❞ كتاب رسالة في بيان الكتب التي يعول عليها وبيان طبقات علماء المذهب الحنفي والرد على ابن كمال باشا ❝  ⏤ محمد بخيت المطيعي

❞ كتاب رسالة في بيان الكتب التي يعول عليها وبيان طبقات علماء المذهب الحنفي والرد على ابن كمال باشا ❝ ⏤ محمد بخيت المطيعي

الحنفية أو الأحناف أو المذهب الحنفي أو الفقه الحنفي ينسب هذا المذهب لأبي حنيفة النعمان (80هـ - 150هـ)، وهو مذهب فقهي من المذاهب الفقهية الأربعة المشهورة عند أهل السنة والجماعة كالمذهب المالكي، والمذهب الشافعي، والمذهب الحنبلي.

يعد المذهب الحنفي من أكثر المذاهب التي كتب لها الاستمرار وتلقتها الأمة بالقبول ويُسمى مذهب أهل الرأي، وهو المذهب الأكثر انتشاراً في العالم، وهو أقدم المذاهب الأربعة، وتتمثل أهمية هذا المذهب في أنه ليس مجرد أقوال الإمام أبي حنيفة وحده، ولكنه أقواله وأقوال أصحابه. ويعتبر مذهب الأحناف من المذاهب التي كان لها فضل كبير على الفقه الإسلامي، من خلال تحرير مسائله، وترتيبها في أبواب، حيث يعد الإمام أبو حنيفة أول من دون علم الشريعة ورتبه أبوابًا، ثم تابعه مالك بن أنس في ترتيب الموطأ، ولم يسبق أبا حنيفة في ذلك أحد، لأن الصحابة والتابعين لم يضعوا في علم الشريعة أبوابًا مبوبة، ولا كتبًا مرتبة، وإنما كانوا يعتمدون على قوة حفظهم، فلما رأى أبو حنيفة العلم منتشرًا، خاف عليه الخلف السوء أن يضيعوه، فدونه وجعله أبوابا مبوبة، وكتبًا مرتبة، فبدأ بالطهارة ثم بالصلاة، ثم بسائر العبادات، ثم المعاملات، ثم ختم الكتاب بالمواريث وهو الأمر الذي اعتمده الفقهاء من بعده.

ترجع نشأة المذهب الحنفي إلى أوائل القرن الثاني الهجري، وتحديداً سنة 120 هـ، وذلك يوم أن جلس أبو حنيفة على كرسي الإفتاء والتدريس خلفاً لشيخه حماد بن أبي سليمان، فكان هذا العام شاهداً على نشوء أول مذهب فقهي معتمد. ومن خلال هذه المدرسة الفقهية التي ترأسها الإمام أبو حنيفة نفسه، أخذ المذهب الحنفي في التمدد والانتشار؛ إذ أصبح له تلاميذ وأصحاب يلازمون حلقته، ويدونون أراءه وينشرونها، فكان لهم بذلك - لاسيّما الصاحبين أبي يوسف ومحمد بن الحسن الشيباني - دور كبير في قيام المذهب، وانتشار آرائه وأقواله. يقول ابن عبد البر: "كان لأبي حنيفة أصحاب جلّة، رؤساء في الدنيا، ظهر فقهه على أيديهم، أكبرهم أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم الأنصاري". وقال ابن حجر الهيتمي: "ورزق - يعني أبا حنيفة - حظاً وافراً في أتباعه؛ فقاموا بتحرير أصول مذهبه وفروعه، وأمعنوا النظر في منقوله ومعقوله، حتى صار - بحمد الله - مُحكم القواعد، معدن الفوائد".

فأما أبو يوسف: فقد كان أول من صنف الكتب في مذهب أبي حنيفة، فدوّن آراءه ورواياته، وذلك من خلال مصنفاته؛ ككتاب "الآثار" الذي رواه عن أبي حنيفة، وكتاب "اختلاف ابن أبي ليلى" الذي انتصر فيه لشيخه في خلافه مع ابن أبي ليلى، وكتاب "الرد على سير الأوزاعي" الذي انتصر فيه أيضاً لمذهبه وشيخه. بالإضافة إلى ذلك فإن أبا يوسف تولى القضاء للعباسيين طيلة ست عشرة سنة، وأوكل إليه مهمة اختيار القضاة وتوليتهم في أرجاء الخلافة العباسية، وكان لا يولّي في الغالب إلا حنفي المذهب؛ فكان لذلك أثر كبير في نشر فقه أبي حنيفة وأقواله في ربوع أرض الخلافة الإسلامية.

وأما محمد بن الحسن الشيباني: فهو راوية المذهب الحنفي، الذي نشر علم أبي حنيفة أيضاً بتصانيفه الكثيرة؛ حيث قام بتدوين الأصول الستة للمذهب الحنفي، أو ما يعرف بكتب ظاهر الراوية، والتي تعد المرجع الأول في فقه الحنفية، وهذه الكتب هي المبسوط (الأصل)، والزيادات، والجامع الصغير، والجامع الكبير، والسّير الصغير، والسّير الكبير.

ويمكن تقسيم الأطوار والمراحل التي مر بها المذهب الحنفي منذ نشأته وحتى يومنا إلى ثلاث مراحل:

تأسيس المذهب ونشأته
وهذه المرحلة تبدأ من عهد الإمام أبي حنيفة حتى وفاة الحسن بن زياد اللؤلؤي (ت 204 هـ) أحد كبار تلامذته. ويُعنى بتلك المرحلة: مرحلة تأسيس المذهب وقيامه، ووضع أصوله، وإرساء قواعده، والتي على أساسها يتم استنباط الأحكام، وتخريج الفروع، وقد تم ذلك على يد الإمام نفسه، وبإرشاد منه؛ كما رجح ذلك الشيخ محمد أبو زهرة، مع مشاركة كبار تلامذته؛ حيث كان لأبي حنيفة طريقة فريدة في التدريس؛ تقوم على المحاورة والمناظرة في المسائل الفقهية حتى يستقر الرأي على حكم، وحينئذ يأمر أبا يوسف بتدوينه.

يقول الموفق المكي مبيناً طريقة أبي حنيفة في تدريس أصحابه: "فوضع أبو حنيفة مذهبه شورى بينهم، لم يستبد فيه بنفسه دونهم؛ اجتهاداً منه في الدين، ومبالغة في النصيحة لله ورسوله والمؤمنين، فكان يُلقي مسألة مسألة، يقلبهم ويسمع ما عندهم، ويقول ما عنده، ويناظرهم شهراً أو أكثر من ذلك حتى يستقر أحد الأقوال فيها، ثم يُثبتها القاضي أبو يوسف في الأصول، حتى أثبت الأصول كلها". وبناء على ذلك فإن تلاميذ أبي حنيفة كانوا مشاركين في تأسيس هذا البناء الفقهي، ولم يكونوا مجرد مستمعين، مُسلّمين لما يطرح عليهم. ولم يكن أبو يوسف وحده هو الذي يقوم بتدوين ما استقر عليه الرأي، بل كان يوجد في حلقة أبي حنيفة عشرة يقومون بالتدوين، على رأسهم الأربعة الكبار: (أبو يوسف، محمد بن الحسن الشيباني، زفر بن الهذيل، الحسن بن زياد اللؤلؤي).

ولقد قام هؤلاء الأصحاب - خاصة الصاحبين: (أبا يوسف ومحمد بن الحسن) - بعد وفاة شيخهم بجهود كبيرة في تطوير المذهب وتنقيحه؛ فقاموا بتنقيح تلك الآراء التي اعتمدوها على عهد شيخهم، وأعادوا النظر فيها، وراجعوها في ضوء ما استُجد من أدلة وما حصل من تغيُّر في حياة الناس ومشاكلهم، ولذا وجدنا أبا يوسف ومحمد بن الحسن قد تراجعا عن كثير من الآراء التي اعتمدها إمامهم لمّا اطلعا على ما عند أهل الحجاز. وكان من آثار ذلك أن خالفوا إمامهم في جملة من المسائل الأصلية والفرعية، ومع ذلك فهم مجتهدون ومنتسبون إلى الإمام؛ لأنهم اعتمدوا قواعده، وساروا على طريقته في الاجتهاد. ولذلك دُوّنت آراؤهم مع آراء أبي حنيفة، وعُدّ الجميع مذهباً للحنفية، بل أحياناً تكون الفتوى عندهم على رأي أبي حنيفة، وأحياناً على رأي الصاحبين أو غيرهما.


يمثل كتاب رسالة في بيان الكتب التي يعول عليها وبيان طبقات علماء المذهب الحنفي والرد على ابن كمال باشا أهمية خاصة لدى باحثي التراجم والأعلام؛ حيث يندرج كتاب رسالة في بيان الكتب التي يعول عليها وبيان طبقات علماء المذهب الحنفي والرد على ابن كمال باشا ضمن نطاق مؤلفات التراجم وما يرتبط بها من فروع الفكر الاجتماعي والثقافة. محمد بخيت المطيعي - ❰ له مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ رسالة في بيان الكتب التي يعول عليها وبيان طبقات علماء المذهب الحنفي والرد على ابن كمال باشا ❝ ❞ نظام الوقف والاستدلال عليه ❝ الناشرين : ❞ وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية - إدارة الإفتاء ❝ ❞ دار القادري ❝ ❱
من التراجم والأعلام - مكتبة كتب إسلامية.

نبذة عن الكتاب:
رسالة في بيان الكتب التي يعول عليها وبيان طبقات علماء المذهب الحنفي والرد على ابن كمال باشا

2008م - 1446هـ
الحنفية أو الأحناف أو المذهب الحنفي أو الفقه الحنفي ينسب هذا المذهب لأبي حنيفة النعمان (80هـ - 150هـ)، وهو مذهب فقهي من المذاهب الفقهية الأربعة المشهورة عند أهل السنة والجماعة كالمذهب المالكي، والمذهب الشافعي، والمذهب الحنبلي.

يعد المذهب الحنفي من أكثر المذاهب التي كتب لها الاستمرار وتلقتها الأمة بالقبول ويُسمى مذهب أهل الرأي، وهو المذهب الأكثر انتشاراً في العالم، وهو أقدم المذاهب الأربعة، وتتمثل أهمية هذا المذهب في أنه ليس مجرد أقوال الإمام أبي حنيفة وحده، ولكنه أقواله وأقوال أصحابه. ويعتبر مذهب الأحناف من المذاهب التي كان لها فضل كبير على الفقه الإسلامي، من خلال تحرير مسائله، وترتيبها في أبواب، حيث يعد الإمام أبو حنيفة أول من دون علم الشريعة ورتبه أبوابًا، ثم تابعه مالك بن أنس في ترتيب الموطأ، ولم يسبق أبا حنيفة في ذلك أحد، لأن الصحابة والتابعين لم يضعوا في علم الشريعة أبوابًا مبوبة، ولا كتبًا مرتبة، وإنما كانوا يعتمدون على قوة حفظهم، فلما رأى أبو حنيفة العلم منتشرًا، خاف عليه الخلف السوء أن يضيعوه، فدونه وجعله أبوابا مبوبة، وكتبًا مرتبة، فبدأ بالطهارة ثم بالصلاة، ثم بسائر العبادات، ثم المعاملات، ثم ختم الكتاب بالمواريث وهو الأمر الذي اعتمده الفقهاء من بعده.

ترجع نشأة المذهب الحنفي إلى أوائل القرن الثاني الهجري، وتحديداً سنة 120 هـ، وذلك يوم أن جلس أبو حنيفة على كرسي الإفتاء والتدريس خلفاً لشيخه حماد بن أبي سليمان، فكان هذا العام شاهداً على نشوء أول مذهب فقهي معتمد. ومن خلال هذه المدرسة الفقهية التي ترأسها الإمام أبو حنيفة نفسه، أخذ المذهب الحنفي في التمدد والانتشار؛ إذ أصبح له تلاميذ وأصحاب يلازمون حلقته، ويدونون أراءه وينشرونها، فكان لهم بذلك - لاسيّما الصاحبين أبي يوسف ومحمد بن الحسن الشيباني - دور كبير في قيام المذهب، وانتشار آرائه وأقواله. يقول ابن عبد البر: "كان لأبي حنيفة أصحاب جلّة، رؤساء في الدنيا، ظهر فقهه على أيديهم، أكبرهم أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم الأنصاري". وقال ابن حجر الهيتمي: "ورزق - يعني أبا حنيفة - حظاً وافراً في أتباعه؛ فقاموا بتحرير أصول مذهبه وفروعه، وأمعنوا النظر في منقوله ومعقوله، حتى صار - بحمد الله - مُحكم القواعد، معدن الفوائد".

فأما أبو يوسف: فقد كان أول من صنف الكتب في مذهب أبي حنيفة، فدوّن آراءه ورواياته، وذلك من خلال مصنفاته؛ ككتاب "الآثار" الذي رواه عن أبي حنيفة، وكتاب "اختلاف ابن أبي ليلى" الذي انتصر فيه لشيخه في خلافه مع ابن أبي ليلى، وكتاب "الرد على سير الأوزاعي" الذي انتصر فيه أيضاً لمذهبه وشيخه. بالإضافة إلى ذلك فإن أبا يوسف تولى القضاء للعباسيين طيلة ست عشرة سنة، وأوكل إليه مهمة اختيار القضاة وتوليتهم في أرجاء الخلافة العباسية، وكان لا يولّي في الغالب إلا حنفي المذهب؛ فكان لذلك أثر كبير في نشر فقه أبي حنيفة وأقواله في ربوع أرض الخلافة الإسلامية.

وأما محمد بن الحسن الشيباني: فهو راوية المذهب الحنفي، الذي نشر علم أبي حنيفة أيضاً بتصانيفه الكثيرة؛ حيث قام بتدوين الأصول الستة للمذهب الحنفي، أو ما يعرف بكتب ظاهر الراوية، والتي تعد المرجع الأول في فقه الحنفية، وهذه الكتب هي المبسوط (الأصل)، والزيادات، والجامع الصغير، والجامع الكبير، والسّير الصغير، والسّير الكبير.

ويمكن تقسيم الأطوار والمراحل التي مر بها المذهب الحنفي منذ نشأته وحتى يومنا إلى ثلاث مراحل:

تأسيس المذهب ونشأته
وهذه المرحلة تبدأ من عهد الإمام أبي حنيفة حتى وفاة الحسن بن زياد اللؤلؤي (ت 204 هـ) أحد كبار تلامذته. ويُعنى بتلك المرحلة: مرحلة تأسيس المذهب وقيامه، ووضع أصوله، وإرساء قواعده، والتي على أساسها يتم استنباط الأحكام، وتخريج الفروع، وقد تم ذلك على يد الإمام نفسه، وبإرشاد منه؛ كما رجح ذلك الشيخ محمد أبو زهرة، مع مشاركة كبار تلامذته؛ حيث كان لأبي حنيفة طريقة فريدة في التدريس؛ تقوم على المحاورة والمناظرة في المسائل الفقهية حتى يستقر الرأي على حكم، وحينئذ يأمر أبا يوسف بتدوينه.

يقول الموفق المكي مبيناً طريقة أبي حنيفة في تدريس أصحابه: "فوضع أبو حنيفة مذهبه شورى بينهم، لم يستبد فيه بنفسه دونهم؛ اجتهاداً منه في الدين، ومبالغة في النصيحة لله ورسوله والمؤمنين، فكان يُلقي مسألة مسألة، يقلبهم ويسمع ما عندهم، ويقول ما عنده، ويناظرهم شهراً أو أكثر من ذلك حتى يستقر أحد الأقوال فيها، ثم يُثبتها القاضي أبو يوسف في الأصول، حتى أثبت الأصول كلها". وبناء على ذلك فإن تلاميذ أبي حنيفة كانوا مشاركين في تأسيس هذا البناء الفقهي، ولم يكونوا مجرد مستمعين، مُسلّمين لما يطرح عليهم. ولم يكن أبو يوسف وحده هو الذي يقوم بتدوين ما استقر عليه الرأي، بل كان يوجد في حلقة أبي حنيفة عشرة يقومون بالتدوين، على رأسهم الأربعة الكبار: (أبو يوسف، محمد بن الحسن الشيباني، زفر بن الهذيل، الحسن بن زياد اللؤلؤي).

ولقد قام هؤلاء الأصحاب - خاصة الصاحبين: (أبا يوسف ومحمد بن الحسن) - بعد وفاة شيخهم بجهود كبيرة في تطوير المذهب وتنقيحه؛ فقاموا بتنقيح تلك الآراء التي اعتمدوها على عهد شيخهم، وأعادوا النظر فيها، وراجعوها في ضوء ما استُجد من أدلة وما حصل من تغيُّر في حياة الناس ومشاكلهم، ولذا وجدنا أبا يوسف ومحمد بن الحسن قد تراجعا عن كثير من الآراء التي اعتمدها إمامهم لمّا اطلعا على ما عند أهل الحجاز. وكان من آثار ذلك أن خالفوا إمامهم في جملة من المسائل الأصلية والفرعية، ومع ذلك فهم مجتهدون ومنتسبون إلى الإمام؛ لأنهم اعتمدوا قواعده، وساروا على طريقته في الاجتهاد. ولذلك دُوّنت آراؤهم مع آراء أبي حنيفة، وعُدّ الجميع مذهباً للحنفية، بل أحياناً تكون الفتوى عندهم على رأي أبي حنيفة، وأحياناً على رأي الصاحبين أو غيرهما.


يمثل كتاب رسالة في بيان الكتب التي يعول عليها وبيان طبقات علماء المذهب الحنفي والرد على ابن كمال باشا أهمية خاصة لدى باحثي التراجم والأعلام؛ حيث يندرج كتاب رسالة في بيان الكتب التي يعول عليها وبيان طبقات علماء المذهب الحنفي والرد على ابن كمال باشا ضمن نطاق مؤلفات التراجم وما يرتبط بها من فروع الفكر الاجتماعي والثقافة.
.
المزيد..

تعليقات القرّاء:

الحنفية أو الأحناف أو المذهب الحنفي أو الفقه الحنفي ينسب هذا المذهب لأبي حنيفة النعمان (80هـ - 150هـ)، وهو مذهب فقهي من المذاهب الفقهية الأربعة المشهورة عند أهل السنة والجماعة كالمذهب المالكي، والمذهب الشافعي، والمذهب الحنبلي.

يعد المذهب الحنفي من أكثر المذاهب التي كتب لها الاستمرار وتلقتها الأمة بالقبول ويُسمى مذهب أهل الرأي، وهو المذهب الأكثر انتشاراً في العالم، وهو أقدم المذاهب الأربعة، وتتمثل أهمية هذا المذهب في أنه ليس مجرد أقوال الإمام أبي حنيفة وحده، ولكنه أقواله وأقوال أصحابه. ويعتبر مذهب الأحناف من المذاهب التي كان لها فضل كبير على الفقه الإسلامي، من خلال تحرير مسائله، وترتيبها في أبواب، حيث يعد الإمام أبو حنيفة أول من دون علم الشريعة ورتبه أبوابًا، ثم تابعه مالك بن أنس في ترتيب الموطأ، ولم يسبق أبا حنيفة في ذلك أحد، لأن الصحابة والتابعين لم يضعوا في علم الشريعة أبوابًا مبوبة، ولا كتبًا مرتبة، وإنما كانوا يعتمدون على قوة حفظهم، فلما رأى أبو حنيفة العلم منتشرًا، خاف عليه الخلف السوء أن يضيعوه، فدونه وجعله أبوابا مبوبة، وكتبًا مرتبة، فبدأ بالطهارة ثم بالصلاة، ثم بسائر العبادات، ثم المعاملات، ثم ختم الكتاب بالمواريث وهو الأمر الذي اعتمده الفقهاء من بعده.

ترجع نشأة المذهب الحنفي إلى أوائل القرن الثاني الهجري، وتحديداً سنة 120 هـ، وذلك يوم أن جلس أبو حنيفة على كرسي الإفتاء والتدريس خلفاً لشيخه حماد بن أبي سليمان، فكان هذا العام شاهداً على نشوء أول مذهب فقهي معتمد. ومن خلال هذه المدرسة الفقهية التي ترأسها الإمام أبو حنيفة نفسه، أخذ المذهب الحنفي في التمدد والانتشار؛ إذ أصبح له تلاميذ وأصحاب يلازمون حلقته، ويدونون أراءه وينشرونها، فكان لهم بذلك - لاسيّما الصاحبين أبي يوسف ومحمد بن الحسن الشيباني - دور كبير في قيام المذهب، وانتشار آرائه وأقواله. يقول ابن عبد البر: "كان لأبي حنيفة أصحاب جلّة، رؤساء في الدنيا، ظهر فقهه على أيديهم، أكبرهم أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم الأنصاري". وقال ابن حجر الهيتمي: "ورزق - يعني أبا حنيفة - حظاً وافراً في أتباعه؛ فقاموا بتحرير أصول مذهبه وفروعه، وأمعنوا النظر في منقوله ومعقوله، حتى صار - بحمد الله - مُحكم القواعد، معدن الفوائد".

فأما أبو يوسف: فقد كان أول من صنف الكتب في مذهب أبي حنيفة، فدوّن آراءه ورواياته، وذلك من خلال مصنفاته؛ ككتاب "الآثار" الذي رواه عن أبي حنيفة، وكتاب "اختلاف ابن أبي ليلى" الذي انتصر فيه لشيخه في خلافه مع ابن أبي ليلى، وكتاب "الرد على سير الأوزاعي" الذي انتصر فيه أيضاً لمذهبه وشيخه. بالإضافة إلى ذلك فإن أبا يوسف تولى القضاء للعباسيين طيلة ست عشرة سنة، وأوكل إليه مهمة اختيار القضاة وتوليتهم في أرجاء الخلافة العباسية، وكان لا يولّي في الغالب إلا حنفي المذهب؛ فكان لذلك أثر كبير في نشر فقه أبي حنيفة وأقواله في ربوع أرض الخلافة الإسلامية.

وأما محمد بن الحسن الشيباني: فهو راوية المذهب الحنفي، الذي نشر علم أبي حنيفة أيضاً بتصانيفه الكثيرة؛ حيث قام بتدوين الأصول الستة للمذهب الحنفي، أو ما يعرف بكتب ظاهر الراوية، والتي تعد المرجع الأول في فقه الحنفية، وهذه الكتب هي المبسوط (الأصل)، والزيادات، والجامع الصغير، والجامع الكبير، والسّير الصغير، والسّير الكبير.

ويمكن تقسيم الأطوار والمراحل التي مر بها المذهب الحنفي منذ نشأته وحتى يومنا إلى ثلاث مراحل:

تأسيس المذهب ونشأته
وهذه المرحلة تبدأ من عهد الإمام أبي حنيفة حتى وفاة الحسن بن زياد اللؤلؤي (ت 204 هـ) أحد كبار تلامذته. ويُعنى بتلك المرحلة: مرحلة تأسيس المذهب وقيامه، ووضع أصوله، وإرساء قواعده، والتي على أساسها يتم استنباط الأحكام، وتخريج الفروع، وقد تم ذلك على يد الإمام نفسه، وبإرشاد منه؛ كما رجح ذلك الشيخ محمد أبو زهرة، مع مشاركة كبار تلامذته؛ حيث كان لأبي حنيفة طريقة فريدة في التدريس؛ تقوم على المحاورة والمناظرة في المسائل الفقهية حتى يستقر الرأي على حكم، وحينئذ يأمر أبا يوسف بتدوينه.

يقول الموفق المكي مبيناً طريقة أبي حنيفة في تدريس أصحابه: "فوضع أبو حنيفة مذهبه شورى بينهم، لم يستبد فيه بنفسه دونهم؛ اجتهاداً منه في الدين، ومبالغة في النصيحة لله ورسوله والمؤمنين، فكان يُلقي مسألة مسألة، يقلبهم ويسمع ما عندهم، ويقول ما عنده، ويناظرهم شهراً أو أكثر من ذلك حتى يستقر أحد الأقوال فيها، ثم يُثبتها القاضي أبو يوسف في الأصول، حتى أثبت الأصول كلها". وبناء على ذلك فإن تلاميذ أبي حنيفة كانوا مشاركين في تأسيس هذا البناء الفقهي، ولم يكونوا مجرد مستمعين، مُسلّمين لما يطرح عليهم. ولم يكن أبو يوسف وحده هو الذي يقوم بتدوين ما استقر عليه الرأي، بل كان يوجد في حلقة أبي حنيفة عشرة يقومون بالتدوين، على رأسهم الأربعة الكبار: (أبو يوسف، محمد بن الحسن الشيباني، زفر بن الهذيل، الحسن بن زياد اللؤلؤي).

ولقد قام هؤلاء الأصحاب - خاصة الصاحبين: (أبا يوسف ومحمد بن الحسن) - بعد وفاة شيخهم بجهود كبيرة في تطوير المذهب وتنقيحه؛ فقاموا بتنقيح تلك الآراء التي اعتمدوها على عهد شيخهم، وأعادوا النظر فيها، وراجعوها في ضوء ما استُجد من أدلة وما حصل من تغيُّر في حياة الناس ومشاكلهم، ولذا وجدنا أبا يوسف ومحمد بن الحسن قد تراجعا عن كثير من الآراء التي اعتمدها إمامهم لمّا اطلعا على ما عند أهل الحجاز. وكان من آثار ذلك أن خالفوا إمامهم في جملة من المسائل الأصلية والفرعية، ومع ذلك فهم مجتهدون ومنتسبون إلى الإمام؛ لأنهم اعتمدوا قواعده، وساروا على طريقته في الاجتهاد. ولذلك دُوّنت آراؤهم مع آراء أبي حنيفة، وعُدّ الجميع مذهباً للحنفية، بل أحياناً تكون الفتوى عندهم على رأي أبي حنيفة، وأحياناً على رأي الصاحبين أو غيرهما.


يمثل كتاب رسالة في بيان الكتب التي يعول عليها وبيان طبقات علماء المذهب الحنفي والرد على ابن كمال باشا أهمية خاصة لدى باحثي التراجم والأعلام؛ حيث يندرج كتاب رسالة في بيان الكتب التي يعول عليها وبيان طبقات علماء المذهب الحنفي والرد على ابن كمال باشا ضمن نطاق مؤلفات التراجم وما يرتبط بها من فروع الفكر الاجتماعي والثقافة. 
 

نبذة عن الكتاب :

يمثل كتاب رسالة في بيان الكتب التي يعول عليها وبيان طبقات علماء المذهب الحنفي والرد على ابن كمال باشا أهمية خاصة لدى باحثي التراجم والأعلام؛ 


حيث يندرج كتاب رسالة في بيان الكتب التي يعول عليها وبيان طبقات علماء المذهب الحنفي والرد على ابن كمال باشا ضمن نطاق مؤلفات التراجم وما يرتبط بها من فروع الفكر الاجتماعي والثقافة. 



سنة النشر : 2008م / 1429هـ .
حجم الكتاب عند التحميل : 1.9 ميجا بايت .
نوع الكتاب : pdf.
عداد القراءة: عدد قراءة رسالة في بيان الكتب التي يعول عليها وبيان طبقات علماء المذهب الحنفي والرد على ابن كمال باشا

اذا اعجبك الكتاب فضلاً اضغط على أعجبني
و يمكنك تحميله من هنا:

تحميل رسالة في بيان الكتب التي يعول عليها وبيان طبقات علماء المذهب الحنفي والرد على ابن كمال باشا
شكرًا لمساهمتكم

شكراً لمساهمتكم معنا في الإرتقاء بمستوى المكتبة ، يمكنكم االتبليغ عن اخطاء او سوء اختيار للكتب وتصنيفها ومحتواها ، أو كتاب يُمنع نشره ، او محمي بحقوق طبع ونشر ، فضلاً قم بالتبليغ عن الكتاب المُخالف:

برنامج تشغيل ملفات pdfقبل تحميل الكتاب ..
يجب ان يتوفر لديكم برنامج تشغيل وقراءة ملفات pdf
يمكن تحميلة من هنا 'http://get.adobe.com/reader/'

المؤلف:
محمد بخيت المطيعي - Muhammad Bakhit Al Muta'i

كتب محمد بخيت المطيعي ❰ له مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ رسالة في بيان الكتب التي يعول عليها وبيان طبقات علماء المذهب الحنفي والرد على ابن كمال باشا ❝ ❞ نظام الوقف والاستدلال عليه ❝ الناشرين : ❞ وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية - إدارة الإفتاء ❝ ❞ دار القادري ❝ ❱. المزيد..

كتب محمد بخيت المطيعي
الناشر:
دار القادري
كتب دار القادري ❰ ناشرين لمجموعة من المؤلفات أبرزها ❞ نظرة تاريخية في حدوث المذاهب الفقهية الأربعة ❝ ❞ المتفق والمفترق ❝ ❞ رسالة في بيان الكتب التي يعول عليها وبيان طبقات علماء المذهب الحنفي والرد على ابن كمال باشا ❝ ❞ نظرة تاريخية في حدوث المذاهب الفقهية الأربعة ❝ ومن أبرز المؤلفين : ❞ أحمد بن علي بن ثابت ❝ ❞ أحمد تيمور ❝ ❞ محمد بخيت المطيعي ❝ ❱.المزيد.. كتب دار القادري