📘 قراءة كتاب The War on Terror State Crime Radicalization أونلاين
منذ بدايتها قبل عشرين عامًا في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة الأمريكية، تسببت «الحرب على الإرهاب»، في أضرار بالغة لحقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم. وفي هذا الإطار، كرّست العديد من الأدبيات تركيزها لتناول أثر «الحرب على الإرهاب» على حقوق الإنسان. قلة من تلك الأدبيات سعت لتقديم نظرية تجعل من ممارسات الدول أحد مرتكزات عملية التطرف، ومن بينها كتاب شاملة أحمد وعنوانه «الحرب على الإرهاب» وجرائم الدول والتطرف». في المقام الأول، تهدف الدراسة التي نشرتها مجموعة سبرينج نيتشرSpringer Nature في 2020، إلى استكشاف كيفية مساهمة ممارسات الدول و«جرائم الدول» خلال «الحرب على الإرهاب» في إنتاج «الإرهاب الإسلامي».
عبر فصول الكتاب، تربط الباحثة عملية التطرف بأربعة مستويات. الأول هو المستوى العالمي الكُلي الأعلى، حيث تجادل المؤلفة بمساهمة المؤسسات الدولية في عملية التطرف من موقع أعلى من مستوى الدولة. ومن ناحية أخرى، يتضمن المستوى الوطني الكُلي الجرائم التي تقوم بها الدول داخل وعبر حدودها، مثل الاحتلالات والهجوم على الديمقراطية وتصنيع خطابات الثنائيات وصناعة «الآخر». أما المستوى الثالث، وهو المجتمعي الوسيط، فيتألف من الدول التي تُسهّل التطرف من أسفل عبر خلق ظروف سياسية واقتصادية وأيديولوجية تُفضي إلى الإرهاب. وأخيرًا، يأتي المستوى الفردي الجزئي؛ وهو ما يظهر في الحرمان من العدالة والخبرات التي تُشكلها الهويات الثنائية، الأمر الذي ينتج مشاعر الخوف والعجز والضعف، والتي قد تسفر في نهاية المطاف عن إنتاج التطرف.
على مدار عقود، كان تعريف الإرهاب وبنيته على المستوى المفاهيمي محل خلاف، لكن مناقشة المؤلفة في الفصل الأول حول كيفية تصوير الدولة بشكل أساسي كضحية للإرهاب، بدلًا عن تصويرها كأحد أسبابه، يُضيف منظورًا مثيرًا للاهتمام. في السياق ذاته، يفكك الفصل مفاهيم محورية للكتاب، بما في ذلك القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، وكيفية تأثير انتهاك القوانين عبر «جرائم الدولة» على التطرف. إن منظور المؤلفة، والذي يسعى لتفكيك مفاهيم الإرهاب وجرائم الدول، يقودها في نهاية المطاف لاقتراح بناء تعريف للإرهاب، يأخذ في الاعتبار السيولة بين جرائم الدول والإرهاب. وفي سياق استكشاف هذا الإطار النظري، طرحت المؤلفة نظريتها التأسيسية حول التطرف، ووضعت جرائم الدولة في قلب عملية التطرف.
في الفصل الثاني، تطرح المؤلفة فرضية بأن مشاعر مثل العجز وكرب ما بعد الصدمة (التي تتسبب فيها مجموعة من ممارسات الدول) تُسفر عن احتياج الأفراد لنظام دعم أيديولوجي، وهو الأمر الذي قد تستثمره الجماعات الإرهابية. في النصف الأول من هذا الفصل، تقدم المؤلفة عرضًا موجزًا للنظريات السابقة بشأن التطرف، وتطرح حججًا مقنعة حول السبب الذي يجعل من العجز وكرب ما بعد الصدمة يلعبان دورًا مركزيًا في عملية التطرف. في المقابل، فإن النصف الثاني من الفصل، والذي يحتوي على عرض موجز للإسلام السياسي والوهابية، يُقدم صورة إشكالية تخلط إلى حد ما بين الوهابية والسلفية والتكفير. ورغم اعتراف الكتاب بأن السلفية ليست كتلة واحدة متجانسة؛ إلا أنه يقدم تصريحات مختزلة مثل أن السلفية هي «نسخة مُسيسة من الإسلام» وأن السمة المشتركة للسلفية هي «تبريرها للانخراط في الجهاد ضد المعتدين المتخيلين والذين ابتدعتهم».[1][2] تتغاضى هذه الرؤية عن تطور السلفية خلال القرن الماضي، كما أنها ترفض وجود أشكال متعددة من السلفية، وتغفل عما يسمى بالسلفية «العلمية» والتي يمكن القول بأنها غير سياسية وغير عنيفة إلى حد كبير.[3]
من الأمور المركزية لاستيعاب الكيفية التي تغذي بها «الحرب على الإرهاب» التطرف، هو فهم سلطة الدولة وكيفية ابتكارها ومأسستها للخطابات. في الفصل الثالث، تنظر المؤلفة إلى بنية هجمات الحادي عشر من سبتمبر (وبالتبعية لـ «الحرب على الإرهاب») باعتبارها تُمثّل تهديدًا للقيم العالمية. ومن ثم، تم وصف رد فعل الدول على الهجمات بأنها حرب مشروعة، مع التركيز على المقاربة العسكرية، والتي أسفرت عن مط حدود الاستجابات التي تحظى بالقبول. وعبر الترويج لخطاب يتخيل تقسيمًا ثنائيًا للبشر ما بين «نحن» و«هم»، يتواصل اقتراف التجاوزات بحق ضمانات حقوق الإنسان، وهو ما يساهم في نهاية المطاف في التطرف. ويقود منظور المؤلفة إلى خلاصة يتردد صداها عبر الكتاب، وهي أن «الحرب على الإرهاب» أخفقت وأدت لنتائج عكسية. الحجة الرئيسية التي تقدمها شاملة في هذا الفصل، هي كيفية تفاعل المستوى العالمي الكُلي مع المستويين الوطني الكُلي والمجتمعي الوسيط. على المستوى العالمي الكُلي، تجادل المؤلفة بأن مؤسسات، مثل الأمم المتحدة، شكّلت أبعاد استجابات الدول لأحداث الحادي عشر من سبتمبر. كما تجادل بأن قرارات بعينها صادرة عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة قد «ألزمت» الدول بمواجهة الإرهاب، ومن ثم لم تكن الدول قادرة على إنتاج حلول سلمية للتصدي للإرهاب؛ بل أن الأمم المتحدة أتاحت –طبقًا للمؤلفة– المجال اللازم لانتهاك القوانين والبروتوكولات التي تهدف لحماية حقوق الإنسان.[4] ومن خلال النظر في الجرائم الوطنية الكلية المرتكبة داخل الدول وبين بعضها البعض (لاسيما تلك التي اقترفتها المملكة المتحدة والولايات المتحدة)، تجادل المؤلفة بأن سياسات مكافحة الإرهاب تنتهك حقوق الإنسان، وأن الدول الأخرى وقعت تحت تأثير «الحرب على الإرهاب» بفضل الدور العالمي الكُلي الذي لعبته المؤسسات الدولية مثل الأمم المتحدة.
وفي محاولتها لتعقب جذور «الإرهاب الإسلامي»، يتناول الفصل الرابع دور المملكة المتحدة والولايات المتحدة في نشأة تنظيم القاعدة، أثناء وبعد غزو الاتحاد السوفيتي لأفغانستان. ومن أهم ما جاء في هذا الفصل، عرضه للدور المركزي الذي لعبته كلا من المملكة المتحدة والولايات المتحدة في تمويل تنظيم القاعدة، والأمر الأكثر إثارة للاهتمام، هو كيف ساهمتا في صياغة أيديولوجيتها التي تُشكل مستوى مجتمعيًا وسيطًا يؤدي للتطرف. كما تُلفت المؤلفة الانتباه إلى الصورة التي تم رسمها للشيوعية بوساطة كلا من المملكة المتحدة والولايات المتحدة، إبان الغزو السوفيتي، باستخدام خطابات تعمل على صناعة «الآخر»، وهي ما ساهم، وفقًا لشاملة، في خلق أسس الخطابات الجهادية التي ستعود لاحقًا لتطارد الغرب.
