، موثقًا ومفهرسًا) في خمسة فصول. في الفصل الأول، القرآن السياسي في ضوء التاريخ وأسباب النزول، يورد جبرون الأحكام القرآنية التي تتعلق بالتشريع العقابي والحرب والقتال وتدابير بناء الجماعة السياسية، ويقول إنها أحكام وضعية، كانت موجودة قبل الإسلام، وطبقت بشكل أو بآخر في العصر الجاهلي، ولها مثيلاتها في الشرائع القديمة، ومن ثم لا أصالة لها في ذاتها؛ إذ كانت جزءًا من ثقافة عصر الرسالة.

برأيه، جاءت أحكام القرآن السياسي مراعية ظروفَ الجماعة وتحديات بناء المجتمع الجديد؛ إذ ارتبطت بوقائع وحوادث تاريخية معلومة، وناطقة بالخصوصية، ومن ثم فهي تعبير عن الدينامية التاريخية المحلية الخاصة التي تعكس خصوصية اللحظة التاريخية التي تنزّل فيها الوحي، وتحديات بناء الأمة من ناحية، وتعكس درجة تحمّل الواقع وطاقة الزمان، ولا تستغرق بالضرورة جميع الرسالة القيمية للقرآن من ناحية ثانية.

يقول المؤلف في الفصل الثاني، أصول الفقه: من إشكالات الخطاب إلى إشكالات التاريخ - القرآن السياسي أنموذجًا، إن العقل الفقهي الذي يستعان به لحل مسائل التدين المعاصرة عقل ناقص ونسبي، يعاني أوجهًا مختلفة من القصور والعجز، حيث تهيَّأ وتشكّل لمجابهة إشكالات اللغة والخطاب الشرعيين، ولم يُهيّأ أبدًا لمعالجة إشكالات التاريخ وتبايناته وتفاوتاته. من ثمّ، لا يمكن النجاح في إصلاح أعطاب التدين الإسلامي وبناء تدين عصري إذا لم ينجح المسلمون في بناء عقل فقهي جديد يتصدى للإشكالات الداخلة على الإسلام من جهة التاريخ، والتطور الكبير الذي شهدته الإنسانية في القرون الأخيرة.

مناهج مختلفة
في الفصل الثالث، مناهج تجديد فقه النص وحدودها - القرآن السياسي أنموذجًا، يقول جبرون إن الخلاصةَ الأساسية من تتُّبع المنجَز المعرفيّ في مجال الدراسات القرآنية للمناهج المختلفة في مقاربتها أحكامَ القرآن السياسي هي أن أحكام المعاملات في القرآن الكريم يمكن تعليلُها مصلحيًا واللجوءُ إلى أحكام أخرى تقتضيها المصلحة، ولا خلافَ حول هذا بين المناهج المختلفة، باستثناء أحكام المقدَّرات التي يتشبثّ المقاصديون بتطبيقها ولا يجدون مسوِّغًا لتعطيلها، بينما يجيز ذلك اللغويون والتاريخيون إما بتأويل الألفاظ، وإما باعتبارها جزءًا من ثقافة زمان الرسالة.

يضيف: "إن إرضاءَ الوجدان الديني والانحيازَ له، عادةً ما يصاحبهما صدامٌ مع الحداثة، المفتقِدُ في الكثير من الأحيان المعقولية، كما أن إرضاء التطلّعات الحداثية، عادةً ما تصحبه استهانةٌ بالإيمان والوجدان الديني، فالمقاصديُّ على الرغم من جهده المحمود في تيسير سبل التحديث ما زال محدودَ الأفق في قضايا ومسائل كثيرة؛ منها متعلق بالقرآن السياسي. وعلى عكس ذلك، بالنسبة إلى التاريخي، وعلى الرغم من تذكيره المستمر بالتزامه الديني والشرعي، وصدوره عن مرجعية الإسلام في أفكاره الإصلاحية التي تتماسّ مع الدين، فإن أعماله في حالات كثيرة تبعث على الريب، وتضعه في مواضع الشبهة التي تجر عليه ألسنة التكفيريين".

في الفصل الرابع، منهج هدي القرآن، تستند قراءة المؤلف القيمية للقرآن الكريم إلى فرضية رئيسة مفادها أن أحكام المعاملات، ومن ضمنها أحكام السياسة والتدبير، تدور مع القيم الكلّية، وتسعى إلى حفظها، وأن هيئة هذه الأحكام هي هيئة تاريخية يعتورها ما يعتور التاريخ من تبدل وتغيّرٍ تبعًا للسياق ومع المطاولة. وتقوم قراءته هذه على مبدأين منهجيين: ردّ أحكام المعاملات السياسية إلى جذورها القيمية؛ والتِماس القيم الكلّية الضابطة أمر الهداية في باب المعاملات السياسية، قديمها وحديثها، من القرآن الكريم.

في السياسة والحكم
يرى جبرون في الفصل الخامس والأخير، هدي القرآن في السياسة والحكم، أن ثمة أمران يحولان دون تحقق أخلاقية السياسة من منظور إسلامي، وفي السياق المعاصر: الأول، عدم التمييز بين القيم وصورها الفقهية المتجلية في أحكام السياسة الشرعية؛ والثاني، غياب مرجعية قيمية واضحة ومبتكرة، قادرة على تأطير الحداثة السياسية تأطيرًا أخلاقيًا سليمًا، ومواكبة الثورة المعاملاتية التي يشهدها الحقل السياسي. حاول جبرون بناء أطروحة نظرية لتخليص الفكر السياسي الإسلامي من هذا المأزق، بالفصل بين قيم القرآن وهديه والصور التاريخية لهذه القيم من جهة، وباستنباط قيم القرآن الكلِّية، المشرفة على مجال المعاملات، وعلى رأسها المعاملات السياسية من جهة ثانية.

في خاتمة: في ضرورة بناء فقه السياسة على القيم، يختم المؤلف بالقول إن تطبيق المنهج القيمي في دراسة أحكام القرآن المعاملاتية، وبشكل خاص أحكام القرآن السياسي، يتخذ وجهين مختلفين: فمن جهة، يتّجه إلى استخراج القيم الكلِّية المرجعية من القرآن بشكل عام، ومن تحققاتها التاريخية؛ ومن جهة ثانية، يتّجه إلى توليد أحكام فقهية بخصوص أوضاع العصر السياسية انطلاقًا من هذه القيم. .
المزيد..

تعليقات القرّاء:

في كتابه في هدي القرآن في السياسة والحكم: أطروحة بناء فقه المعاملات السياسية على القيم، الصادر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، يسعى امحمد جبرون جادًا إلى تجديد الفكر السياسي الإسلامي وتحديثه، ليكون مرجعية أخلاقية لبناء الدولة المدنية الحديثة في المجال العربي - الإسلامي.

هذا الكتاب مناظرة علمية رصينة للتيارات السياسية الإسلامية السلفية ودعاة الحاكمية المستندة إلى الجزئيات النصية، جاعلة منها كائنات فوق تاريخية، فالأغلب الأعم من المناقشات السياسية بين المسلمين، معتدلين أو متشددين، تدور داخل البراديغم السلفي، وقليلًا ما تنحرف عنه إلى المقاصد الكُلية؛ وهو أيضًا محاولة اجتهادية لإعادة تشكيل العقل السياسي الإسلامي على أسس متصالحة مع الحداثة.

تاريخ وفقه

يقع هذا الكتاب (340 صفحة بالقطع الوسط، موثقًا ومفهرسًا) في خمسة فصول. في الفصل الأول، القرآن السياسي في ضوء التاريخ وأسباب النزول، يورد جبرون الأحكام القرآنية التي تتعلق بالتشريع العقابي والحرب والقتال وتدابير بناء الجماعة السياسية، ويقول إنها أحكام وضعية، كانت موجودة قبل الإسلام، وطبقت بشكل أو بآخر في العصر الجاهلي، ولها مثيلاتها في الشرائع القديمة، ومن ثم لا أصالة لها في ذاتها؛ إذ كانت جزءًا من ثقافة عصر الرسالة.

برأيه، جاءت أحكام القرآن السياسي مراعية ظروفَ الجماعة وتحديات بناء المجتمع الجديد؛ إذ ارتبطت بوقائع وحوادث تاريخية معلومة، وناطقة بالخصوصية، ومن ثم فهي تعبير عن الدينامية التاريخية المحلية الخاصة التي تعكس خصوصية اللحظة التاريخية التي تنزّل فيها الوحي، وتحديات بناء الأمة من ناحية، وتعكس درجة تحمّل الواقع وطاقة الزمان، ولا تستغرق بالضرورة جميع الرسالة القيمية للقرآن من ناحية ثانية.

يقول المؤلف في الفصل الثاني، أصول الفقه: من إشكالات الخطاب إلى إشكالات التاريخ - القرآن السياسي أنموذجًا، إن العقل الفقهي الذي يستعان به لحل مسائل التدين المعاصرة عقل ناقص ونسبي، يعاني أوجهًا مختلفة من القصور والعجز، حيث تهيَّأ وتشكّل لمجابهة إشكالات اللغة والخطاب الشرعيين، ولم يُهيّأ أبدًا لمعالجة إشكالات التاريخ وتبايناته وتفاوتاته. من ثمّ، لا يمكن النجاح في إصلاح أعطاب التدين الإسلامي وبناء تدين عصري إذا لم ينجح المسلمون في بناء عقل فقهي جديد يتصدى للإشكالات الداخلة على الإسلام من جهة التاريخ، والتطور الكبير الذي شهدته الإنسانية في القرون الأخيرة.

مناهج مختلفة

في الفصل الثالث، مناهج تجديد فقه النص وحدودها - القرآن السياسي أنموذجًا، يقول جبرون إن الخلاصةَ الأساسية من تتُّبع المنجَز المعرفيّ في مجال الدراسات القرآنية للمناهج المختلفة في مقاربتها أحكامَ القرآن السياسي هي أن أحكام المعاملات في القرآن الكريم يمكن تعليلُها مصلحيًا واللجوءُ إلى أحكام أخرى تقتضيها المصلحة، ولا خلافَ حول هذا بين المناهج المختلفة، باستثناء أحكام المقدَّرات التي يتشبثّ المقاصديون بتطبيقها ولا يجدون مسوِّغًا لتعطيلها، بينما يجيز ذلك اللغويون والتاريخيون إما بتأويل الألفاظ، وإما باعتبارها جزءًا من ثقافة زمان الرسالة.

يضيف: "إن إرضاءَ الوجدان الديني والانحيازَ له، عادةً ما يصاحبهما صدامٌ مع الحداثة، المفتقِدُ في الكثير من الأحيان المعقولية، كما أن إرضاء التطلّعات الحداثية، عادةً ما تصحبه استهانةٌ بالإيمان والوجدان الديني، فالمقاصديُّ على الرغم من جهده المحمود في تيسير سبل التحديث ما زال محدودَ الأفق في قضايا ومسائل كثيرة؛ منها متعلق بالقرآن السياسي. وعلى عكس ذلك، بالنسبة إلى التاريخي، وعلى الرغم من تذكيره المستمر بالتزامه الديني والشرعي، وصدوره عن مرجعية الإسلام في أفكاره الإصلاحية التي تتماسّ مع الدين، فإن أعماله في حالات كثيرة تبعث على الريب، وتضعه في مواضع الشبهة التي تجر عليه ألسنة التكفيريين".

في الفصل الرابع، منهج هدي القرآن، تستند قراءة المؤلف القيمية للقرآن الكريم إلى فرضية رئيسة مفادها أن أحكام المعاملات، ومن ضمنها أحكام السياسة والتدبير، تدور مع القيم الكلّية، وتسعى إلى حفظها، وأن هيئة هذه الأحكام هي هيئة تاريخية يعتورها ما يعتور التاريخ من تبدل وتغيّرٍ تبعًا للسياق ومع المطاولة. وتقوم قراءته هذه على مبدأين منهجيين: ردّ أحكام المعاملات السياسية إلى جذورها القيمية؛ والتِماس القيم الكلّية الضابطة أمر الهداية في باب المعاملات السياسية، قديمها وحديثها، من القرآن الكريم.

في السياسة والحكم

يرى جبرون في الفصل الخامس والأخير، هدي القرآن في السياسة والحكم، أن ثمة أمران يحولان دون تحقق أخلاقية السياسة من منظور إسلامي، وفي السياق المعاصر: الأول، عدم التمييز بين القيم وصورها الفقهية المتجلية في أحكام السياسة الشرعية؛ والثاني، غياب مرجعية قيمية واضحة ومبتكرة، قادرة على تأطير الحداثة السياسية تأطيرًا أخلاقيًا سليمًا، ومواكبة الثورة المعاملاتية التي يشهدها الحقل السياسي. حاول جبرون بناء أطروحة نظرية لتخليص الفكر السياسي الإسلامي من هذا المأزق، بالفصل بين قيم القرآن وهديه والصور التاريخية لهذه القيم من جهة، وباستنباط قيم القرآن الكلِّية، المشرفة على مجال المعاملات، وعلى رأسها المعاملات السياسية من جهة ثانية.

في خاتمة: في ضرورة بناء فقه السياسة على القيم، يختم المؤلف بالقول إن تطبيق المنهج القيمي في دراسة أحكام القرآن المعاملاتية، وبشكل خاص أحكام القرآن السياسي، يتخذ وجهين مختلفين: فمن جهة، يتّجه إلى استخراج القيم الكلِّية المرجعية من القرآن بشكل عام، ومن تحققاتها التاريخية؛ ومن جهة ثانية، يتّجه إلى توليد أحكام فقهية بخصوص أوضاع العصر السياسية انطلاقًا من هذه القيم.



سنة النشر : 2019م / 1440هـ .
عداد القراءة: عدد قراءة في هدي القرآن في السياسة والحكم: أطروحة بناء فقه المعاملات السياسية على القيم

اذا اعجبك الكتاب فضلاً اضغط على أعجبني
و يمكنك تحميله من هنا:


شكرًا لمساهمتكم

شكراً لمساهمتكم معنا في الإرتقاء بمستوى المكتبة ، يمكنكم االتبليغ عن اخطاء او سوء اختيار للكتب وتصنيفها ومحتواها ، أو كتاب يُمنع نشره ، او محمي بحقوق طبع ونشر ، فضلاً قم بالتبليغ عن الكتاب المُخالف:

المؤلف:
أمحمد جبرون - Ahmed Gabroun

كتب أمحمد جبرون ❰ له مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ نشأة الفكر السياسي الإسلامي وتطوره ❝ ❞ تجربة الحوار الثقافي مع الغرب قراءة تقويمية ونموذج مقترح ❝ ❞ في هدي القرآن في السياسة والحكم: أطروحة بناء فقه المعاملات السياسية على القيم ❝ الناشرين : ❞ المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ❝ ❞ منتدى العلاقات العربية والدولية ❝ ❞ مركز نماء للبحوث والدراسات ❝ ❱. المزيد..

كتب أمحمد جبرون
الناشر:
المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات
كتب المركز العربي للأبحاث ودراسة السياساتالمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات هو مؤسسة بحثية عربيّة مستقلة للعلوم الاجتماعيّة والعلوم الاجتماعيّة التطبيقيّة والتّاريخ الإقليميّ والقضايا الجيوستراتيجية، تأسست في 2010 مقرها الدوحة بقطر يديرها الباحث والمفكر العربي عزمي بشارة. يقيم المركز سنويًا مؤتمر العلوم الاجتماعية والإنسانية ومؤتمر مراكز الأبحاث، إضافة إلى مؤتمرات أخرى غير دورية تُعنى بالقضايا الجيواستراتيجية والجيوبوليتيكية والتاريخ الإقليمي وغير ذلك مما يهم الوطن العربي من قضايا. كما يصدر المركز أربع دوريات محكّمة هي: دوريّة «تبيّن» وهي فصلية تُعنى بالدراسات الفكرية والثقافية ودوريّة «عمران» وهي فصلية تُعنى بالعلوم الاجتماعية والإنسانية ودوريّة «سياسات عربية» التي تصدر كل شهرين وتُعنى بالعلوم السياسية والعلاقات الدولية والسياسات العامة.، ودورية أسطور والتي تعنى بالدراسات التاريخية أطلق المركز مؤخرا مشروع المعجم التاريخي للغة العربية، كما افتتح في عام 2015 معهد الدوحة للدراسات العليا. ❰ ناشرين لمجموعة من المؤلفات أبرزها ❞ حركة القوميين العرب النشأة التطور المصائر ❝ ❞ الجيش والسياسة اشكاليات نظرية ونماذج عربية ❝ ❞ جدليات الإندماج الاجتماعي وبناء الدولة والأمة في الوطن العربي ❝ ❞ السلام والمجتمع الديمقراطي ❝ ❞ الخبز في مصر العثمانية ❝ ❞ الأمن الاجتماعي الاقتصادي والمواطنة الناشطة في المجتمع المصري ❝ ❞ بلاد الشام في مطلع القرن العشرين ❝ ❞ تاريخ التأريخ / اتجاهات / مدارس / مناهج ❝ ❞ تاريخ التأريخ ❝ ❞ الدولة واقتصاد السوق ❝ ومن أبرز المؤلفين : ❞ مجموعة من المؤلفين ❝ ❞ إيمانويل كانط ❝ ❞ وائل حلاق ❝ ❞ عزمي بشارة ❝ ❞ وجيه كوثراني ❝ ❞ ألكسندر دوغين ❝ ❞ أرنست كاسيرر ❝ ❞ محمد جمال باروت ❝ ❞ أمحمد جبرون ❝ ❞ جمال كمال محمود ❝ ❞ جورج خضر - طريف الخالدي - ادمون رباط - قسطنطين زريق - رضوان السيد -وجيه كوثراني ❝ ❞ أمارتيا سن ❝ ❞ سارة البلتاجي ❝ ❞ محمد توفيق ❝ ❞ سلافوي جيجك ❝ ❞ طاهر حمدي كنعان و حازم تيسير رحاحلة ❝ ❞ نبيل علي العتوم ❝ ❞ أمارتيا كومار سن ❝ ❞ بيبا نوريس ❝ ❞ سمير ساسي ❝ ❞ حمادي ذويب ❝ ❞ عز الدين جسوس ❝ ❞ حيدر قاسم مطر التميمي ❝ ❞ رشاد توام ❝ ❞ يوسف بن عدي ❝ ❞ إميل دوركهايم ❝ ❞ رشيد جرموني ❝ ❞ سعود بن عبد الله الزدجالي ❝ ❞ حسن مرزوقي ❝ ❞ عمير أنس ❝ ❞ إبراهيم أبو هشهش ❝ ❞ ريوين كونيل ❝ ❞ فاروق منصور ❝ ❱.المزيد.. كتب المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات