❞ كتاب الترف الخالد من عصر المقدس إلى زمن الماركات ❝  ⏤ مجموعة من المؤلفين

❞ كتاب الترف الخالد من عصر المقدس إلى زمن الماركات ❝ ⏤ مجموعة من المؤلفين

العنوان: الترف الخالد من عصر المُقَدس إلى زمن الماركات

العنوان بالفرنسية: Le Luxe Eternel. De l’Age du sacré au temps des marques

المؤلف: جيل ليبوفتسكي، إلييت رو.

ترجمة:الشيماء مجدي

الكتاب الذي بين أيدينا مترجم من اللغة الفرنسية. ويتكون من مقدمة وجزأين، كل جزء خاص بمؤلف، وكل جزء مكون من أربعة فصول، يليهم ملحقات وجداول.

الجزء الأول : الترف الخالد، الترف العاطفي – جيل بيتوفيتسكي

الفصل الأول : المقدس، الدولة والترف.

الفصل الثاني: ترف الحداثة، ترف ما بعد الحداثة.

الفصل الثالث: تأنيث الترف.

الفصل الرابع: الترف والحاسة السادسة

الجزء الثاني: زمن الترف، زمن الماركات – إلييت رو

الفصل الأول: الترف بين الهيبة وسوق الجملة.

الفصل الثاني: التحولات التدريجية لمعاني الترف.

الفصل الثالث: الماركة الفخمة: الشرعية والهوية.

الفصل الرابع: الترف وزمن الماركات، تدبير الهوية في الزمن.

نبذة عن المؤلفين:

جيل ليبوفتسكي: (مواليد 1944)، فيلسوف وعالم اجتماعي فرنسي، أستاذ في جامعة جرينوبل، من أهم مؤلفاته “عصر الفراغ، الفردانية وتحولات ما بعد الحداثة”.

إلييت رو: مدرسة بالجامعات منذ 2004، ومديرة مركز الدراسات والبحث في المنظمات والتدبير منذ 2008، بجامعة اكس مارسيليا بول سيزان.

تقديم:

يعرض هذا الكتاب مقالتين لكاتبين، وهما بمثابة إضاءتين الأولى تأويل سوسيو- تاريخي للترف، والأخرى مقاربة تسويقية وسيميائية للترف، الأولى وجهة نظر طويلة المدى، والثانية تركز على هوية الماركات وتدبيرها على مر الزمان.

في إشارة سريعة في المقدمة أكد المؤلف على أثر الترف السلبي في إضعاف الأجساد وفساد الأرواح والأخلاق وانحطاط الهمم والشعوب. فالترف في أغلب المدارس الفلسفية اليونانية وحتى عصر الأنوار مرادف للتصنع والتجاوزات والغطرسة، وهو يجعل الناس تعساء بسبب سباق لا نهاية له لنيل الملذات الكاذبة.

من وجهة نظر مغايرة يتطرق الكتاب في نصفه الثاني إلى الترف والحياة الاقتصادية، فالثقافة الجديدة تحمل في طياتها اقتصاداً جديداً للترف، ومن ذلك ظهور الماركات، وتحول استراتيجيات العرض والطلب.

قد يفاجأ القارئ من عدم توافق ولا تناسق الرؤى بين شقي الكتاب وهو أمر مقصود في تقديم هذا الكتاب ليشهد على التحولات العميقة الجارية التي تحيط بموضوع الترف بين رفضه واللهث ورائه.

الجزء الأول

ترف خالد، ترف عاطفي

لجيل ليبوفيتسكي

بادئ ذي بدء يعلن الكاتب موقفه من الترف، بأنه لا يهمه منه سوى التفكر فيه. بيد أن التحولات التي طرأت على ساحة الترف من عقدين تقريباً تحتاج حتماً إلى إعادة تقييم، خصوصاً من حيث الوزن الاقتصادي لصناعات الترف. فالنظام الجديد يحتفل بزفاف الترف والفردانية الليبرالية، كما نرى تطور عبادة “العامة” للماركات. وتشير الدراسات المستقبلية إلى اتساع رقعة الترف مستقبلاً بسبب ظهور فئات ثرية جديدة من جهة والعولمة من جهة أخرى.

بدأت كيانات اقتصادية كبرى في الظهور بفضل اندماج أكثر من واحدة من الماركات العالمية تحت اسم تسويقي واحد، وتدرجت درجات الترف بشكل هرمي من ترف استثنائي موجه للطبقات الثرية وبين ترف متوسط يبدو في متناول اليد بالنسبة للطبقات الأقل ثراء. وقد بلغ الحجم الاقتصادي لصناعات الترف ما يقارب تسعين مليار يورو في عام 2000 بخلاف قطاع السيارات الفارهة. وبعد أن كانت المنتجات الفاخرة مقصورة على الفئة البرجوازية نزلت تدريجياً إلى الشارع؛ حيث أصبحت متاحة في محال السوبر ماركت الكبرى التي تستعين بمديرين متخصصين مدربين على أساليب التسويق، وهدفهم إتاحة الترف لأكبر عدد من الناس بعرض نوع من الترف المتوسط في متناولهم.

وفي رأي الكاتب هناك عوامل ساعدت على ازدهار سوق الترف منها:

1- زيادة الماركات الفاخرة الموجودة على الساحة.

2- تكثيف الاستثمار الدعائي، وظهور الماركات الفاخرة في وسائل الإعلام.

3- تخصيص زوايا للماركات في الميجا ستورز.

4- أخيراً التجارة الاكترونية.

إذن يشهد عصرنا التوسع في امتلاك الكماليات للجميع، وتحولات كثيرة تدعو للتفكر في المعنى الاجتماعي والفردي للاستهلاكات الثمينة. ويقدم ليبوفتسكي بعض تأملاته حول الترف منها أن الترف “العام” هو الذي أضفى اللمسة الفنية في العمارة والحضارة، أما الترف الخاص فهو الذي يضيف للإنسان لذة وسعادة. بيد أن هذا لا يمكن أن يبرر بأي حال من الأحوال جنون الإنفاق المتعلق بالترف في وقتنا الحالي.

يسعى الكاتب هنا الى “إلقاء بعض الضوء على الميكانيزمات والدوافع التي تكمن وراء الاقتصاد العام لهذا التغير”، ويقرر أنه اختار دراسة الموضوع بنظرة شمولية أكثر منها ميكروسكوبية، معتبراً أن “الغوص في الماضي هو أفضل ما يسمح بإعطاء الحاضر كل معانيه”.

الفصل الأول

المقدس، الدولة، الترف

يبدأ الكاتب هذا الفصل بمقولة “في البداية كانت (الروح)، ربما سنندهش بعض الشيء من الاقتراح الروحاني في افتتاح موضوع مرتبط بمادية أكبر”. إلا أن تاريخ الترف البدائي يدعو الى هذه المقولة. فيعود الكاتب لمنشأ فكرة الترف فيؤكد وجودها منذ بدايات الإنسان على الأرض؛ معللاً أن العثور على المقتنيات الخزفية والنقوش التي حفرت عليها هي نوع بدائي من الترف.

أركيولوجيا الترف: يقدم الكاتب مظهراً اجتماعياً خاصاً وهي الولائم “في العصر الحجري” على أنها كانت إحدى إرهاصات الميل للترف. فالترف لم يبدأ مع فكرة اقتناء الأشياء الغالية ولكنه بدأ مع فكرة الإنفاق أو العطاء، وهما ظاهرتان ملحوظتان في كل المجتمعات البدائية.

تبادل الهدايا كان إحدى الطرق التي يسلكها المجتمع البدائي لخلق علاقات اجتماعية، فالهبة تضمن مكانة الزعيم وتُحمله تبعة الالتزام أمام الجميع، وتبادل الهدايا يخلق التحالفات بين جماعات غريبة وإبرام اتفاقات سلام بينها. فجنون الإسراف في ولائم الترف البدائية كان يخدم هدف اجتماعي أسمى وهو الرغبة في السلام، فالإسراف الكمالي البدائي كان يعني التضحية بالأشياء لخلق التحالف وتقوية الروابط الاجتماعية والألفة.

بهاء وهرمية: أما مع ظهور الدولة والمجتمعات المقسمة إلى طبقات، أصبح للترف معنى جديد يتماشى مع التكديس والتمركز والتدرج؛ ومن ذلك مظاهر الترف في الإنشاءات الهندسية والمنحوتات العظيمة والقصور المشيدة التي تعكس جلال المباني الخالدة.

ارتبطت الفخامة بمبادئ اللامساواة فوجد الانفصال الظاهر بين الأمتعة الغنية والأمتعة العادية، فخامة البعض من ناحية وعوز عدد أكبر من ناحية أخرى.

ترف مقدس، ترف دنيوي: ظهور فكرة المعتقدات الدينية التي تمجد الآلهة لا يمكن الحياة بدونها؛ إلا أن القدماء قسموا معبوداتهم إلى كبرى وصغرى، وعلى البشر تقديم ما يليق بمكانة كل منهم من فاخر المأكل والمشرب والملبس والزينة، والولائم الاحتفالية بها، والمجوهرات والملابس الثمينة، وبناء بيوت الآلهة الفخمة حيث تستخدم الأحجار الكريمة والمعادن النفيسة بهدف ضمان رضاها،

ثم تلا ذلك فكرة أن الملوك امتداد للآلهة على الأرض، يستمدون مشروعيتهم منهم؛ وتجسد ذلك في البذخ والترف في القصور الملكية. كما استمرت الولائم الباذخة في القصور الملكية، فحياة البلاط هي مسرح تباهي الملك وحاشيته بالخيرات والفخامة. ومن أبرز الأمثلة على ذلك ملوك مصر القديمة، حيث اهتموا ببناء بيوتهم المقدسة على أشكال عمودية عالية، كما اهتموا ببناء مقابرهم العملاقة (الأهرامات) الزاخرة بالكنوز التي تضمن لهم الخلود في الحياة الأخرى.

وابتداءً من العصور الوسطى والنهضة فإن ارتقاء البرجوازية في سلم السلطة الملكية، وظهورها بقوة في المجتمع قاد إلى زيادة إنفاقات الوجاهة من ناحية، وتوسيع الطبقات الراقية من ناحية أخرى. ومن هذه اللحظة تحرر الترف من كونه ميزة حصرية للمقدس والنظام الهرمي الوراثي، وأصبح دائرة مفتوحة للحراك الاجتماعي. وهكذا يمكن القول أن الانتشار الاجتماعي للترف سبق ثورة المساواة الحديثة.

فن، تحف، وتفاهات: تعدى الترف في عصر النهضة الاهتمام بالمظاهر الخاصة إلى الاهتمام بالفن والفنانين؛ فوجه الأمراء والنبلاء والملوك اهتمامهم بالفنانين وأغدقوا عليهم الهدايا ليجتذبوهم إلى بلاطهم. كذلك كان الحال مع البرجوازيين الذين كانوا يطمحون أن يكونوا محاطين بالتحف الفنية التي أصبحت من وسائل الوجاهة الاجتماعية في عالم النخبة. كانت اللوحات تعبر في الماضي عن الفوز بالخلود السماوي، ثم شيئا فشيئا أصبحت تعبر عن كل ما هو استمتاعاً دنيوياً، كل ما هو جميل وباهظ الثمن معاً.

هنا ظهرت علاقة أكثر شخصية وجمالية مع البضائع باهظة الثمن، طموح ذاتي لحياة أجمل وأكثر رقياً، علاقة حسية بين الإنسان والأشياء الثمينة. وأصبحت الأشياء تُحب لذاتها وليس فقط كرموز لوضع أو سلطة. وكان القرن الرابع عشر فترة مفصلية حيث شهدت الحضارة الغربية ظاهرتين أساسيتين في الترف: الآثار القديمة والموضة. الأولى تركز على الماضي، والثانية على الحاضر، مسارات الترف الزمنية تُصادف ظهور الثقافة الإنسانية الحديثة.

وها هو أحد مظاهر التبذير التفاخري تحت شعار العبث ومعاداة التقاليد، فالملبس التقليدي الذي يستر الجسم ما لبث أن تغير لتظهر الأثواب القصيرة الضيقة التي تسمح برؤية الجسد، وأصبحت الموضة تفتن الجميع، وفرض الملبس نفسه كسلعة تعبر عن المبالغة والتبذير اللذان يظهران في المناسبات والاحتفالات. وهنا يمكن تفسير هذا التحول بعاملين أساسيين :

ثقافة أكثر انفتاحاً على التغيير، والشغف بالنادر.

علاقة جديدة مع الفردانية، مع الميل إلى التجديد والرغبة في الاختلاف (الموضة) وظهور الصور الشخصية والتصوير الذاتي في النصف الثاني من القرون الوسطى.

وأصبحت الموضة تعبر بجانب الاستهلاك التفاخري عن تحولات ثقافية عميقة.

الفصل الثاني

ترف الحداثة ، ترف ما بعد الحداثة

في ظل الحداثة زاع صيت مصممو الأزياء الذين كانوا فيما سبق هم حرفيو الخياطة المغمورون، وأصبحت بيوت الموضة تفرض موديلاتها وأذواقها على زبائنها، ولم يعد الأمر متعلقاً فقط بثراء المواد المستخدمة ولكن طغت هالة اسم الدور العريقة وصيتها وسحر الماركة.

وأصبحت مبيعات الأزياء الرفيعة الأوروبية تمثل حجم كبير من صادرات هذه البلدان لأمريكا، وتم وضع التعريفات الجمركية للكتان وأوراق الموديلات للصناع الأجانب لإعادة تصنيعها في بلدانهم الخاصة.

ترف ونصف ترف: ومن جانب آخر أدى تطور الميكنة إلى ظهور (النصف الفخم) و(الفخم المزور) بأثمنة منخفضة تناسب الطبقات المتوسطة، ويشهد العصر الحديث اكتساح كمية كبيرة من منتجات التقليد في كل المجالات: المجوهرات، التحف، الاكسسوارات … إلخ. لتكون في متناول شريحة أكبر من الزبائن، مصنعة من مواد أقل تكلفة وأقل ترفاً، إنه تعبير عن “دمقرطة” الترف الذي تتيحه المتاجر الكبرى.

في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، ظهرت المتاجر التي تسعى إلى تحفيز استهلاك الطبقات المتوسطة، بتخفيض الأسعار وانتشار الدعاية. أصبحت المتاجر نفسها مشهد رائع وفخم للتسوق: عرض باذخ للمنتجات، حفلات دعاية وافتتاح، إسراف في البضائع والفترينات … كلها عناصر جذب تخلق عالماً ساحراً، ووعد جديد بالترف والسعادة للطبقات المتوسطة.

نحو ترف تسويقي: انتهت مرحلة كان الترف فيها يقوم من خلال الشركات العائلية أو مؤسسين مبتكرين مستقلين، لتحل محلها عمليات الدمج وشراء الحقوق، حركات التمركز وإعادة الهيكلة بغية تأسيس إمبراطوريات صناعية عالمية. فأصبحنا نرى الشركات العملاقة ذات معدلات الأرباح الخيالية المتداولة في البورصة، والمستندة على مجموعة كبيرة من الماركات المرموقة. ويعدد الكاتب بعض نماذج السلسلات الكبرى للسيارات الفارهة ومعدلات دخلها.

الترف العاطفي: إن ظاهرة الترف لا ترجع فقط الى التغيرات الملاحظة في مجال العرض، ولكن تعود أيضاً الى التحولات التي تضرب بجذورها في مجال الطلب. فإن عشق الترف لا تغذيه فقط الرغبة في نيل الإعجاب وإثارة الرغبة وأن يعترف بك الآخر، ولكنه مستند أيضاً على الرغبة في الإعجاب بالذات.
مجموعة من المؤلفين - "مجموعة من المؤلفين"، هو ركن للكتب التي شارك في تأليفها أكتر من كاتب ومؤلف، وهو قسم مميز مليء بالكتب التي تعددت الجهود في إخراجها على أكمل الوجوه.


من الفكر والفلسفة - مكتبة المكتبة التجريبية.

نبذة عن الكتاب:
الترف الخالد من عصر المقدس إلى زمن الماركات

2018م - 1445هـ
العنوان: الترف الخالد من عصر المُقَدس إلى زمن الماركات

العنوان بالفرنسية: Le Luxe Eternel. De l’Age du sacré au temps des marques

المؤلف: جيل ليبوفتسكي، إلييت رو.

ترجمة:الشيماء مجدي

الكتاب الذي بين أيدينا مترجم من اللغة الفرنسية. ويتكون من مقدمة وجزأين، كل جزء خاص بمؤلف، وكل جزء مكون من أربعة فصول، يليهم ملحقات وجداول.

الجزء الأول : الترف الخالد، الترف العاطفي – جيل بيتوفيتسكي

الفصل الأول : المقدس، الدولة والترف.

الفصل الثاني: ترف الحداثة، ترف ما بعد الحداثة.

الفصل الثالث: تأنيث الترف.

الفصل الرابع: الترف والحاسة السادسة

الجزء الثاني: زمن الترف، زمن الماركات – إلييت رو

الفصل الأول: الترف بين الهيبة وسوق الجملة.

الفصل الثاني: التحولات التدريجية لمعاني الترف.

الفصل الثالث: الماركة الفخمة: الشرعية والهوية.

الفصل الرابع: الترف وزمن الماركات، تدبير الهوية في الزمن.

نبذة عن المؤلفين:

جيل ليبوفتسكي: (مواليد 1944)، فيلسوف وعالم اجتماعي فرنسي، أستاذ في جامعة جرينوبل، من أهم مؤلفاته “عصر الفراغ، الفردانية وتحولات ما بعد الحداثة”.

إلييت رو: مدرسة بالجامعات منذ 2004، ومديرة مركز الدراسات والبحث في المنظمات والتدبير منذ 2008، بجامعة اكس مارسيليا بول سيزان.

تقديم:

يعرض هذا الكتاب مقالتين لكاتبين، وهما بمثابة إضاءتين الأولى تأويل سوسيو- تاريخي للترف، والأخرى مقاربة تسويقية وسيميائية للترف، الأولى وجهة نظر طويلة المدى، والثانية تركز على هوية الماركات وتدبيرها على مر الزمان.

في إشارة سريعة في المقدمة أكد المؤلف على أثر الترف السلبي في إضعاف الأجساد وفساد الأرواح والأخلاق وانحطاط الهمم والشعوب. فالترف في أغلب المدارس الفلسفية اليونانية وحتى عصر الأنوار مرادف للتصنع والتجاوزات والغطرسة، وهو يجعل الناس تعساء بسبب سباق لا نهاية له لنيل الملذات الكاذبة.

من وجهة نظر مغايرة يتطرق الكتاب في نصفه الثاني إلى الترف والحياة الاقتصادية، فالثقافة الجديدة تحمل في طياتها اقتصاداً جديداً للترف، ومن ذلك ظهور الماركات، وتحول استراتيجيات العرض والطلب.

قد يفاجأ القارئ من عدم توافق ولا تناسق الرؤى بين شقي الكتاب وهو أمر مقصود في تقديم هذا الكتاب ليشهد على التحولات العميقة الجارية التي تحيط بموضوع الترف بين رفضه واللهث ورائه.

الجزء الأول

ترف خالد، ترف عاطفي

لجيل ليبوفيتسكي

بادئ ذي بدء يعلن الكاتب موقفه من الترف، بأنه لا يهمه منه سوى التفكر فيه. بيد أن التحولات التي طرأت على ساحة الترف من عقدين تقريباً تحتاج حتماً إلى إعادة تقييم، خصوصاً من حيث الوزن الاقتصادي لصناعات الترف. فالنظام الجديد يحتفل بزفاف الترف والفردانية الليبرالية، كما نرى تطور عبادة “العامة” للماركات. وتشير الدراسات المستقبلية إلى اتساع رقعة الترف مستقبلاً بسبب ظهور فئات ثرية جديدة من جهة والعولمة من جهة أخرى.

بدأت كيانات اقتصادية كبرى في الظهور بفضل اندماج أكثر من واحدة من الماركات العالمية تحت اسم تسويقي واحد، وتدرجت درجات الترف بشكل هرمي من ترف استثنائي موجه للطبقات الثرية وبين ترف متوسط يبدو في متناول اليد بالنسبة للطبقات الأقل ثراء. وقد بلغ الحجم الاقتصادي لصناعات الترف ما يقارب تسعين مليار يورو في عام 2000 بخلاف قطاع السيارات الفارهة. وبعد أن كانت المنتجات الفاخرة مقصورة على الفئة البرجوازية نزلت تدريجياً إلى الشارع؛ حيث أصبحت متاحة في محال السوبر ماركت الكبرى التي تستعين بمديرين متخصصين مدربين على أساليب التسويق، وهدفهم إتاحة الترف لأكبر عدد من الناس بعرض نوع من الترف المتوسط في متناولهم.

وفي رأي الكاتب هناك عوامل ساعدت على ازدهار سوق الترف منها:

1- زيادة الماركات الفاخرة الموجودة على الساحة.

2- تكثيف الاستثمار الدعائي، وظهور الماركات الفاخرة في وسائل الإعلام.

3- تخصيص زوايا للماركات في الميجا ستورز.

4- أخيراً التجارة الاكترونية.

إذن يشهد عصرنا التوسع في امتلاك الكماليات للجميع، وتحولات كثيرة تدعو للتفكر في المعنى الاجتماعي والفردي للاستهلاكات الثمينة. ويقدم ليبوفتسكي بعض تأملاته حول الترف منها أن الترف “العام” هو الذي أضفى اللمسة الفنية في العمارة والحضارة، أما الترف الخاص فهو الذي يضيف للإنسان لذة وسعادة. بيد أن هذا لا يمكن أن يبرر بأي حال من الأحوال جنون الإنفاق المتعلق بالترف في وقتنا الحالي.

يسعى الكاتب هنا الى “إلقاء بعض الضوء على الميكانيزمات والدوافع التي تكمن وراء الاقتصاد العام لهذا التغير”، ويقرر أنه اختار دراسة الموضوع بنظرة شمولية أكثر منها ميكروسكوبية، معتبراً أن “الغوص في الماضي هو أفضل ما يسمح بإعطاء الحاضر كل معانيه”.

الفصل الأول

المقدس، الدولة، الترف

يبدأ الكاتب هذا الفصل بمقولة “في البداية كانت (الروح)، ربما سنندهش بعض الشيء من الاقتراح الروحاني في افتتاح موضوع مرتبط بمادية أكبر”. إلا أن تاريخ الترف البدائي يدعو الى هذه المقولة. فيعود الكاتب لمنشأ فكرة الترف فيؤكد وجودها منذ بدايات الإنسان على الأرض؛ معللاً أن العثور على المقتنيات الخزفية والنقوش التي حفرت عليها هي نوع بدائي من الترف.

أركيولوجيا الترف: يقدم الكاتب مظهراً اجتماعياً خاصاً وهي الولائم “في العصر الحجري” على أنها كانت إحدى إرهاصات الميل للترف. فالترف لم يبدأ مع فكرة اقتناء الأشياء الغالية ولكنه بدأ مع فكرة الإنفاق أو العطاء، وهما ظاهرتان ملحوظتان في كل المجتمعات البدائية.

تبادل الهدايا كان إحدى الطرق التي يسلكها المجتمع البدائي لخلق علاقات اجتماعية، فالهبة تضمن مكانة الزعيم وتُحمله تبعة الالتزام أمام الجميع، وتبادل الهدايا يخلق التحالفات بين جماعات غريبة وإبرام اتفاقات سلام بينها. فجنون الإسراف في ولائم الترف البدائية كان يخدم هدف اجتماعي أسمى وهو الرغبة في السلام، فالإسراف الكمالي البدائي كان يعني التضحية بالأشياء لخلق التحالف وتقوية الروابط الاجتماعية والألفة.

بهاء وهرمية: أما مع ظهور الدولة والمجتمعات المقسمة إلى طبقات، أصبح للترف معنى جديد يتماشى مع التكديس والتمركز والتدرج؛ ومن ذلك مظاهر الترف في الإنشاءات الهندسية والمنحوتات العظيمة والقصور المشيدة التي تعكس جلال المباني الخالدة.

ارتبطت الفخامة بمبادئ اللامساواة فوجد الانفصال الظاهر بين الأمتعة الغنية والأمتعة العادية، فخامة البعض من ناحية وعوز عدد أكبر من ناحية أخرى.

ترف مقدس، ترف دنيوي: ظهور فكرة المعتقدات الدينية التي تمجد الآلهة لا يمكن الحياة بدونها؛ إلا أن القدماء قسموا معبوداتهم إلى كبرى وصغرى، وعلى البشر تقديم ما يليق بمكانة كل منهم من فاخر المأكل والمشرب والملبس والزينة، والولائم الاحتفالية بها، والمجوهرات والملابس الثمينة، وبناء بيوت الآلهة الفخمة حيث تستخدم الأحجار الكريمة والمعادن النفيسة بهدف ضمان رضاها،

ثم تلا ذلك فكرة أن الملوك امتداد للآلهة على الأرض، يستمدون مشروعيتهم منهم؛ وتجسد ذلك في البذخ والترف في القصور الملكية. كما استمرت الولائم الباذخة في القصور الملكية، فحياة البلاط هي مسرح تباهي الملك وحاشيته بالخيرات والفخامة. ومن أبرز الأمثلة على ذلك ملوك مصر القديمة، حيث اهتموا ببناء بيوتهم المقدسة على أشكال عمودية عالية، كما اهتموا ببناء مقابرهم العملاقة (الأهرامات) الزاخرة بالكنوز التي تضمن لهم الخلود في الحياة الأخرى.

وابتداءً من العصور الوسطى والنهضة فإن ارتقاء البرجوازية في سلم السلطة الملكية، وظهورها بقوة في المجتمع قاد إلى زيادة إنفاقات الوجاهة من ناحية، وتوسيع الطبقات الراقية من ناحية أخرى. ومن هذه اللحظة تحرر الترف من كونه ميزة حصرية للمقدس والنظام الهرمي الوراثي، وأصبح دائرة مفتوحة للحراك الاجتماعي. وهكذا يمكن القول أن الانتشار الاجتماعي للترف سبق ثورة المساواة الحديثة.

فن، تحف، وتفاهات: تعدى الترف في عصر النهضة الاهتمام بالمظاهر الخاصة إلى الاهتمام بالفن والفنانين؛ فوجه الأمراء والنبلاء والملوك اهتمامهم بالفنانين وأغدقوا عليهم الهدايا ليجتذبوهم إلى بلاطهم. كذلك كان الحال مع البرجوازيين الذين كانوا يطمحون أن يكونوا محاطين بالتحف الفنية التي أصبحت من وسائل الوجاهة الاجتماعية في عالم النخبة. كانت اللوحات تعبر في الماضي عن الفوز بالخلود السماوي، ثم شيئا فشيئا أصبحت تعبر عن كل ما هو استمتاعاً دنيوياً، كل ما هو جميل وباهظ الثمن معاً.

هنا ظهرت علاقة أكثر شخصية وجمالية مع البضائع باهظة الثمن، طموح ذاتي لحياة أجمل وأكثر رقياً، علاقة حسية بين الإنسان والأشياء الثمينة. وأصبحت الأشياء تُحب لذاتها وليس فقط كرموز لوضع أو سلطة. وكان القرن الرابع عشر فترة مفصلية حيث شهدت الحضارة الغربية ظاهرتين أساسيتين في الترف: الآثار القديمة والموضة. الأولى تركز على الماضي، والثانية على الحاضر، مسارات الترف الزمنية تُصادف ظهور الثقافة الإنسانية الحديثة.

وها هو أحد مظاهر التبذير التفاخري تحت شعار العبث ومعاداة التقاليد، فالملبس التقليدي الذي يستر الجسم ما لبث أن تغير لتظهر الأثواب القصيرة الضيقة التي تسمح برؤية الجسد، وأصبحت الموضة تفتن الجميع، وفرض الملبس نفسه كسلعة تعبر عن المبالغة والتبذير اللذان يظهران في المناسبات والاحتفالات. وهنا يمكن تفسير هذا التحول بعاملين أساسيين :

ثقافة أكثر انفتاحاً على التغيير، والشغف بالنادر.

علاقة جديدة مع الفردانية، مع الميل إلى التجديد والرغبة في الاختلاف (الموضة) وظهور الصور الشخصية والتصوير الذاتي في النصف الثاني من القرون الوسطى.

وأصبحت الموضة تعبر بجانب الاستهلاك التفاخري عن تحولات ثقافية عميقة.

الفصل الثاني

ترف الحداثة ، ترف ما بعد الحداثة

في ظل الحداثة زاع صيت مصممو الأزياء الذين كانوا فيما سبق هم حرفيو الخياطة المغمورون، وأصبحت بيوت الموضة تفرض موديلاتها وأذواقها على زبائنها، ولم يعد الأمر متعلقاً فقط بثراء المواد المستخدمة ولكن طغت هالة اسم الدور العريقة وصيتها وسحر الماركة.

وأصبحت مبيعات الأزياء الرفيعة الأوروبية تمثل حجم كبير من صادرات هذه البلدان لأمريكا، وتم وضع التعريفات الجمركية للكتان وأوراق الموديلات للصناع الأجانب لإعادة تصنيعها في بلدانهم الخاصة.

ترف ونصف ترف: ومن جانب آخر أدى تطور الميكنة إلى ظهور (النصف الفخم) و(الفخم المزور) بأثمنة منخفضة تناسب الطبقات المتوسطة، ويشهد العصر الحديث اكتساح كمية كبيرة من منتجات التقليد في كل المجالات: المجوهرات، التحف، الاكسسوارات … إلخ. لتكون في متناول شريحة أكبر من الزبائن، مصنعة من مواد أقل تكلفة وأقل ترفاً، إنه تعبير عن “دمقرطة” الترف الذي تتيحه المتاجر الكبرى.

في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، ظهرت المتاجر التي تسعى إلى تحفيز استهلاك الطبقات المتوسطة، بتخفيض الأسعار وانتشار الدعاية. أصبحت المتاجر نفسها مشهد رائع وفخم للتسوق: عرض باذخ للمنتجات، حفلات دعاية وافتتاح، إسراف في البضائع والفترينات … كلها عناصر جذب تخلق عالماً ساحراً، ووعد جديد بالترف والسعادة للطبقات المتوسطة.

نحو ترف تسويقي: انتهت مرحلة كان الترف فيها يقوم من خلال الشركات العائلية أو مؤسسين مبتكرين مستقلين، لتحل محلها عمليات الدمج وشراء الحقوق، حركات التمركز وإعادة الهيكلة بغية تأسيس إمبراطوريات صناعية عالمية. فأصبحنا نرى الشركات العملاقة ذات معدلات الأرباح الخيالية المتداولة في البورصة، والمستندة على مجموعة كبيرة من الماركات المرموقة. ويعدد الكاتب بعض نماذج السلسلات الكبرى للسيارات الفارهة ومعدلات دخلها.

الترف العاطفي: إن ظاهرة الترف لا ترجع فقط الى التغيرات الملاحظة في مجال العرض، ولكن تعود أيضاً الى التحولات التي تضرب بجذورها في مجال الطلب. فإن عشق الترف لا تغذيه فقط الرغبة في نيل الإعجاب وإثارة الرغبة وأن يعترف بك الآخر، ولكنه مستند أيضاً على الرغبة في الإعجاب بالذات. .
المزيد..

تعليقات القرّاء:

العنوان: الترف الخالد من عصر المُقَدس إلى زمن الماركات

العنوان بالفرنسية: Le Luxe Eternel. De l’Age du sacré au temps des marques

المؤلف: جيل ليبوفتسكي، إلييت رو.

ترجمة:الشيماء مجدي

الكتاب الذي بين أيدينا مترجم من اللغة الفرنسية. ويتكون من مقدمة وجزأين، كل جزء خاص بمؤلف، وكل جزء مكون من أربعة فصول، يليهم ملحقات وجداول.

الجزء الأول : الترف الخالد، الترف العاطفي – جيل بيتوفيتسكي

الفصل الأول : المقدس، الدولة والترف.

الفصل الثاني: ترف الحداثة، ترف ما بعد الحداثة.

الفصل الثالث: تأنيث الترف.

الفصل الرابع: الترف والحاسة السادسة

الجزء الثاني: زمن الترف، زمن الماركات – إلييت رو

الفصل الأول: الترف بين الهيبة وسوق الجملة.

الفصل الثاني: التحولات التدريجية لمعاني الترف.

الفصل الثالث: الماركة الفخمة: الشرعية والهوية.

الفصل الرابع: الترف وزمن الماركات، تدبير الهوية في الزمن.

نبذة عن المؤلفين:

جيل ليبوفتسكي: (مواليد 1944)، فيلسوف وعالم اجتماعي فرنسي، أستاذ في جامعة جرينوبل، من أهم مؤلفاته “عصر الفراغ، الفردانية وتحولات ما بعد الحداثة”.

إلييت رو: مدرسة بالجامعات منذ 2004، ومديرة مركز الدراسات والبحث في المنظمات والتدبير منذ 2008، بجامعة اكس مارسيليا بول سيزان.

تقديم:

يعرض هذا الكتاب مقالتين لكاتبين، وهما بمثابة إضاءتين الأولى تأويل سوسيو- تاريخي للترف، والأخرى مقاربة تسويقية وسيميائية للترف، الأولى وجهة نظر طويلة المدى، والثانية تركز على هوية الماركات وتدبيرها على مر الزمان.

في إشارة سريعة في المقدمة أكد المؤلف على أثر الترف السلبي في إضعاف الأجساد وفساد الأرواح والأخلاق وانحطاط الهمم والشعوب. فالترف في أغلب المدارس الفلسفية اليونانية وحتى عصر الأنوار مرادف للتصنع والتجاوزات والغطرسة، وهو يجعل الناس تعساء بسبب سباق لا نهاية له لنيل الملذات الكاذبة.

من وجهة نظر مغايرة يتطرق الكتاب في نصفه الثاني إلى الترف والحياة الاقتصادية، فالثقافة الجديدة تحمل في طياتها اقتصاداً جديداً للترف، ومن ذلك ظهور الماركات، وتحول استراتيجيات العرض والطلب.

قد يفاجأ القارئ من عدم توافق ولا تناسق الرؤى بين شقي الكتاب وهو أمر مقصود في تقديم هذا الكتاب ليشهد على التحولات العميقة الجارية التي تحيط بموضوع الترف بين رفضه واللهث ورائه.

الجزء الأول

ترف خالد، ترف عاطفي

لجيل ليبوفيتسكي

بادئ ذي بدء يعلن الكاتب موقفه من الترف، بأنه لا يهمه منه سوى التفكر فيه. بيد أن التحولات التي طرأت على ساحة الترف من عقدين تقريباً تحتاج حتماً إلى إعادة تقييم، خصوصاً من حيث الوزن الاقتصادي لصناعات الترف. فالنظام الجديد يحتفل بزفاف الترف والفردانية الليبرالية، كما نرى تطور عبادة “العامة” للماركات. وتشير الدراسات المستقبلية إلى اتساع رقعة الترف مستقبلاً بسبب ظهور فئات ثرية جديدة من جهة والعولمة من جهة أخرى.

بدأت كيانات اقتصادية كبرى في الظهور بفضل اندماج أكثر من واحدة من الماركات العالمية تحت اسم تسويقي واحد، وتدرجت درجات الترف بشكل هرمي من ترف استثنائي موجه للطبقات الثرية وبين ترف متوسط يبدو في متناول اليد بالنسبة للطبقات الأقل ثراء. وقد بلغ الحجم الاقتصادي لصناعات الترف ما يقارب تسعين مليار يورو في عام 2000 بخلاف قطاع السيارات الفارهة. وبعد أن كانت المنتجات الفاخرة مقصورة على الفئة البرجوازية نزلت تدريجياً إلى الشارع؛ حيث أصبحت متاحة في محال السوبر ماركت الكبرى التي تستعين بمديرين متخصصين مدربين على أساليب التسويق، وهدفهم إتاحة الترف لأكبر عدد من الناس بعرض نوع من الترف المتوسط في متناولهم.

وفي رأي الكاتب هناك عوامل ساعدت على ازدهار سوق الترف منها:

1- زيادة الماركات الفاخرة الموجودة على الساحة.

2- تكثيف الاستثمار الدعائي، وظهور الماركات الفاخرة في وسائل الإعلام.

3- تخصيص زوايا للماركات في الميجا ستورز.

4- أخيراً التجارة الاكترونية.

إذن يشهد عصرنا التوسع في امتلاك الكماليات للجميع، وتحولات كثيرة تدعو للتفكر في المعنى الاجتماعي والفردي للاستهلاكات الثمينة. ويقدم ليبوفتسكي بعض تأملاته حول الترف منها أن الترف “العام” هو الذي أضفى اللمسة الفنية في العمارة والحضارة، أما الترف الخاص فهو الذي يضيف للإنسان لذة وسعادة. بيد أن هذا لا يمكن أن يبرر بأي حال من الأحوال جنون الإنفاق المتعلق بالترف في وقتنا الحالي.

يسعى الكاتب هنا الى “إلقاء بعض الضوء على الميكانيزمات والدوافع التي تكمن وراء الاقتصاد العام لهذا التغير”، ويقرر أنه اختار دراسة الموضوع بنظرة شمولية أكثر منها ميكروسكوبية، معتبراً أن “الغوص في الماضي هو أفضل ما يسمح بإعطاء الحاضر كل معانيه”.

الفصل الأول

المقدس، الدولة، الترف

يبدأ الكاتب هذا الفصل بمقولة “في البداية كانت (الروح)، ربما سنندهش بعض الشيء من الاقتراح الروحاني في افتتاح موضوع مرتبط بمادية أكبر”. إلا أن تاريخ الترف البدائي يدعو الى هذه المقولة. فيعود الكاتب لمنشأ فكرة الترف فيؤكد وجودها منذ بدايات الإنسان على الأرض؛ معللاً أن العثور على المقتنيات الخزفية والنقوش التي حفرت عليها هي نوع بدائي من الترف.

أركيولوجيا الترف: يقدم الكاتب مظهراً اجتماعياً خاصاً وهي الولائم “في العصر الحجري” على أنها كانت إحدى إرهاصات الميل للترف. فالترف لم يبدأ مع فكرة اقتناء الأشياء الغالية ولكنه بدأ مع فكرة الإنفاق أو العطاء، وهما ظاهرتان ملحوظتان في كل المجتمعات البدائية.

تبادل الهدايا كان إحدى الطرق التي يسلكها المجتمع البدائي لخلق علاقات اجتماعية، فالهبة تضمن مكانة الزعيم وتُحمله تبعة الالتزام أمام الجميع، وتبادل الهدايا يخلق التحالفات بين جماعات غريبة وإبرام اتفاقات سلام بينها. فجنون الإسراف في ولائم الترف البدائية كان يخدم هدف اجتماعي أسمى وهو الرغبة في السلام، فالإسراف الكمالي البدائي كان يعني التضحية بالأشياء لخلق التحالف وتقوية الروابط الاجتماعية والألفة.

بهاء وهرمية: أما مع ظهور الدولة والمجتمعات المقسمة إلى طبقات، أصبح للترف معنى جديد يتماشى مع التكديس والتمركز والتدرج؛ ومن ذلك مظاهر الترف في الإنشاءات الهندسية والمنحوتات العظيمة والقصور المشيدة التي تعكس جلال المباني الخالدة.

ارتبطت الفخامة بمبادئ اللامساواة فوجد الانفصال الظاهر بين الأمتعة الغنية والأمتعة العادية، فخامة البعض من ناحية وعوز عدد أكبر من ناحية أخرى.

ترف مقدس، ترف دنيوي: ظهور فكرة المعتقدات الدينية التي تمجد الآلهة لا يمكن الحياة بدونها؛ إلا أن القدماء قسموا معبوداتهم إلى كبرى وصغرى، وعلى البشر تقديم ما يليق بمكانة كل منهم من فاخر المأكل والمشرب والملبس والزينة، والولائم الاحتفالية بها، والمجوهرات والملابس الثمينة، وبناء بيوت الآلهة الفخمة حيث تستخدم الأحجار الكريمة والمعادن النفيسة بهدف ضمان رضاها،

ثم تلا ذلك فكرة أن الملوك امتداد للآلهة على الأرض، يستمدون مشروعيتهم منهم؛ وتجسد ذلك في البذخ والترف في القصور الملكية. كما استمرت الولائم الباذخة في القصور الملكية، فحياة البلاط هي مسرح تباهي الملك وحاشيته بالخيرات والفخامة. ومن أبرز الأمثلة على ذلك ملوك مصر القديمة، حيث اهتموا ببناء بيوتهم المقدسة على أشكال عمودية عالية، كما اهتموا ببناء مقابرهم العملاقة (الأهرامات) الزاخرة بالكنوز التي تضمن لهم الخلود في الحياة الأخرى.

وابتداءً من العصور الوسطى والنهضة فإن ارتقاء البرجوازية في سلم السلطة الملكية، وظهورها بقوة في المجتمع قاد إلى زيادة إنفاقات الوجاهة من ناحية، وتوسيع الطبقات الراقية من ناحية أخرى. ومن هذه اللحظة تحرر الترف من كونه ميزة حصرية للمقدس والنظام الهرمي الوراثي، وأصبح دائرة مفتوحة للحراك الاجتماعي. وهكذا يمكن القول أن الانتشار الاجتماعي للترف سبق ثورة المساواة الحديثة.

فن، تحف، وتفاهات: تعدى الترف في عصر النهضة الاهتمام بالمظاهر الخاصة إلى الاهتمام بالفن والفنانين؛ فوجه الأمراء والنبلاء والملوك اهتمامهم بالفنانين وأغدقوا عليهم الهدايا ليجتذبوهم إلى بلاطهم. كذلك كان الحال مع البرجوازيين الذين كانوا يطمحون أن يكونوا محاطين بالتحف الفنية التي أصبحت من وسائل الوجاهة الاجتماعية في عالم النخبة. كانت اللوحات تعبر في الماضي عن الفوز بالخلود السماوي، ثم شيئا فشيئا أصبحت تعبر عن كل ما هو استمتاعاً دنيوياً، كل ما هو جميل وباهظ الثمن معاً.

هنا ظهرت علاقة أكثر شخصية وجمالية مع البضائع باهظة الثمن، طموح ذاتي لحياة أجمل وأكثر رقياً، علاقة حسية بين الإنسان والأشياء الثمينة. وأصبحت الأشياء تُحب لذاتها وليس فقط كرموز لوضع أو سلطة. وكان القرن الرابع عشر فترة مفصلية حيث شهدت الحضارة الغربية ظاهرتين أساسيتين في الترف: الآثار القديمة والموضة. الأولى تركز على الماضي، والثانية على الحاضر، مسارات الترف الزمنية تُصادف ظهور الثقافة الإنسانية الحديثة.

وها هو أحد مظاهر التبذير التفاخري تحت شعار العبث ومعاداة التقاليد، فالملبس التقليدي الذي يستر الجسم ما لبث أن تغير لتظهر الأثواب القصيرة الضيقة التي تسمح برؤية الجسد، وأصبحت الموضة تفتن الجميع، وفرض الملبس نفسه كسلعة تعبر عن المبالغة والتبذير اللذان يظهران في المناسبات والاحتفالات. وهنا يمكن تفسير هذا التحول بعاملين أساسيين :

ثقافة أكثر انفتاحاً على التغيير، والشغف بالنادر.

علاقة جديدة مع الفردانية، مع الميل إلى التجديد والرغبة في الاختلاف (الموضة) وظهور الصور الشخصية والتصوير الذاتي في النصف الثاني من القرون الوسطى.

وأصبحت الموضة تعبر بجانب الاستهلاك التفاخري عن تحولات ثقافية عميقة.

الفصل الثاني

ترف الحداثة ، ترف ما بعد الحداثة

في ظل الحداثة زاع صيت مصممو الأزياء الذين كانوا فيما سبق هم حرفيو الخياطة المغمورون، وأصبحت بيوت الموضة تفرض موديلاتها وأذواقها على زبائنها، ولم يعد الأمر متعلقاً فقط بثراء المواد المستخدمة ولكن طغت هالة اسم الدور العريقة وصيتها وسحر الماركة.

وأصبحت مبيعات الأزياء الرفيعة الأوروبية تمثل حجم كبير من صادرات هذه البلدان لأمريكا، وتم وضع التعريفات الجمركية للكتان وأوراق الموديلات للصناع الأجانب لإعادة تصنيعها في بلدانهم الخاصة.

ترف ونصف ترف: ومن جانب آخر أدى تطور الميكنة إلى ظهور (النصف الفخم) و(الفخم المزور) بأثمنة منخفضة تناسب الطبقات المتوسطة، ويشهد العصر الحديث اكتساح كمية كبيرة من منتجات التقليد في كل المجالات: المجوهرات، التحف، الاكسسوارات … إلخ. لتكون في متناول شريحة أكبر من الزبائن، مصنعة من مواد أقل تكلفة وأقل ترفاً، إنه تعبير عن “دمقرطة” الترف الذي تتيحه المتاجر الكبرى.

في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، ظهرت المتاجر التي تسعى إلى تحفيز استهلاك الطبقات المتوسطة، بتخفيض الأسعار وانتشار الدعاية. أصبحت المتاجر نفسها مشهد رائع وفخم للتسوق: عرض باذخ للمنتجات، حفلات دعاية وافتتاح، إسراف في البضائع والفترينات … كلها عناصر جذب تخلق عالماً ساحراً، ووعد جديد بالترف والسعادة للطبقات المتوسطة.

نحو ترف تسويقي: انتهت مرحلة كان الترف فيها يقوم من خلال الشركات العائلية أو مؤسسين مبتكرين مستقلين، لتحل محلها عمليات الدمج وشراء الحقوق، حركات التمركز وإعادة الهيكلة بغية تأسيس إمبراطوريات صناعية عالمية. فأصبحنا نرى الشركات العملاقة ذات معدلات الأرباح الخيالية المتداولة في البورصة، والمستندة على مجموعة كبيرة من الماركات المرموقة. ويعدد الكاتب بعض نماذج السلسلات الكبرى للسيارات الفارهة ومعدلات دخلها.

الترف العاطفي: إن ظاهرة الترف لا ترجع فقط الى التغيرات الملاحظة في مجال العرض، ولكن تعود أيضاً الى التحولات التي تضرب بجذورها في مجال الطلب. فإن عشق الترف لا تغذيه فقط الرغبة في نيل الإعجاب وإثارة الرغبة وأن يعترف بك الآخر، ولكنه مستند أيضاً على الرغبة في الإعجاب بالذات.



سنة النشر : 2018م / 1439هـ .
عداد القراءة: عدد قراءة الترف الخالد من عصر المقدس إلى زمن الماركات

اذا اعجبك الكتاب فضلاً اضغط على أعجبني
و يمكنك تحميله من هنا:


شكرًا لمساهمتكم

شكراً لمساهمتكم معنا في الإرتقاء بمستوى المكتبة ، يمكنكم االتبليغ عن اخطاء او سوء اختيار للكتب وتصنيفها ومحتواها ، أو كتاب يُمنع نشره ، او محمي بحقوق طبع ونشر ، فضلاً قم بالتبليغ عن الكتاب المُخالف:

المؤلف:
مجموعة من المؤلفين - Amr Hashem Rabie

كتب مجموعة من المؤلفين "مجموعة من المؤلفين"، هو ركن للكتب التي شارك في تأليفها أكتر من كاتب ومؤلف، وهو قسم مميز مليء بالكتب التي تعددت الجهود في إخراجها على أكمل الوجوه. . المزيد..

كتب مجموعة من المؤلفين
الناشر:
مركز نماء للبحوث والدراسات
كتب مركز نماء للبحوث والدراساتمؤسسة بحثية، تُعنى بإعداد ونشر وترجمة الأبحاث والدراسات في مجال الدراسات الإسلامية والإنسانية. تأسست عام 2011/1432. بيروت. ❰ ناشرين لمجموعة من المؤلفات أبرزها ❞ أسئلة الثورة ❝ ❞ أثر السياسة في اللغة مقبل الدعدي ❝ ❞ الخطاب الوعظي ❝ ❞ تكوين ملكة الحجاج والتناظر الفكري ❝ ❞ فقه تاريخ الفقه ❝ ❞ ثلاث رسائل في الإلحاد والعلم والإيمان Pdf ❝ ❞ التكفير عند جماعات العنف المعاصرة ❝ ❞ خطة معرفية للعمل في ملف الإلحاد ❝ ❞ التعددية الدينية والإثنية في مصر لـ د محمد توفيق توفيق ❝ ❞ الإسلاميون ومراكز البحث الأمريكية ❝ ومن أبرز المؤلفين : ❞ سلمان العودة ❝ ❞ مجموعة من المؤلفين ❝ ❞ محمد أركون ❝ ❞ محمد بن سعد بن منيع الزهري ❝ ❞ محمد توفيق أبو علي ❝ ❞ فهد الرومي ❝ ❞ عبد الله بن سعيد الشهري ❝ ❞ أمحمد جبرون ❝ ❞ محمد زاهد جول ❝ ❞ د.حسام الدين حامد ❝ ❞ إبراهيم بن صالح العايد ❝ ❞ عبد الله بن رفود السفياني ❝ ❞ مقبل الدعدي ❝ ❞ بلال التليدي ❝ ❞ اتحاد علماء المسلمين ❝ ❞ أم نائل بركاني ❝ ❞ المبروك الشيباني المنصوري ❝ ❞ دانكن بلاك ماكدونالد ❝ ❞ جورج مقدسي ❝ ❞ عبد الرحمن حللي ❝ ❞ نوفل جراد ❝ ❞ سفيان البراق ❝ ❞ بيتر هيل ❝ ❞ طه الفرحاوي ❝ ❞ كاثرين غوليو ❝ ❞ جابر محمد ❝ ❱.المزيد.. كتب مركز نماء للبحوث والدراسات