📘 قراءة كتاب المستشرقون ومصادر علم الكلام الإسلامي: بين التحقيق والنشر والترجمة أونلاين
صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات كتاب المستشرقون ومصادر علم الكلام الإسلامي: بين التحقيق والنشر والترجمة، لحيدر قاسم مطر التميمي (في224 صفحة)، الذي يبحث في العلاقة بين الاستشراق وعلم تحقيق النصوص، وكيف ساهم المستشرقون في تحقيق التراث العربي الخاص بعلم الكلام ونشره؛ إذ لا يتأتَّى اشتغال المستشرقين بدراسة هذا التراث وتحقيقه إلّا بسبب إدراكهم أهميته وأثره الكبير، واعترافهم بما قدّمه العرب المسلمون للحضارة الإنسانية.
يحاول المؤلف في المقدمات المنهجية للكتاب تقديم تمهيد هو أشبه ما يكون بتعريف أربعٍ من دعائم التراث العربي الخاص بعِلم الكلام ومفاهيمه. ويعرض أبرز النِتاجات العلمية التي تناولت علم الكلام الإسلامي بالبحث والدراسة، إضافة إلى جهود المستشرقين ومناهجهم في فهرسة المخطوطات. كما يضمِّن كتابه دراسة وصفية يحصي فيها تحقيقات المستشرقين لمخطوطات علم الكلام الإسلامي خلال القرنين التاسع عشر والعشرين، وما ترجمه بعضهم من هذه المؤلَّفات إلى اللغات الأوروبية.
الاستشراق ونفائس المخطوطات
عمد الكاتب في البدء إلى استعراض أهم ما تقدّم بشأن مصطلح الاستشراق ومفهومه من دراسات وآراء توضح ماهيته ومدلولاته وأبرز مجالاته التي خاض فيها، وما كان له من أثر بارز في تحديد معالمها؛ حاول الباحث توضيح هذا المفهوم الخاص بالاستشراق، بالتركيز على استخلاصه من جهة صانعه وليس من جهة منتقديه ومعارضيه، كونهم الأَولى بأن يقدّموا لنا التعريف الأدق والأمثل لما أنتجوه من دراسات علمية – أكاديمية وجّهت في صورة رئيسة نحو العالم الإسلامي في محاولة جادة منهم لكشف النقاب عن أسرار هذا العالم والتعرف إليه من كثب. وخاض الفصل الأول من الكتاب في تعريف المخطوطات وعلمها، مع بيان مفهوم هذين المصطلحين ودلالتهما.
وقدَّم الباحث، تحت عنوان "الطباعة العربية في أوروبا... النشأة والتطور"، سردًا موجزًا وشاملًا، قدر الإمكان، لتاريخ الطباعة باللغة العربية في القارة العجوز، راعى فيه التسلسل الزمني، مع إشارة إلى المحطات الكبرى في تاريخ هذه الطباعة. وبحث في طبيعة العلاقة التي ربطت الاستشراق بنفائس المخطوطات لتودع في نهاية المطاف في مكتبات أوروبا، العامة منها والخاصة، متتبّعًا خطوات الرحالة الأوائل في بحثهم الدؤوب عن هذه الكنوز المدفونة قرونًا طوالًا في غياهب الأقبية والمكتبات العتيقة.
وتزخر الكتب القديمة بعناوين كتب لم يُعثر على أصولها، وهو ما يشير إلى قدر المفقود من المخطوطات العربية، لكن الأوروبيين وغيرهم من المستشرقين ممن فُتنوا بحضارة الشرق حرصوا على جمع المخطوطات العربية في فترات مختلفة من التاريخ، ما أدى إلى تناثر المخطوطات العربية في مكتبات العالم، فتوزعت أصول الحضارة العربية في دول عدة.
حصر الباحث مساهمات المستشرقين في خدمة المخطوط العربي ضمن خمسة مجالات، هي في النهاية المجالات المهمة التي يمكن أن يخدم التراث من خلالها، وهي كما يلي:
- البحث عن المخطوطات، والرحلة إليها، وجمعها، ونقلها، وحفظها، وصيانتها.
- فهرسة المخطوطات، وتوثيقها وضبطها وراقيًّا (وعائيًّا أو بيبليوغرافيًّا)، وربما كشفها وتلخيصها.
- تحقيق كتب التراث العربي - الإسلامي.
- الدراسات والبحوث حول التراث، مع العناية بالمعاجم.
- ترجمة التراث العربي - الإسلامي إلى اللغات الأجنبية المختلفة.
علم الكلام الإسلامي في الدراسات الاستشراقية
بحث المستشرقون في علم الكلام الإسلامي منذ نشأته وتاريخه، مرورًا بأطواره، وتناولوا العوامل التي ساعدت في تكوينه، التي منها ما هو داخلي، ومنها ما هو خارجي. فعن نشأته، أبدى أكثر المستشرقين صعوبة تحديد بدايتها، وذكر ذلك المستشرق الألماني باريت، بقوله: "من المتعذر أن تحدد بدقة العصر الذي صار فيه مصطلح ’علم الكلام‘ يعني علمًا دينيًّا مستقلًا"، الأمر الذي أدى إلى جدل وخلافات في شأنه. يقول المستشرق الأميركي ديمتري غوتاس: "إن بدايات علم الكلام هي موضوع كثر الجدل حوله". لكن هذا لم يثن المستشرقين عن تحديد بدايات علم الكلام الإسلامي التي كانت في نظرهم مع بداية الدين الإسلامي نفسه، وهذا ما يسمونه الوسائل أو العوامل الداخلية؛ فالإسلام في نظر المستشرقين لم يكن دينًا كاملًا ومتكامل البناء، ثم إنه يحتاج إلى علم الكلام ليتمّه ويكمل بنيانه. يقول المستشرق المجري إغناتس غولدتسيهر (1850-1921) Ignác Goldziher في هذا الشأن: "ليس الأنبياء من رجال علم الكلام، فالرسالة التي يأتون بها بدافع إدراكهم المباشر، وكذلك المعارف الدينية التي يوقظونها، لا تتمثل كهيكل مذهب مبني طبقًا لخطة روي فيها مقدمًا، بل كثيرًا ما تتحدى كل محاولة للتنسيق المذهبي. يجب إذًا الانتظار إلى أن تأتي الأجيال التالية، حيث تؤدي الثقافة المشتركة للأفكار المستقاة من الأنصار والأوائل، إلى تكوين طائفة محددة؛ عندئذ تتخذ تلك الأفكار شكلًا مجسّمًا، من طريق وسائل داخلية في الطائفة نفسها أو بفعل تأثيرات البيئة المحيطة، وهذه الأفكار تتقدم بواسطة من يشعرون بأنهم مختارون ليكونوا المفسرين لما أتى به النبي. بذلك يسدون ما يكون في التعاليم النبوية من ثغرات".
هكذا، تتحدد نظرة المستشرقين إلى نشأة علم الكلام الإسلامي، في أنه نشأ من داخل المجتمع الإسلامي، وبسبب نقص تعاليم القرآن الكريم والدين الإسلامي وتناقضها، التي اتضح أنها نظرة مبنية على أمور خطِرة، من أهمها: الطعن في الدين الإسلامي ووصفه بأنه دين من وضع محمد؛ الطعن في القرآن الكريم، فهو عندهم كتابٌ ليس فيه عقيدة واضحة، ولا إعجاز، اختلف المسلمون الأوائل حول قراءاته التي وحّدها الخليفة الراشدي الثالث عثمان بن عفان (47 ق.ه./35 ه) في مصحف واحد، فكانت نظرتهم إلى القرآن الكريم تشبه نظرتهم إلى الإنجيل؛ جعل الفضل لما وصل إليه الإسلام من ترتيب عقائدي منظم ومفسر لجميع ما فيه لا يعود إلى الدين نفسه، كونه دينًا ناقصًا ومتناقضًا، بل إلى أمور هي من خارجه، كالفلسفة اليونانية والاتصال بالديانات الأخرى كاليهودية والنصرانية والمانوية، وغيرها.
ولم تقتصر أعمال المستشرقين على التأليف والكتابة، بل إنها تنوعت في عدد من الأشكال، منها التدريس الجامعي الذي لا تخلو جامعة منه تقريبًا، بل قد يكون في بعض الجامعات الغربية تخصصات متنوعة تعنى بالدراسات الإسلامية، منها ما يتناول دراسة اللغة العربية، ومنها ما يختص بدراسة تاريخ الإسلام وحضارته، حيث تمد هذه الجامعات مكتبات مليئة بالمصادر والمراجع العربية والإسلامية، فتؤهل هذه الجامعات الدارسين ليواصلوا العمل في المجال الاستشراقي، فضلًا عن جمع المستشرقين المخطوطات والمحافظة عليها وصيانتها من التلف، وفهرستها فهرسةً علمية.
دارت مناقشات طويلة حول موضوع فهرسة المخطوطات بين العلماء والمكتبيين منذ عقود تكاد تُعَد - من بعض الوجوه - نوعًا من المناقشات البيزنطية؛ لأنها لم تفض إلى خلاصات يطمئن إليها المختصون في معظم الجهات.
إن الفهرسة ليست مشكلًا يخص التراث العربي وحده، بل هي مشكل يهم الدراسات الأجنبية كذلك؛ فمنذ أربعينيات القرن الماضي، نرى علماء الغرب يدعون إلى توحيد فهرسة المخطوطات اليونانية واللاتينية، وغيرها من مخطوطات اللغات الفرعية، فهل نجحوا في مسعاهم؟ وهل وضعوا فهارس موحدة تفي بالمواصفات الضرورية للتعريف بالمصطلح؟
لذا، ناقش الكتاب دور المستشرقين في حفظ التراث العربي - الإسلامي من المخطوطات الأصلية والنادرة، سواء في مكتباتهم الخاصة أو في المكتبات العامة، وفهرستها فهرسةً علمية مبنية على أصول وقواعد منهجية رصينة، ساهمت في تذليل العقبات أمام سبل الوصول إلى هذه الكنوز المعرفية والاستفادة منها. أكسب هذا الدور الحركة الاستشراقية بصورة عامة معظم رصيدها من الإشادة والإيجابية.
سنة النشر : 2021م / 1442هـ .
عداد القراءة:
اذا اعجبك الكتاب فضلاً اضغط على أعجبني و يمكنك تحميله من هنا:
عفواً..
هذا الكتاب
غير متاح للتحميل، حفاظًا على حقوق دار النشر. ،، يمكنكم شراؤه من مصادر أخرى
🛒 شراء " المستشرقون ومصادر علم الكلام الإسلامي: بين التحقيق والنشر والترجمة " من متاجر إلكترونيّة
شكرًا لمساهمتكم
شكراً لمساهمتكم معنا في الإرتقاء بمستوى المكتبة ، يمكنكم االتبليغ عن اخطاء او سوء اختيار للكتب وتصنيفها ومحتواها ، أو كتاب يُمنع نشره ، او محمي بحقوق طبع ونشر ، فضلاً قم بالتبليغ عن الكتاب المُخالف: