📘 قراءة كتاب البرغسونية أونلاين
تعتبر الفلسفة الروحية الحيوية التي تزعمها الفيلسوف الفرنسي هنري برغسون من بين الفلسفات التي اقتدرت على القطيعة و الانفصالية عن الفكر السائد في الفلسفة الاوروبية الحديثة , خصوصا و ان هذا النسق الفلسفي نبذ وراءه كل نزوع ميكانيكي أو مثالي , و نهج سبيله بغية تفسير الوقائعيات تفسيرا حياتيا , مؤمنا ايمانا قطعيا بالحركية و الصيرورة , و مصورا الواقع تصويرا عضويا , سائرا على وفاق مع البيولوجيا , و نائيا بنفسه عن النمط العقلاني في تصوراته و احكامه القبلية , الصورية و كذا المنطقية , معتبرا الحدس و الديمومة و النشاطية الحركية و الفهم الحيوي الوثبوي دأبه و ديدنه في تتبع صيرورة التاريخ , كما أن فلسفته ترانسندانتالية تشيد بالحقيقة الموضوعية المفارقة للذات العارفة , دون أن تتنكر للمذهب التعددي و الشخصاني .
و يمكن ان نجمل نزوعه الفلسفي في جوهره على أنه ردة فعل قوية ضد التيار الميكانيكي عموما , و اذا كان برغسون من اهم ممثلي هذه الفلسفة الحياتية الجديدة و اكثرهم اصالة فحري بنا أن نتقصى في فلسفات هذا الاخير نزعته الروحانية المتجذرة من المدرسات الفلسفية الفرنسية الروحانية و الشخصانية بدءا بالفيلسوف –مين دوبيران- و رافيسون و لاشلييه , و اميل بوترو.مرورا بالنزعات التطورية و البراغماتية الانجليزية , وصولا إلى فلسفة هاربرت سبنسر , التي فندها برغسون جملة و تفصيلا.
فماهو البعد الفلسفي الجديد الذي حملته روحانية برغسون ؟ و كيف أثر تيار فلسفة الحياة البرغسوني على خلق فلسفة أوروبية جديدة في القرن العشرين للميلاد ؟.
إن الفلسفة الجمالية الاخاذة التي منيت بها البرغسونية من خلال ما خطته انامل هذا الفيلسوف الحيوي تجلت حقيقة الامر في براعة الكاتب الذي اقتدر على صب مكنونات افكاره في لغة سلسة , مرنة يطرب لسماعها و يتلذذ بقراءتها أي انسان , فما بالك بممتهن الفلسفة , و يمكن ان نشير باقتضاب الى المنحى الفلسفي الذي سلكته اعمال برغسون الفلسفية من خلال اهم كتاباته على الاطلاق و نستهلها ب كتابه الاول ** بحث في المعطيات المباشرة للشعور **, و يحتوي على نظرية في المعرفة , ليليه كتاب ** المادة و الذاكرة ** تنجلي من خلاله نظرته الفلسفية في علم النفس , أما في كتابه ** التطور الخلاق** فيعرض ميتافيزيقاه المبنية على المعتقد البيولوجي , أما في مؤلفه الاخير ** منبعا الاخلاق و الدين ** فتنبجس من مكامنه اعتقاده في الاخلاق و فلسفته في الدين .
------هناك في الصيرورة أكثر مما هناك في الوجود-------
و ليسهل علينا تكنه فحوى هاته الجملة البرغسونية , علينا أن نلج و بعمق نظرية برغسون في الديمومة و الحدس .و نستهلها بنظرة هذا الاخير لتصور علم الفيزيقا ((الطبيعة)).
إذ يعتقد برغسون أن علم الفيزيقا يزعم أنه يعنى بدراسة ** الحركة و القوى ** , و لكنه في حقيقة الأمر ليس كذلك مطلقا , إذ هو عندما يدرس الحركة لا يدرسها في حد ذاتها – كديناميكية حية -- , و إنما يدرس تموضعها الممتابع ضمن حيز معين ** موقع** , أو بعبارة اخرى يدرس علم الفيزياء مواقع الأجسام و تتابع تموقعها في المكان .
كما أن الفيزيقا لا تدرس ** القوى** في كنهها و جوهرها , بل تتقصى نتائجها و تسعى لقياسها و دراسة الاسباب الفاعلة التي تحدثها , و ليس القوى في حد ذاتها كديناميكية حيوية دافعة , أما ما يزعمه الفيزيائيون في كونهم يدرسون الزمان و يقيسونه بصورة الية ميكانيكية , فهو محض اهتراء ليس الا , لأن الزمان الحقيقي غير قابل للتشيؤ و القياس فيزيقيا , و الذي يزعمون انهم يقيسونه انما هو ** المكان** .
أما الحقيقة الجوهرية التي يحيلنا اليها الفيلسوف برغسون فهي تلك القابعة في جوانية نفوسنا , و التي لا يدان لنا باستجلائها إلا عن طريق جهد جهيد , و شعور عميق , و عمل مضني و مستمر و دائم و مرهق جدا , لان تكنه هاته الحقيقة التي يدلنا عليها برغسون يمتاز بالفرادة و القوة , و من سمات هاته الحقيقة = الكيفية , اللاتجانس , التداحل مع صعوبة الفصل بين اجزاءها , الحرية , الارادة , الشعور , كما أنها لا تشغل حيزا من المكانية , ولا قدرة لاي كان بتقديرها حسابيا , فهي سيكولوجية باطنية , أما الخاصية الاكثر تفرد و التي تجبلها فإنها ** الديمومة المحضة **, انها تصير باستمرار , فهي الدفعة والوثبة الحيوية و الصيرورة , و ديمومة الجريان و الاستمرارية التي لا تعرف الانقطاع ابدا , لهذا يفصل برغسون بين ميدانين من ميادين الحياة الانسانية
1- فهناك ميدان فيزيقي يعنى بالمادة المكانية , و الذي يقابله العقل المتجه نحو العمل.
2- و هناك ميدان الحياة الواعية الذي يسير وفقا للديمومة , و يقابله الحدس.
يتجه الكتاب في ثلاثة إتجاهات رئيسية وهي الحدس، والزمان، وتسلسل تقدم المفاهيم الثلاثة إلى الأمام وهم الزمان والذاكرة والإندفاع الحيوي . والمؤلف هو جيل دولز الفيلسوف الفرنسي المعاصر، الذي كان يدرس في جامعة باريس الثامنة، قبل أن ينتحر قبل أشهر قليلة من تشرين الثاني سنة 1995 مثلما انتحر الفيلسوف الألماني نيتشه سنة1900. ولقد كتب جيل في أخر كتاباته يقول كتابي المقبل -سكون الأخير - سوف يكون عنوانه عظمة ماركس، ويضيف قوله فقدت اليوم الرغبة في الكتابة، بعد كتابي عن ماركس أظن أنني سأتوقف عن الكتابة وأنكب علي الرسم.
سنة النشر : 1997م / 1418هـ .
نوع الكتاب : pdf.
عداد القراءة:
اذا اعجبك الكتاب فضلاً اضغط على أعجبني و يمكنك تحميله من هنا:
شكرًا لمساهمتكم
شكراً لمساهمتكم معنا في الإرتقاء بمستوى المكتبة ، يمكنكم االتبليغ عن اخطاء او سوء اختيار للكتب وتصنيفها ومحتواها ، أو كتاب يُمنع نشره ، او محمي بحقوق طبع ونشر ، فضلاً قم بالتبليغ عن الكتاب المُخالف:
قبل تحميل الكتاب ..
يجب ان يتوفر لديكم برنامج تشغيل وقراءة ملفات pdf
يمكن تحميلة من هنا 'http://get.adobe.com/reader/'