لا شك في أن الهجمات التي شهدتها باريس في 2015 قد أعادت إلى الأذهان هجمات الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة، سواءً من حيث الصدمة التي مثلتها، أو ردود الأفعال في أعقابها. في الفصل الخامس، تُسلط شاملة الضوء مجددًا على القوانين الأمنية لمكافحة الإرهاب والطوارئ التي فُرضت في فرنسا والمملكة المتحدة في أعقاب هجمات باريس، وكيف تؤثر على المستوى الوطني الكُلي للتطرف. مع الوضع في الاعتبار الخطاب الذي تمخض عن الهجمات وتقاطعه مع أزمة اللاجئين، تلاحظ شاملة «كيف أن الهجمات الإرهابية، التي شهدتها باريس ومن قبلها الولايات المتحدة في الحادي عشر من سبتمبر، قد حفزت سلسلة من التدابير الدولية والوطنية، كان من شأنها زيادة قدرة الدول على انتهاك الضمانات المعمول بها والانحراف عنها».[5] الفصل الخامس يناقش أيضًا المستوى العالمي الكُلي من خلال تتبعه لتطور كلا من القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، وتحديده للكيفية التي أثرت بها «الحرب على الإرهاب» على هذا المستوى. وبشكل خاص، يناقش هذا القسم تقاعس المجتمع الدولي، وعدم تدخله في حالات معينة، بما في ذلك سوريا، لوقف الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية، وكيفية ارتباط ذلك بالتطرف.
الفصل السادس يبحث في الكيفية التي تؤثر بها المصالح السياسية والاقتصادية على الإرهاب. في المقام الأول، تُوجه شاملة الانتباه للعلاقة بين السعودية والولايات المتحدة والمملكة المتحدة، وكيف ساهمت مثل تلك العلاقة في صعود تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) –ولكن الكتاب تجاهل في هذا السياق دور الإرث البعثي في العراق. ويناقش الفصل علاقة الوهابية بتنظيم الدولة الإسلامية. وإلى جانب تناولها لمأسسة الوهابية في السعودية، تلاحظ المؤلفة كيف أنه تم تصديرها بوتيرة عالية، وعلى مدى عقود، إلى بلدان أخرى. ومن الجدير بالذكر، أن الفصل يُسلط الضوء على إسكات الاتجاهات السياسية والدينية المختلفة في السعودية، وكيفية مساهمة ذلك في التطرف، كما يُشير بإيجاز إلى توظيف سياسات مكافحة الإرهاب كأداة لاستهداف المعارضة السياسية. كما يؤطر هذا القسم دور البلدان الغربية، بشكل فضفاض، إزاء الفوضى التي اجتاحت العراق في أعقاب الإطاحة بصدام حسين، ومسئوليتها عن الإمداد بالسلاح في مختلف أنحاء المنطقة، بالإضافة إلى دعم دول مثل السعودية.
في الخاتمة، يؤكد الكتاب على العلاقة بين الدول والتطرف، مشددًا ليس فقط على التأثير متعدد الطبقات لجرائم الدولة خلال «الحرب على الإرهاب» وكيف أن تلك الجرائم تغذي التطرف، ولكنه يشدد أيضًا على مسئولية الدول عن إنتاج خطابات ثنائية تغذي الإرهاب. رغم ذلك يتبنى الكتاب، خلال تقديمه لحججه، إحدى المقاربات الرئيسية التي سعى لانتقادها: بناء الثنائيات. فبطريقة لا لبس فيها، يتبنى الكتاب نظرة ثنائية: «نحن» و«هم» –الأفراد ضد المؤسسات– وقد قررت المؤلفة الانحياز للطرف الأول.[6]
ربما كانت أكثر الأمور إشكالية في نظرة الكتاب الثنائية هي المفهوم الذي يعتنقه عن «الدول»، حيث يتم اعتبارها بشكل كبير كتلة واحدة متجانسة غير قابلة للتغيير. مثال رئيسي على ذلك هو نظرة المؤلفة للولايات المتحدة الأمريكية. فقد لاحظت بشكل صحيح كيف تم صناعة الإرهاب كمفهوم في 2001 والمبالغة فيه، لكنها في المقابل لم تذكر أبدًا جهود أوباما الواعية لإبقاء الإرهاب في حجمه «المناسب» وعدم تضخيم تهديده في أعقاب هجمات باريس.[7] الإشارة الوحيدة لأوباما في الكتاب كانت في ضوء القفزة التي حدثت في عدد الضربات الجوية بوساطة الطائرات بدون طيار أثناء ولايته، وكيفية مساهمة ذلك في التطرف. هكذا وفي إطار السعي لإلقاء اللوم على المؤسسات، تم تجاهل فروق دقيقة أساسية. فخطاب أوباما (غير المُهوِّل) حول الإرهاب يتعارض بشكل كبير مع خطاب سلفه، وهو ما يشير إلي التغييرات التي تطرأ على سياسات الدول.
الأمر الأكثر أهمية، حقيقة تعرض موقف أوباما لنقد حاد من مساعديه ومن ساسة أمريكيين،[8] بما يشير إلى أن الخطاب حول الإرهاب هو نتاج أكثر من مجرد سعي الدول لتوسيع سلطاتها، وأنه في الواقع يتعلق بآليات واحتكاكات وعمليات متفاوتة في سياقات مختلفة. هذا السياق، يطرح مجموعة من الأسئلة التي تتطلب المزيد من الفحص الدقيق والبحث: كيفية تطور استراتيجيات مكافحة الإرهاب على مدار العقدين الماضيين؟ كيف تتلاءم استراتيجيتا مكافحة ومنع التطرف العنيف (CVE and PVE)، مع «الحرب على الإرهاب»؟ وهو الأمر الذي أغفلته المؤلفة تمامًا. السؤال الأكثر أهمية، هو كيف يتباين تأثير الأنماط المتنوعة من الدول على عملية التطرف؟ وكيف تؤثر المساحة التي تتيحها الدول لمؤسساتها المختلفة (الإعلام والبرلمان والأمن والمجتمع المدني)، على التطرف إيجابًا وسلبًا؟ وبينما تم تناول «الحرب على الإرهاب» وتداعياتها غالبًا من منظور الدول الغربية، فإن هذا يطرح السؤال حول مدى تماثل الآليات التي تغذي التطرف في الدول الديمقراطية والدول السلطوية؟
إن كتاب «الحرب على الإرهاب» وجرائم الدول والتطرف لا يقدم تقييمًا شاملًا لـــ «الحرب على الإرهاب» كما لا يقدم نظرة منصفة لدور الفاعلية الإنسانية في عملية التطرف. ولكنه في المقابل يلفت الانتباه إلى دور الدول، الذي غالبًا ما يتم تجاهله، في التطرف، بما يجعل منه نقطة انطلاق للإجابة عن بعض الأسئلة المذكورة أعلاه.
سنة النشر : 2020م / 1441هـ .
عداد القراءة:
اذا اعجبك الكتاب فضلاً اضغط على أعجبني و يمكنك تحميله من هنا:
عفواً..
هذا الكتاب
غير متاح للتحميل، حفاظًا على حقوق دار النشر. ،، يمكنكم شراؤه من مصادر أخرى
🛒 شراء " The War on Terror State Crime Radicalization " من متاجر إلكترونيّة
شكرًا لمساهمتكم
شكراً لمساهمتكم معنا في الإرتقاء بمستوى المكتبة ، يمكنكم االتبليغ عن اخطاء او سوء اختيار للكتب وتصنيفها ومحتواها ، أو كتاب يُمنع نشره ، او محمي بحقوق طبع ونشر ، فضلاً قم بالتبليغ عن الكتاب المُخالف: